هو مقصد لعشاق الطبيعة البكر بمناخها وتكويناتها، وللحياة البسيطة التقليدية واستمراريتها، هو "جرد طرطوس".. المنطقة الفاصلة بين الساحل والداخل.
فعلى بعد حوالي /25/ كيلومتراً شرقي الشريط الساحلي، وعلى امتداد حوالي /40/ ألف هكتار تبدأ جنوباً وتنتهي شمالاً، يقع وينتشر "جرد طرطوس" الذي حدثنا عنه الباحث التراثي "حسن اسماعيل" خلال لقاء موقع eSyria به بتاريخ "18/7/2011" حيث قال:
حتى وسائل العمل والنقل كانت وسائل بدائية جداً تعتمد على الحيوانات، فذكور الأبقار أو ما يسمى العجول لمحاولة حراثة الأراضي الصخرية الوعرة، فهي تتميز بقوتها البدنية الكبيرة، والحمار من أهم وسائل نقل المحاصيل الزراعية والمياه من الينابيع والتنقل عبر القرى
«قبل أن نتحدث عن "المنطقة الجردية" في محافظة "طرطوس" أو ما يسمى "جرد طرطوس" يجب أن نوضح ما معنى كلمة "الجرد" وما المقصود بها لأن معظم الناس لا تعلم ما معنى هذه الكلمة، فكلمة "الجرد" جاءت من كلمة أجرد، والمقصود في "المنطقة الجردية" المنطقة العالية المرتفع الجرداء من كل شيء قابل للاستثمار والإنتاج.
وهذا نتيجة للطبيعة الجبلية القاسية التي تطغى عليها الغابات والأحراش وفي الأغلب الصخور الكبيرة العملاقة، والتي تحتاج إلى جهد جهيد ومال وفير ليتم الاستفادة منها بنسب قليلة ومعقولة، ولكل منطقة في المحافظة جردها الخاص "كجرد القدموس" و"جرد العنازة" و"جرد الدريكيش" و"جرد الشيخ بدر" و"جرد صافيتا" والتي تقع جميعها في الجهة الشرقية من المحافظة».
ويتابع: «وبتعريف أكثر دقة "للمنطقة الجردية" يمكن القول إنها المنطقة البعيدة عن الشريط الساحلي مسافة حوالي /25/ كيلومتراً شرقاً وما فوق، وتمتد حتى نهاية الحدود الإدارية للمحافظة والتي تنتهي إلى الحدود الإدارية لكل من محافظة "حماه" ومحافظة "حمص"، أما من الجهة الجنوبية فتبدأ أيضاً بمحافظة "حمص" وتنتهي بمحافظة "اللاذقية" شمالاً».
وفي الأغلب هذا الجرد متماثل الصفات والسمات رغم تعدد المدن والمناطق التي ينتشر ويقع فيها: «أعتقد أن "الجرد" مع اختلاف مناطق ومدن انتشاره يتمتع بتربة بركانية مميزة، فمع بداية الانحدار من القمم الجبلية البركانية وإلى الجهة الغربية باتجاه الشريط الساحلي تظهر هذه التربة بشكل جلي وواضح في أغلب أراضيها.
إضافة إلى التربة الكلسية التي تظهر في عدة مناطق أيضاً كمنطقة "دوير رسلان" وقراها في جرد مدينة "الدريكيش"، والمناطق الواقعة شرقي مدينة "صافيتا" كمنطقة "حصن سليمان" وقرية "سبة"، ويمكن أن نرى أيضاً التربة الحمراء القاتمة والتي تظهر في الجهة الجنوبية من "المنطقة الجردية" بشكل عام».
ولكن هذه الطبيعية الجردية القاسية والصعبة لم تقف أمام عزيمة سكانها الذين عرفوا واشتهروا بقوتهم وصلابتهم ومحبتهم للعمل في الحقول الصغيرة جداً أو ما أسموها بحسب كلام الجد "علي حمود" من منطقة "جرد القدموس" "الحاكورة"، وهنا قال:
«إن الطبيعة الصخرية لأغلب مناطق وحقول "المنطقة الجردية" والطبيعة الحراجية للمناطق الأخرى فيها، جعلت من سكانها مزارعين أشاوس يبحثون عن "الحواكير الترابية" الصغيرة بجانب الصخور الكبيرة وجذوع الأشجار ليستثمروها بزراعاتهم البسيطة والضرورية، كزراعة القمح لتأمين المصدر الأساسي للخبز، إضافة إلى زراعة العدس والحمص والذرة والبازلاء والجوز والتين والعنب الحراجي، وذلك على طريقة الزراعة البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار لحياتها ونموها».
وهنا يمكن القول إن مقومات الحياة التقليدية البسيطة لم تقتصر على الزراعة وطرقها البدائية، وإنما تعدتها إلى سبل المعيشة اليومية التي يشعر المرء حين الاستماع إلى قصصها بالحنين والدفء لها، وهذا بحسب تعبير الجد "ميخائيل زخور" من قرية "بدادا" في "جرد صافيتا" الذي قال:
«لم تحتو حياتنا القروية يوماً التعقيدات والرسميات الاجتماعية، وإنما كان عنوانها البساطة والعفوية في كل تفاصيلها ومتطلباتها، فمدفئة الحطب برائحة حطبها الطبيعي وبقايا عصير الزيتون أو ما يعرف "بالتمز"، سيدة سهراتنا ومجالسنا في فصل الشتاء لأنها الأقدر على إشعارنا بالدفء، وسهراتنا الصيفية واجتماعنا في منزل احدنا وتشاورنا في ما يجب أن نقوم به من عمل في اليوم التالي سر بقائنا وتميزنا عن بقية المجتمعات».
ولم يكن هذا كل شيء من البساطة الحياتية في الحياة الجردية كما حدثنا الجد "شعبان علي" من "جرد القدموس" الذي أكد أن الفرش الداخلي للمنزل كان من منتجات وموجودات الطبيعة كدليل على تسخير الطبيعية ومكوناتها لاستمرار الحياة البشرية فيها، كفرشة القش الخاصة للنوم وفرشة الخشب أو ما يعرف "بالعرزال" الذي هو عبارة عن عدة أوتاد أو أعمدة صغيرة تغرس في الأرض ومن ثم ترتب فوقها أعواد الأشجار المتينة بشكل متجاور جداً لتصبح فراشاً جاهزاً للنوم عليه.
أي إن اعتماد أبناء الجرد في حياتهم ومعيشتهم اليومية على الطبيعية ومنتجاتهما وموادها الأولية يناهز نسبة المئة بالمئة، مضيفاً: «حتى وسائل العمل والنقل كانت وسائل بدائية جداً تعتمد على الحيوانات، فذكور الأبقار أو ما يسمى العجول لمحاولة حراثة الأراضي الصخرية الوعرة، فهي تتميز بقوتها البدنية الكبيرة، والحمار من أهم وسائل نقل المحاصيل الزراعية والمياه من الينابيع والتنقل عبر القرى».
إذاً الطبيعة العامة للجرد تتميز بالجمال الرباني والمناظر الطبيعية الخلابة والجبال الشاهقة مع اختلاف جوهري ليس من طبيعة "المنطقة الجردية" وإنما صفة استطاعت بعض المناطق الجردية التحلي بها وتسخيرها لمصلحتها، وهذا ما أوضحه لنا السيد "سليم إبراهيم" مختار قرية "فجليت" التي تبعد عن مدينة "الدريكيش" حوالي /20/ كيلومتراً، حيث قال:
«في الأساس "المنطقة الجردية" هي المنطقة البعيدة جداً عن مراكز المدن في المحافظة، ولكن هذا ليس مقياساً في وقتنا الحالي لبقاء الفكرة الأساسية عن الجرد وطبيعته الجرداء غير المخدمة بالبنى التحتية والخدمات المعيشية، لأن تطور الخدمات وتوافر البنى التحتية والترفيهية والحضارية والعلمية تباينت بين مختلف المناطق التي يقع وينتشر فيها هذا الجرد.
حيث نرى في بعض مناطقه الكثير من الخدمات السياحية والترفيهية والعلمية والخدمية التي من شأنها رفع سوية هذه المنطقة لتنافس أغلب المناطق التي هي في مركز المدينة أو المحافظة، وذلك مع بقاء الصفة الجردية عليها، وهذا طبعاً لأن سكان هذه "المنطقة الجردية" استطاعوا الاستفادة من الطبيعية الجميلة والخلابة وتسخيرها لما يخدمهم ويطور وينمي بيئتهم المحيطة بهم حيث أضحت بعض المناطق الجردية مقصداً سياحياً اصطيافياً لا غنى عنه لمحبي الطبيعة والجمال الحقيقي كما في "جرد الدريكيش" حيث المنتزهات والمطاعم والمغاور السياحية، إضافة إلى أن بعضها أضحى منارات علمية وثقافية ينهل منها الجميع في المحافظة، كما في "جرد القدموس" حيث شيدت الجامعات».