مازالت قرية "الخراب" التي بنيت بأيدي فينيقية، تحتفظ بخصائص زراعية وجغرافية جعلت منها مركزاً تجارياً وسياحياً وسلة غذائية غنية وواعدة.

السيد "عيسى ضوا" من أهالي قرية "الخراب" تحدث لموقع eSyria بتاريخ "29/6/2011" عن موقع القرية وطبيعة مناخها وتضاريسها، فقال: «على مسافة طول لا تتجاوز /10/ كيلومترات وعرض لا يتجاوز أيضاً /2/ كيلومتر تربعت قرية "الخراب" على الشريط الساحلي في منتصف المسافة تقريباً الفاصلة بين مدينتي "بانياس" و"طرطوس".

الحل في مساعدة القرية على المتابعة في نموها هو إحداث وحدة إدارية مستقلة تنهض بالقرية بمساعدة أبنائها المستعدون لذلك

حيث تميزت بتضاريسها السهلية المنبسطة في معظم أراضيها، ما ساهم في تميزها زراعياً على مستوى القطر، وخاصة في زراعة البيوت المحمية التي ساهمت في انتشارها إلى أغلب المناطق والمحافظات الأخرى».

المختار "أيمن" والخوري "بسام"

ويتابع: «تمتعت القرية بالمناخ المعتدل في اغلب أشهر السنة ما ساعد في جعلها قرية سياحية واصطيافية من الدرجة الأولى، حيث أنشئ فيها العديد من القرى الاصطيافية والمنتجعات والفنادق السياحية والمطاعم والمقاصف بمختلف التصنيفات السياحية».

السيد "عيسى ساره" مشرف زراعي في إحدى الوحدات الزراعية ومزارع في القرية، يقول: «لقد ازدهرت فيما مضى الحضارة الفينيقية في مركز القرية التي أطلق عليها بعد أن ضربها الزلزال منذ حوالي /200/ عام موقع "الخرائب" نسبة إلى الخراب الذي خلفه هذا الزلزال، ولكن هذا لم يوقف روح الحياة التي تمتع بها أهالي القرية والمنطقة فعادت وازدهرت القرية بمختلف مناحي حياتها وخاصة زراعياً ومن ثم تجارياً وسياحياً».

صورة عامة للقرية

ويتابع: «إن موقع القرية الاستراتيجي بحرياً استخدمه الفينيقيون مرفأ طبيعياً لرحلاتهم البحرية وتجارتهم العالمية، حيث ما يزال هذا المرفأ يحكي تاريخاً مضى محفوراً على رصيفه الصخري الطبيعي الممتد داخل البحر، في حين أن موقعها البري لم يقل أهمية عن موقعها البحري، فكان نقطة عبور هامة وأساسية تربط الشمال بالجنوب عبر شبكة طرق تخترق القرية أسست منذ الاحتلال الفرنسي وما تزال تقدم خدماتها حتى الآن ولكل بأهمية أقل لأن الاوستراد الجديد الذي خرق خاصرة القرية الشرقية أصبح نقطة العبور الأساسية».

أغلب سكان القرية هم من أبناء قرى مطلة عليها، وهنا يقول المختار "أيمن سلمان" في حديثنا معه: «القرية عبارة عن شريط ساحلي يحده من الجهة الشرقية قريتي "ضهر صفرا" و"الروضة" ومن الجهة الغربية البحر المتوسط، ومن الجهة الشمالية "وادي بقرة" ومدينة "بانياس"، ومن الجهة الجنوبية نهر "مرقية"، وللقرية تاريخ عريق والدليل على ذلك المقبرة الجماعية الضخمة جداً الموجودة في شمال القرية والدالة على ضخامة مساحتها وحدودها وعدد سكانها، والمنظمة بطريقة هندسية لافتة للنظر.

المربع الأحمر يدل على منطقة "الخراب"

إضافة إلى الذكاء الذي تمتع به السكان الأساسيين الذين تمكنوا من إيصال المياه للقرية من نبع "عين الدير" بواسطة أقنية فخارية متقنة الصنع بطول حوالي /2.5/ كيلومتر».

وعن عدد السكان ومختلف أعمالهم يقول المختار: «يبلغ عدد سكان القرية حوالي /2000/ نسمة بين مقيم في القرية ومسجل في نفوسها وعقاريتها، ولكن هذا ليس العدد الحقيقي المقيم في القرية كحدود إدارية خاصة بها، فاغلب سكان وأهالي القرى المطلة عليها سكنوها منذ سنين وعقود وأبقوا على تبعيتهم لقراهم الأساسية، وقد يصل عددهم إلى حوالي /8000/ نسمة، وهذا ما أثر على الانتماء الاجتماعي للقرية، ناهيك عن عدد العمالة المستقدمة للعمل بالزراعة وعدد المصطافين في فصل الصيف حيث يبلغ عددهم حوالي /4000/ نسمة».

ويضيف: «تتبع القرية عقارياً لبلديتي "الروضة" و"ضهر صفرا"، فمن موقع "مفرق الروضة" وإلى الجنوب وصولاً إلى نهر "مرقية" يتبع لبلدية "الروضة"، ومن موقع "مفرق الروضة" إلى "وادي بقرة" شمالاً يتبع لبلدية "ضهر صفرا"، وهذا ما جعل القرية تتمتع بنسيج اجتماعي فسيفسائي فريد من نوعه في المحافظة يجمع بين المسلمين والمسيحيين على المحبة والتعامل الحسن والعيش المشترك ومختلف العلاقات الاجتماعية والتجارية والزراعية والاقتصادية المشتركة».

ويختم حديثه عن أهم وأقدم العائلات في القرية: «تنوع النسيج الاجتماعي في القرية فضم العديد من العائلات القديمة والحديثة التي ساهمت في نهضتها ونموها ومنها آل "ضوا" وآل "سلمان" وآل "تفاحة" وآل "علي" وآل "صهيوني" وآل "داؤود" وآل "يونس" وآل "زاهر" وآل "عصفورة" وآل "دوميط" وآل "عقل" وآل "بشارة" وآل "دوني" وآل "الحايك" وآل "قطريب" وآل "خولي"».

وفي لقاء آخر مع الخوري "بسام ميلاد نعمة" خادم رعية "سيدة البحار" في قرية "الخراب"، أوضح أهمية القرية الأثرية فقال: «قرية "الخراب" هي عبارة عن مدينة أثرية موغلة في القدم، وكلمة "خراب" تعني باللغة السريانية "خرابتو" أي المدمرة والمهدمة، فقبل الزلزال كان يوجد في الموقع القديم للقرية حوالي /200/ منزل آثري قديم.

إضافة إلى وجود /3/ جوامع وحوالي /7/ كنائس قديمة تراثية وأثرية هدم منها حوالي /6/ كنائس، إذا يمكن القول إن "الخراب" قرية تضاهي بتاريخها وحضارتها وجمالها ومكانتها "صور" و"صيدا"، لذلك يجب الاعتزاز بها كثيراً».

ويتابع في توضيح أهمية القرية وتراثها وعلاقاتها الاجتماعية: «عرفت القرية وتميزت منذ القدم بصناعة "الشنكليش" وزراعة البطيخ الأصفر "العبد"، الذي كان يوزع ويصدر إلى جميع المحافظات وإلى دولة "للبنان"، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية الممتازة التي ربطت المجتمع بكافة أطيافه بشكل جيد ومتين، فأنا شخصياً أزور منازل الجميع وأبارك لهم فيها برش الماء بواسطة غصن الزيتون داخلها وخاصة في المناسبات والأعياد».

وعن بعض العادات التراثية التي ما تزال مستمرة حتى الآن يقول الشاب "رواد حبيب": «ما يزال بعض الأهالي يسلقون الحنطة لصناعة البرغل، والبعض الآخر يقوم بتعليق بعض الحجارة على أغصان الأشجار لتعتاد الشجرة على حمل الأرزاق وهذه من الموروث الشعبي القديم».

وعن بعض أعمال أهالي القرية يقول: «يعمل أغلب سكانها في الزراعة كعمل أساسي لهم، وينبثق عن هذا العمل الأعمال التجارية والصناعية المتعلقة بهذه الزراعة، كإقامة شركات لصناعة مستلزمات الزراعة، وشركات أخرى لتوضيب المنتجات الزراعية.

إضافة إلى العمل في المجال السياحي نظراً لطبيعة القرية السياحية، وذلك عن طريق العديد من المطاعم والمقاصف والمنتجعات الصيفية والشتوية ومن مختلف التصنيفات السياحية، ومنها منتجع "الوادي الأخضر" و"البيت الأخضر" الذي يزيد عمره على /40/ عاماً، ومطعم ومجمع "فينوس" و"عروس البحر" السياحيين، ومجمع "الشاطئ المهجور" و"كفر سيتا"، ومنتجع "أرض الذهب" وفندق ومطعم "القيصر" وفندق "الخليج"».

وبالعودة إلى السيد "عيسى ضوا" أوضح انه من أهم ما يؤثر بشكل سلبي على القرية ونموها المتزايد في كافة المجالات، الانتماء الإداري لوحدتين إداريتين تتنازعان على القرية دون توفير الخدمات والبنى التحتية المطلوبة لأن القرية بالنسبة لهم مصدر ضرائب وعائدات مالية لا يستهان به بسبب الحركة السياحية والتجارية والزراعية المتنامية باستمرار، مضيفاً: «الحل في مساعدة القرية على المتابعة في نموها هو إحداث وحدة إدارية مستقلة تنهض بالقرية بمساعدة أبنائها المستعدون لذلك».