لم يكن العميد "عبدو خضر التلاوي" يدري عندما اصطحب ولديه وابن شقيقه بسيارته الخاصة ليوصلهم إلى المنزل خوفا عليهم أنه سيرافقهم إلى الشهادة وأن أمهات أولئك الأطفال لن يرين فلذات أكبادهن ثانية بعد أن شيعهم الآلاف أمس الأثنين 18/4/2011 من أبناء "حمص" إلى مثواهم الأخير في مقبرة الفردوس شهداء عند ربهم يرزقون.

العميد "التلاوى" كان حريصا على ألا يسلك طريقا جانبيا ليبعد الخوف عن الأطفال الثلاثة المعتادين على الأمان الذي تنعم به "سورية" إلا أن مجموعات المجرمين المسلحة التي تقطع الطرق وتزرع الرعب والفوضى فاجأت الرجل المتحصن بحرمة الدم وكان الموت وحده هو المتربص به وبالأطفال لأن المجرمين ليس لديهم هدف سوى إراقة الدماء وبث الخوف والذعر بين السكان الآمنين.

هذه المجموعات المجرمة المسلحة قتلت الأطفال وحاميهم بدم بارد ولم تكتف غريزة الغاب لديهم بإطلاق النار على الأبرياء بل لجؤوا إلى تقطيع الأوصال وتشويه الأوجه وكأن الله لم يقل /ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا/ وعلى قارعة الطريق سال الدم وسيسجل شارع كرم اللوز تلك الآهات المظلومة وهذه الجريمة الغريبة عن أبناء وطننا الغالي.

الأب وولداه وابن شقيقه لم يكونوا الوحيدين الذين اصطادتهم رصاصات الغدر والحقد في "حمص" أمس الأول بل كانت هناك أسر أخرى على موعد مع الثكل واليتم بأيد لم تعرف يوما انها تتربص بها وتحمل لها كل هذا الحقد فالعقيد "معين محلا" والرائد "إياد حرفوش" اللذان استشهدا في منطقة الزهراء "بحمص" برصاص المجموعات الإجرامية المسلحة عاهدا أنفسهما والوطن على أن يحفظا أمن الناس فقدما روحيهما فداء للوطن وهنا ندرك أن من يستهدف أمن الوطن لابد أن يستهدف أولا أمن حماته الصادقين.

الرجلان استشهدا لكن دماءهما تصرخ في اذن من يرفض أن يسمع 00 انظر إلى دمائنا واسأل عن قاتلينا وبأي حجة وتحت أي عنوان.

دماء زكية وغالية سالت في مدينة "حمص" تسأل سافكيها /بأي ذنب وماذا تريدون/ علها تجيب عن تساؤلات أم الشهيدين وزوجة الشهيد السيدة "اقبال إبراهيم" وابنتيها وابنها الثالث التي تقول .. من يسفك دم الناس الأبرياء ويقتلنا دون حساب .. من الذي حرمني من ولدي وزوجي .. ماذا فعلوا له ليقتلهم .. هم شهداء وهذا شرف ولكن من عدوهم .. هذا ما يجب أن نعرفه وأقول بأنه الشيطان.

وفي المكان تبدو شقيقتها غير مصدقة لما جرى ومصدومة من هذه الجريمة وتعزي نفسها بأن أربعة شهداء حملتهم أكف الأسرة أمس ليؤكدوا أن الوطن أغلى وأبهى ويضعوا دماءهم الطاهرة أمانة في أعناق أبناء الوطن ورفاق الشهيد معتبرة أن من قتل مظلوما لابد أن يجد من ينصفه ويحاسب القتلة وهذا دور الجيش والقوى الأمنية التي تسهر على أمن الناس.

وبنبرة الحزن ذاتها يؤكد شقيق وصهر العميد الشهيد أن "حمص" كلها تشعر بفقدان الأمان بعد هذه الحادثة متسائلين هل نسمح لمجموعات مسلحة احترفت الإجرام وهم قلة في هذا الوطن أن تروعنا ألا يجب أن يأخذ كل منا دوره بدءا بالأفراد ووصولا إلى الجهات الأمنية فلنقض شهداء أو لنحرم من يريد النيل من امن واستقرار سورية من الوصول إلى مراميه الدنيئة.

وبالغار والورد والزغاريد استقبلت محافظة "اللاذقية" شهيدها العقيد "محلا" الذي طالته يد الغدر فغادر هذه الحياة تاركا وراءه زوجا وثلاثة أطفال وآخر لم يبصر النور بعد.

وقالت زوجه إنه استشهد فداء للوطن.. لقد كان في الشارع وأطلقوا النار عليه أمام عيوننا وأجهزوا على كل من حاول إسعافه أو مساعدته.. إنهم يقتلون الناس ولابد من محاسبتهم.

وقالت والدة الشهيد.. رحم الله الشهيد ورفاقه واحتسبه عند الله.. في حين برقت دمعة طاهرة في عين شقيقته التي قالت.. أفخر بأخي الذي اخذ غدرا.. هذه حريتهم.. حرية في استباحة دماء الأبرياء والتحريض والقتل من حصونهم الغربية.. حصون اعتقدوا أنها قوية فهدمها الشعب السوري على رؤوسهم بوحدته وتماسكه مسجلا انتصارا جديدا مع كل شهيد.

والى بلدة مريمين زف أمس الشهيد البطل سامر حمادي شدود في موكب مهيب يليق بدمه الطاهر الذي نثر ورودا ورياحين ذاع عطرها في فضاءات الوطن.

وقالت والدة الشهيد.. اهدي ولدي لسورية واحتسبه شهيدا يهتدي بنوره الأحرار حاملا تطلعات الجماهير وحاملا الوطن في قلبه وعقله ووجدانه فدماء الشهداء لا تضام وكلنا فداء للوطن.

الدكتور "غسان طنوس" مدير المشفى الوطني بحمص يروي ما شاهد.. أجساد الشهداء تعرضت للتشويه والتمثيل بها باستخدام الأدوات الحادة وذلك بعد الاعتداء عليهم بإطلاق الرصاص ..المشهد غير إنساني ..لم أر مثل هذه الأفعال سابقا.

أما الأهالي في منطقة "باب الدريب" فكل ما يعرفونه أن من يفعل ذلك لا يظهر في النهار..إنه أشبه بالخفاش ..يظهر ليلا..يقطع الكهرباء عن الحي ..يعبث بأمن الناس المسالمين ..وبعد ساعات نتابع الأخبار في الفضائيات فنسمع من يصفهم بدعاة الإصلاح .. ويوشك أن يبكي عليهم.

القصة لم تنته فالشهداء الأحياء يكملون سرد الرواية ..الشرطي الجريح في المشفى الوطني إحسان السالم يقول إنه توجه إلى منطقة باب الدريب بمهمة لحفظ الأمن بعد أن اتصل الأهالي وطلبوا حمايتهم من المجموعات الإجرامية المسلحة التي تقتل بدم بارد وتقطع الطرق .. لدى وصولنا وجدنا نحو60 شخصا يحطمون السيارات والمحال ويخربون كل شيء أمامهم ..كانوا ملثمين فاجؤونا بإطلاق النار من كل الجهات ..يتعب الجريح من الكلام ليتابع زميل له في السرير المجاور ..عناصر المجموعات الإجرامية المسلحة أطلقت النار علينا من أسطح المنازل ومن الحارات ومن كل الاتجاهات ويكمل زميل من سرير آخر ..فاجأتنا سيارة سوزوكي.. هاجمتنا وبدأت بإطلاق النار دون تفريق بين أحد من الموجودين في المكان.

ولم تتوقف يد الغدر عند استهداف قوى الجيش والأمن والمواطنين العزل بل امتدت لتطول الأدمغة والعقول وكأنها تريد القول بأنها لن تسمح لهذا البلد أن يخطو إلى الأمام عندما امتدت لتغتال المخترع السوري الشاب "عيسى عبود" البالغ من العمر 27 عاما بعد إطلاق الرصاص على سيارته من قبل المجموعات الإجرامية المسلحة في حي "النزهة" بمدينة "حمص" أمس الأول .

وقال "على عبود" شقيق الشهيد إن أخاه كان ذاهبا بزيارة إلى منزل ابن عمه في حي النزهة حيث كانت المجموعات الإجرامية المسلحة تطلق النيران في المكان ما أدى إلى استشهاده.

وشيعت بلدة "حديدة" في محافظة "حمص" جثماني الشهيدين "عيسى محمد عبود" وابن عمه الشهيد "علاء مصطفى عبود".

والشهيد "عيسى عبود" من مواليد "حمص" بلدة حديدة 1984 وهو حائز على جائزة أصغر مخترع في العالم ولديه أكثر من مئة براءة اختراع منها تحويل دماغ الدواجن إلى أقراص لتخزين المعلومات الالكترونية أما الشهيد "علاء عبود" فهو من مواليد "حمص" بلدة حديدة عام 1984 ويعمل في مجال التجارة الحرة.

وفى اللاذقية تحكى قصص الجرحى الذين استهدفتهم يد المجموعات الإجرامية المسلحة أمس الأول فصلا مؤلما جديدا من فصول المؤامرة التي تستهدف أمن سورية واستقرارها وترويع أبنائها الآمنين.

وفى جو من الصدمة وعدم التصديق يروي عدد من ضحايا تلك المجموعات الإجرامية .. كيف استهدفهم الرصاص من حيث لا يحتسبون وفى شوارع طالما نعموا بها بالهدوء والاطمئنان.

ولم يشفع للمواطن "معاذ سمير قريطيش" الذي لم يبلغ السن القانونية صغر سنه أثناء عودته من مكان عمله "مطعم غاردين" الواقع ضمن سوق التجار مستقلا حافلة نقل عامة /باص نقل داخلي" إذ يقول إن تجمعا لما يسمى المتظاهرين اعترض الحافلة وأوقفها عند مدرسة "ماهر درويش" قبالة صالة الفنون التشكيلية وعندما نزل الركاب فاجأهم عناصر مجموعة إجرامية مسلحة بالرصاص الحي من عدة جهات ما أدى إلى إصابته بطلق ناري في فخذه الأيسر نقل على اثره إلى المشفى الوطني.

وفى مكان ليس ببعيد كان المواطن "عبد الله حميد" 18 عاما على موعد مع الغدر أثناء عودته من محله التجاري في شارع "هنانو" بالشيخ ضاهر إلى منزله في مشروع الصليبة بالقرب من الفرن حيث كان المتظاهرون متجمعين هناك ولم يكن حظه أفضل من سابقه حيث تلقى رصاصة غادرة في الظهر يرقد على اثرها في المشفى.

ويقول "عبد المالك ظليطو" شقيق أحد المصابين الذي منعته إصابته من الكلام إن أخاه أسعف إلى المشفى الوطني اثر إصابته بطلق ناري في فخذه الأيمن من المجموعات الإجرامية المسلحة حينما نزل من سيارته لشراء بعض الحاجيات بالقرب من تجمع للمئات من المتظاهرين.

كما شيعت بلدة "بيت عمران زينة" في صافيتا بمحافظة "طرطوس" بالزغاريد والأرز الشهيد البطل الشرطي "أحمد الأحمد" الذي اغتيل برصاص غدر المجموعات الإرهابية المجرمة في تلبيسة حيث أطلقت مجموعة إجرامية مسلحة النار عليه في هذه البلدة قرب "حمص".

وأكدت أم الشهيد أن ابنها ذهب شهيدا فداء للوطن ولقائد الوطن فيما قال شقيق الشهيد وخاله إن أحمد قدم دماءه فداء للوطن.

وقد أكد أهالي البلدة تمسكهم بالوحدة الوطنية في مواجهة المؤامرة التي تتعرض لها "سورية".

يذكر أن الشهيد من مواليد 1985 وهو عازب ويبلغ من العمر 26 عاما.