الكرم أمر غاية في الأهمية عند البدو، واستقبال الضيف والترحيب به وتقديم واجب الضيافة له من الأمور الأساسية، والتقصير في هذا الواجب يلحق بصاحبه العار مدى الحياة، ويصبح مدعاةً للسخرية من أبناء "العشيرة" الذين ورثوا هذه الصفة النبيلة عن آبائهم وأجدادهم.
موقع eSyria التقى الأستاذ "خالد العبد" من عشيرة "شمر" التي تقطن بادية الشامية بـ"دير الزور"، ومهتم بالتراث ليحدثنا عن أهم القواعد والآداب التي تخص واجب الضيافة عند البدوي، حيث قال:
يتحتم على صاحب البيت ألا يظهر أمام ضيفه شعوره بالمرض أو شكوى من حالة الفقر، وإذا ظهر ذلك فإنه يترك بالغ الأثر في نفوس الضيوف، ومن الأدب ألا ينعس وألا يتثاءب أمامهم، وعليه ألا يرفع صوته بغضب في أثناء وجود الضيوف على أحد أفراد البيت
«لا شك أن كرم الضيافة طبع أصيل تميز به العرب عن غيرهم من باقي الأمم، والضيف عند البدو هو أي مستطرق أو عابر سبيل أو قاصد بيت بعينه، أو مجموعة من الناس إذا حلت عند جماعة أخرى، ويقدم للضيف حق الضيافة حتى لو كان هناك خصومة مادام أنه نزل أو دخل بيت مضيفه، لأن من دخل البيت أصبح آمناً، وبالأخص عند تناوله الطعام في هذا البيت».
أطلق البدو على الضيف وصاحب البيت مسميات تخص كليهما أفادنا عنها بقوله:
«ومن مسميات الضيف عند البادية "المسيّر"، و"المعزب" هو المضيف صاحب البيت، وجمع معزب "معازيب"، وهم أصحاب البيت وأهله، فالضيف عند نزوله في بيت مضيفه "المعزب" يكون ضيفاً على أفراد العائلة كافة، فالجميع يهتمون بأمره كل حسب واجبه، فالرجل صاحب البيت هو المسؤول الأول عن التنسيق في طريقة الكرم، وحقوق الضيف عند نزوله في بيت مضيفه كثيرة يجب الوفاء بها متى ما حل على أصحاب البيت».
والضيف متى قدم على صاحب البيت يستقبل بالحفاوة والترحيب، حدثنا عن هذه النقطة الهامة بالقول:
«هناك مثل يطلقه البدوي على ضيفه وهو "إذا أقبل أمير وإذا جلس أسير وإذا قام شاعر"، ومعنى ذلك أنه يجب على المضيف أن يستقبل ضيفه بالحفاوة اللازمة والترحيب الحار على قدومه وإظهار الوجه البشوش والفرح لمقدمه، وهو يتساوى في ذلك بمنزلة الأمراء، وإذا جلس أسير، أي أسير لمعازيبه أصحاب البيت لا يستطيع أن يعمل أي شيء إلا بإذنهم فلا يخرج إلا عند سماحهم له، ولا يستطيع أن يمنعهم في تأديتهم الواجب له من كرم الضيافة، وإذا قام شاعر أي إنه عند ذهابه سيذكر أصحاب البيت بما قدموا له من إكرام وتقدير أو العكس، وهناك أبيات قيلت في العشائر التي تحمل صفة الكرم، ومنها يقول الشاعر في وصف كرم عشيرة "البوليل" الشمرية: لوردت إنت الكرم حدر على البوليل / دكوا دلال الضحى ومهيلات بهيل».
وهناك قواعد أثناء قدوم الضيف إلى بيت مضيفه، وهذه القواعد تخص تقديم الطعام والشراب، حدثنا عنها السيد "محمد الشمري" من عشيرة "شمر" في بادية "دير الزور" حيث قال:
«اقترن الكرم بالقهوة التي تكون أول ما يقدم للضيف، والتي يقوم بإعدادها صاحب البيت، ويقدم له الطعام ساعة حضوره حتى لو كان في وقت متأخر، وهي عادة جرت في البادية وهو من الطعام الموجود في تلك الساعة، وفي الوجبة التالية يتم عمل وليمة من لحم الضأن وتقدم على شكل منسف يدعى لها الجيران، والبدوي مهما بالغ في إكرام ضيفه في الطعام والشراب فإنه يعتذر عن التقصير حتى لو لم يكن هناك تقصير، فكثيراً ما يتردد على ألسنتهم عند تقديم الطعام في الوليمة وغيرها مقولة "اعذرنا عن القصور"، والاعتذار من مكملات آداب الضيافة حتى يطمأن الضيف لبشاشة وجه المعزب، فيكسر عنده عقدة الخجل التي تبدو على وجه الضيف».
وتابع قائلاً: «ومن القواعد السلوكية المتبعة في تقديم الطعام من وليمة أو غيرها أن يُقدّم الضيف إلى الطعام ومعه وجهاء العشيرة وكبار السن فيها، ولا يبدؤون بتناول الطعام إلا بعد الإيعاز من صاحب البيت "المعزب" فيقول "سمّو" وتعني "بسم الله" مع كلمات الترحيب بالضيف والحضور، وهناك عدة أمور يجب التنبه لها من قبل الضيف ومن معه على الطعام، وهي مواضع انتقاد وتدخل في الأمور المعابة أو العيب، وهي إذا تناول الطعام قبل الضيف، وأيضاً إذا تناول الطعام بيده اليسرى، وإذا أكل بكلتا يديه، وكذلك إذا مسح يده في طرف الوعاء، وإذا أعاد ما تناوله إلى الوعاء، وكذلك تناول الطعام من أمام غيره، وعندما يقوم عن الطعام قبل أن يقوم ضيفه ».
وأضاف بقوله:« من الأمور المعابة بحق الضيف أنه لا يجوز للضيف تناول وجبتين من الطعام في الفترة المعروفة للطعام، فلو تناول الضيف وجبة غداء عند مضيفه عليه ألا يتناول غيرها عند مضيف آخر قبل غروب الشمس، لأن في ذلك إساءة للمضيف الأول حيث يتهم بأنه لم يشبع ضيفه، أو أنه لم يقدم له شيئاً من الطعام، فإذا علم المضيف الأول بمخالفة ضيفه يستطيع أن يقاضيه بذلك، لأن في ذلك إساءة كبيرة بحقه».
ويعرف البدوي صاحب البيت الكريم بعدة علامات يستدلون فيها على كرمه، وعنها حدثنا السيد "أحمد البصري" من عشيرة "العكيدات" فقال: «البدوي شديد الذكاء وعنده فراسة يستشعر من خلالها صفات أهل الكرم، ويستدل عليهم بعدة ملاحظات منها، كثرة عظام الذبائح حول البيت، وهو دليل على كرم صاحبه ويقال "دار الكرام ما تخلى من العظام"، أو "دار السبع ما تخلى من العظام"، وكذلك الدهن الموجود على شكاك بيت الشعر، و"الشكاك" هو طرف بيت الشعر فمن عادات البدو مسح أياديهم به بعد الأكل، وأيضاً كثرة "المكاعد"، وهي الفراء الذي تصنعه النساء من جلود الذبائح حيث تملح وتجفف وتفرش في بيت الشعر».
وهناك آداب لابد من صاحب البيت الالتزام بها أثناء وجود ضيفه في البيت، وعن هذه الآداب قال: «يتحتم على صاحب البيت ألا يظهر أمام ضيفه شعوره بالمرض أو شكوى من حالة الفقر، وإذا ظهر ذلك فإنه يترك بالغ الأثر في نفوس الضيوف، ومن الأدب ألا ينعس وألا يتثاءب أمامهم، وعليه ألا يرفع صوته بغضب في أثناء وجود الضيوف على أحد أفراد البيت».