الموسيقا والغناء عند معتنقي الديانة الإيزيدية في سورية لها أنماط وطباع خاصة، فالموسيقا هي الحالة القدسية الإبداعية التي تسمو بروحهم إلى السماء، ومنها ينطلقون إلى الحياة.
لا يخلو بيت "إيزيدي" في الجزيرة السورية وفي منطقة "عفرين" من آلة "الطنبور" المقدسة لديهم، ومن أجواء موسيقية مرافقة لها. هنا يحدثنا الموسيقي "ابراهيم كيفو" عنها فيقول: «أصبحت الموسيقا والغناء طقساً من أهم طقوس العبادة عند الإيزيديين، فمثلاً في أعيادهم المتعددة والمتنوعة الغناء والموسيقا أساسيان ولا يكتمل العيد فرحة وبهجة دون الغناء والموسيقا، فالعيد من الأجواء المميزة جداً لديهم يسمونه "عيدا جماييه" حيث يأتي الإيزيديون إلى معبدهم القديم "لالش نوراني"، ليقوموا بفريضة حجهم في هذا المعبد، ففي كل مراحل الحج هناك غناء مرافق وموسيقا مرافقة وفي أحد المراحل الموجودة ضمن فريضة الحج هو الصعود إلى الجبل المطل على المعبد فهناك يقومون بالعزف والغناء ليس من المهم أن يكون غناءً دينياً لا بل أغاني عشق وحب وبطولات وأنواع أخرى كالدبكات، لأنها بالأصل هي فرحة لديهم وكأنهم يتحدون بأرواحهم مع أولئك القديسين لديهم».
إن الحضارة التي توجد في هذه المنطقة جعلت الشعوب تتأثر ببعضها بعضاً موسيقياً، وكان ومازال للإيزيديين مكانة موسيقية وفنية كبيرة بين هذه الشعوب، فالموسيقا والغناء الإيزيدي لهما قدسية كبيرة ومكانة فنية وروحية مميزة، وما كانت آلة "الطنبور" إلا إحدى أهم تلك الآلات المقدسة لديهم، فلهذه الآلة مكانة موسيقية كبيرة بين الإيزيديين والأكراد بشكل خاص
وعن الشخصيات المقدسة التاريخية الموجودة في الغناء والموسيقا الإيزيدية يقول: «هناك شخصية مقدسة تاريخية في الغناء الإيزيدي وموسيقاه، يسمى "قاضيش لو" "قاضيش رو" وتعني هذا القديس أو قديس النور واسمه مرتبط مع موسيقاه بكل ما يحتويه من معنى "الغناء، الرقص، العزف، التعليم"، ففي عقيدتهم الدينية عندما كلف الله سبحانه وتعالى الملائكة وعلى رأسهم "طاووس ملك" بتحويل الأرض التي كانت مغمورة بالماء إلى يابسة أرادوا أن ينصبوا لهم خيمة في مكان يدعى"لالش" لم يجدوا أوتاداً لشد حبالهم بها فأخرج هذا العازف النوراني الخارق "قاضي شلو" طنبوره وبدأ يعزف معزوفته المتوارثة إلى يومنا هذا فمدت الأسماك روؤسها وتحولت إلى أوتاد فربطوا بها حبال خيمتهم واستقروا هناك وبدؤوا بالتكوين بأمر من الله سبحانه وتعالى حسب عقيدتهم، وهذا ما يدل على أن الموسيقا تحقق المعجزات والأعاجيب في الحياة الكونية اعتماداً على العقيدة الإيزيدية.
وهذه الشخصية هي المعلم في الموسيقا الإيزيدية، وهناك ألحان خاصة منذ ذاك التاريخ إلى يومنا هذا باسمه وهو كان عازفاً لآلة الطنبور "الشبيهة بالساز الحالي عند الأتراك والأكراد وعائلة البزق"، رواياتهم تقول عندما كان يعزف ويغني كان بإمكانه التحليق والارتفاع عن الأرض وكان معلماً للتلاميذ أيضاً، فالتلميذ عندما يعزف معزوفته الشهيرة المسماة باسمه "قاضي شلو" وهي من مقام العجم مستعملاً فيها السلم الكامل فيعطيه بما معناه الآن الشهادة، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن فإن أي شخص يعزف على آلة الطنبورة وعندما يتقدم إلى فحص بهذا الخصوص يطلب منه أن يعزف معزوفة "قاضيشلو" حتى يكون ناجحاً وممارساً لمهنة العزف والغناء، فهي من المعزوفات المقدسة والمشهورة لديهم، حيث إن مجموعات الدبكة من أولى المعزوفات التي يطلبونها في دبكاتهم هي معزوفة "قاضي شلو" وبعدها ينطلقون إلى أغاني أخرى عاطفية وحب وغيرها من الأغاني».
وعن قدسية آلة "الطنبور" عند الإيزيديين يقول: «آلة الطنبور مقدسة عند الإيزيديين دليل ذلك كل بيت إيزيدي يجب أن تكون آلة الطنبور موجودة فيه ومعلقة بجانب الرمز المقدس وبأعلى مكان، فهذا الطقس موجود عند الإيزيديين في الجزيرة السورية منذ القدم، وهناك رواية أخرى تقول وتؤكد مدى قدسية الموسيقا من قبل كل الآلهة والرموز الدينية عند الإيزيديين وعلى رأسهم "طاووس ملك"، وتقول الرواية بعد أن أنهى وأدى واجبه في التكوين وبعد فترة من الزمن وحسب ميثولوجيا الإيزيدية قام "طاووس ملك" بجمع حشد كبير من البشر بكافة اختصاصاتهم يعني العلماء والمفكرين والشعراء والموسيقيين والعازفين، وحتى يذكر بأن عددهم تجاوز الـ"70000" حضروا هذا الاحتفال الكبير، وكان الأغلب والأكثرية بين الحاضرين هم من الموسيقيين والمغنين ودليل ذلك هناك نص مغنى منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا يغنيه الإيزيديون وبالأخص طبقة الشيوخ وهو بعنوان "دي حظرتا طاووس ملك" أو "ديوانا إيزي" أي مجلس النبي الأكبر "إيزي"، وتقول الرواية بأن الجو كان خارقاً لدرجة أتت الطيور بكافة أشكالها وألوانها وبدأت تتكلم بلغة البشر وتغني وتقول ألا يحق لنا أن نشارككم أيضاً، ألسنا من مخلوقات الله، فبدؤوا المشاركة وأصبح الجو موسيقياً خلاقاً وساحراً».
ويتابع: «هذا هو الجانب الديني في الغناء الإيزيدي، وإن الأقوال المغناة والملحنة عند الإيزيديين تكون بلغات مختلفة، الكردية منها واضحة وبكثرة وبموسيقية اللغة الكردية، ولكن أيضاً هناك كلمات كثيرة من اللغة الفارسية مثل "دفيت دبكت حكايت- شير وخودايي ايتاقت" وكلمات كثيرة باللغة السريانية وأهمها "هللويا هول هولا سلطان إيزي"، وحتى أقوال كثيرة باللغة العربية موجودة فيها ومثال ذلك، قول "طاووس ملك" يصف حاله مرتلاً:
حتى بقيت بذاتي / وبقيت برضاتي
وعند كل ذاتي اسم/ للناس عندهم دعاتي.
أما إذا تحدثنا عن الغناء الشعبي عند الإيزيديين في سورية فحدث ولا حرج فهناك الغناء الملحمي، وهنا يصف البطل الإيزيدي، فمثلاً هناك ملحمة غنائية بحد ذاتها وبألحان مختلفة تغنى عن الإيزيديين في جميع أنحاء العالم والجزيرة السورية منها "شري دروشي عبدي" ويعني معركة البطل "درويش عبدي" الذي قاتل بقوة فائقة وقتل فيها وكلها مغناة بطريقة رهيبة تصف معركته بألحان جميلة وقوية فآلت دون ايقاعات وبمئات الأبيات الشعرية وبلحن جميل جداً ومنها أغنية "ليانة ليانة"، ونفس البطل وبعد أن قتل بالمعركة غنيت فيه أغاني كثيرة ولكن بألحان مختلفة عن لحن المعركة، وأحداث هذه المعركة جرت في سهول مدينة "رأس العين" السورية امتداداً إلى مدينة "ويران شهر" في "تركيا"، وأجملها "دلال" التي غنيت من قبل حبيبته عدولة "عدلة" بعد سماعها بسقوطه في المعركة وقتله.
أما الغناء الشعبي عند الإيزيديين، فكل ما نسمعه من تراث قديم في الأغاني السورية- الكردية له علاقة واضحة بالغناء الإيزيدي، وأيضاً هناك الكثير من الأغاني الشعبية العربية الجميلة تغنى عند الإيزيديين وبالأخص باللهجة العربية الموصلاوية القريبة جداً للهجة العربية الماردينية في مدينة "ماردين" السورية، مثال يا "دلال مدللة قلبي وياردلي" من قبل فنانين إيزيديين في منطقة "بعشيق وبهزان"».
ويقول الباحث الموسيقي "محمود القطاط": «إن الحضارة التي توجد في هذه المنطقة جعلت الشعوب تتأثر ببعضها بعضاً موسيقياً، وكان ومازال للإيزيديين مكانة موسيقية وفنية كبيرة بين هذه الشعوب، فالموسيقا والغناء الإيزيدي لهما قدسية كبيرة ومكانة فنية وروحية مميزة، وما كانت آلة "الطنبور" إلا إحدى أهم تلك الآلات المقدسة لديهم، فلهذه الآلة مكانة موسيقية كبيرة بين الإيزيديين والأكراد بشكل خاص».