أحد أروع الطيور المستوطنة في الجزيرة، تتناغم الألوان على ريشه كلوحة سريالية من إبداع الطبيعة، أما تغريده عندما يكون في جماعات فكأنها سيمفونية تردد صداها الجبال، فيه من الخصائص والميزات ما جعله يحتل مكانة مرموقة ضمن الموروث الثقافي "الجزراوي" من تناوله في الأغاني الفلكلورية إلى تصويره في النقوش والمطرزات القديمة، إلى تجسيد حركاته في "الدبكات" الشعبية الفلكلورية.

موقع "eHasakeh" أجرى لقاءات حول هذا الطائر، وكانت البداية مع السيد "أحمد أبو نضال" مربي طيور من سكان ناحية "تل تمر" الذي قال: «يُعد "الحجل الجزراوي" من الطيور المستوطنة في الجزيرة هو طائر جبلي بشكل عام لكنه يلجأ إلى السهول في فترات معينة وفي ظل ظروف محددة، وقد كان في الماضي طائراً مشهوراً ويحتل مرتبة خاصة من بين الطيور لدى سكان الجزيرة، وترجع تلك المكانة التي يحتلها إلى منظره البهي الجميل وصوت تغريده العذب المؤثر الذي نسميه"قب قبا"، كذلك طباعه التي تنم عن الكبرياء والعزّة، والشموخ وقد كانت تنتشر في الجزيرة السورية عدة أنواع من الحجل أهمها "المارديني" الذي كان ينتشر في المناطق الشمالية و"عين ديوار" ،و"الحجل العراقي" الداكن اللون ، أما ألان فلم يبقى هناك سوى "الحجل الجزراوي" المستوطن أو "حجل عبد العزيز" الذي يسكن في مناطق معينة من جبل عبد العزيز».

نحن لا نقتل الحجل أبداً بل نعتبر قتله جريمة، لكننا نصطاده بأعداد قليلة جداً لنربيه وبغرض الحصول على تكاثره وزيادة أعداده عندنا، وكثيراً ما نطلق سراحها بعد فترة لأنها لا تبدي تأقلمها مع الظروف التي يعيش فيها طيورنا أو لأنها تكون هرمة، كما نقوم بنشرها في الأماكن التي انقرضت فيها حيث نسعى قدر إمكاننا إلى أن نزيد من أعداد هذا النوع من "الحجل"

وعن ميزات "الحجل الجزراوي" يقول: «يُعتبر "الحجل الجزراوي" من أجمل أنواع "الحجل" حيث يمكن تمييزه بين عدة أنواع منتشرة في سورية والمنطقة، ففي سورية يوجد أنواع منه في جبال "تدمر" وجبال "حماه" وجبال "درعا"، وهو يتميز عنها بلونه الذي يميل إلى الأبيض، وضخامة حجمه مقارنة بالأنواع الأخرى، وصوته ونشاطه الزائد وكذلك شكل رأسه ومنقاره، و"الحجل الجزراوي" مرغوب جداً لدى المولعين بتربية الحيوانات لهذا يأتون أحياناً من تركيا و الخليج وحتى من أوروبا ليحصلوا على هذا النوع».

مربي طيور من ناحية "تل تمر"

الفنان والموسيقي "محمد عمر فاضلو" من سكان مدينة "رأس العين" تحدث عن أهمية مكانة الحجل والدلالات التي يرمز إليها في الفلكلور "الجزراوي" قائلاً: «يحتل الحجل مكانة خاصة وهامة جداً في الموروث الثقافي "الجزراوي" فهو يسمى "كوى غوزل" أي الحمامة البهيّة أو الجميلة، وهناك نوع من الدبكات ينتشر في منطقة "الجزيرة السورية" و"ماردين" وجزيرة "بوطان" ابن عمر في تركيا تسمى "الدبكة الغوزلية" وهي تجسيد لحركات ورقصات الحجل، كذلك يسميه آخرون "تيرشاه" أو إمبراطور الطيور ذلك لأنه يشبه البطريق الإمبراطور في هيئته وألوان ريشه، إذ حتى بعد أن قلّت أعداده وكاد ينقرض بقي مُجسداً في مخيلة الناس من خلال الأغاني الشعبية والقصص والأساطير، وحتى من خلال النقوش والمطرزات التي كانت نساء الجزيرة يقمن بصنعها بغرض تزيين بيوتهنّ ويعود سبب رسم صورته في تلك النقوش والمطرزات ليس إلى جمال شكله وألوانه الرائعة فقط بل أيضاً لكونه يرمز إلى الخير والعطاء في حين أن الغراب يرمز إلى الشؤم، كما يعتقد البعض أن وجود الطائر أو وجود صورته في المنزل يجلب الفرح والخير والسعادة "بحسب اعتقادهم"».

السيد "غازي حمّو" 80 عاما من سكان ناحية "تل تمر" أو "أبو الحجل" كما يسميه البعض، المربي القديم ومروض طيور الحجل الذي لا تُخفى عليه خافية فيما يخص هذه الطيور حدثنا قائلاً: «لقد كان والدي صياداً ومربي طيور "الحجل" وكذلك جدي وأنا ورثت ذلك عنهما، فخلال حياتي كلها لم يخلو بيتنا أبداً من "الحجل" وتصل علاقتنا به إلى درجة أننا نحسبه فراداً في عائلتنا، فهو جزء مهم من حياتنا، لذلك فأنا اعرف كثيراً عن هذا الطائر وأعلّم أبنائي كل ما يتعلق بتربية الحجل وسلوكه وطريقة صيده والتعامل معه، فهو طائر له طبيعة خاصة، حيث إنه يعيش حياة اجتماعية في جماعات متوافقة ومترابطة، وهو طائر غيور جداً وكل جماعة منه تحتل مكاناً معيناً في الجبال يقودها احدها الذي يكون بمثابة القائد للجماعة، وتستميت هذه الجماعة في الدفاع عن المناطق التي تسكن فيها، وهي إلى ذلك حذرة جداً فأحياناً عندما ترد إلى برك الماء التي يشاركها بها طيور أخرى "كالقطا" فإنها تلوذ بالفرار بمجرد إحساسها بأي خطر قبل طيور "القطا"، وتعتمد في الهروب على جريها السريع وجناحيها إذا اضطرت لتختبئ بين الصخور الوعرة، لذلك فان صيدها من أصعب أنواع الصيد، حيث يحتاج إلى صبر قد يطول أياماً أو حتى أسابيع من التربص في الجبال».

ويضيف "ابو الحجل": «يتغذى الحجل على الأعشاب وبذور النباتات البريّة "كالقمبز" و"الهندباء" و"القمح" "والجودر" وغيرها... ويخرج الطائر من أوكاره بين الصخور في ساعات الفجر ليعود بعد طلوع الشمس بوقت قصير لبقى هناك طوال النهار حتى ساعات الغروب ليخرج مرة أخرى، لذلك فهو متخفي طيلة الوقت فلا يُشاهد بكثرة، لكنه في فترة بداية الربيع يغير تلك العادة وهي فترة التزاوج، لذلك فانه يكون هدفاً للصيادين في هذه الفترة، وتضع الأنثى بيوضها التي تصل إلى /15 / بيضة ويعيش الحجل لمدة قد تتجاوز 15 عاماً».

وعن الطريقة التي يتبعونها في الصيد يقول: «يستخدم بعض الصيادين البنادق في صيد الحجل بغرض الحصول على لحمها أو لمجرد هواية الصيد والتسلية، هذه الطريقة بعيدة كثيراً عن الأخلاق وقد أدت إلى أن أصبح الحجل على مقربة من الانقراض، أما الطريقة التي كان أجدادي يتبعونها ومن بعدهم نحن في صيده وذلك لغرض تربيته وزيادة أعداده، فهي طريقة بدائية ولكنها ممتعة ولا تضر بالبيئة أو بسلامة الطيور، حيث في بداية فصل الربيع بالذات في شهر شباط يبدأ الحجل بالتزاوج، فيكون الذكور فيها حريصين اشدّ الحرص على مناطقهم ضدّ أي ذكر غريب، لذلك نقوم بصنع بيت صغير من الصخور نسميه "الدحل" أو "الفق" نضع فيه ذكراً من الحجل نكون محتفظين به لدينا، ونترك في جدار "الفق" نافذة صغيرة ليطلّ من خلالها الذكر برأسه ينادي على الإناث، ويجب أن يكون هذا الذكر قوياً ونشيطاً حتى يتمكّن من جذب الإناث، حيث يستعمل في ذلك صوته القوي وحركاته التي يستعرض من خلالها نفسه أمام الإناث، ما يدفع بالذكور الآخرين أن يهبوا لطرده من مناطقهم وهنا نكون قد نصبنا شباك الصيد التي يعلق فيها الطير القادم سواء من الإناث التي تجذبهم استعراضات هذا الذكر أو الذكور الذين تدفعهم حميتهم وغيرتهم».

ويضيف السيد "غازي": «نحن لا نقتل الحجل أبداً بل نعتبر قتله جريمة، لكننا نصطاده بأعداد قليلة جداً لنربيه وبغرض الحصول على تكاثره وزيادة أعداده عندنا، وكثيراً ما نطلق سراحها بعد فترة لأنها لا تبدي تأقلمها مع الظروف التي يعيش فيها طيورنا أو لأنها تكون هرمة، كما نقوم بنشرها في الأماكن التي انقرضت فيها حيث نسعى قدر إمكاننا إلى أن نزيد من أعداد هذا النوع من "الحجل"».