"حسين إيبش" من الصيادين السوريين وصاحب أكبر مجموعة محنطات في سورية على الأقل، حيث تجول في دول عديدة من العالم لجلب وإنشاء متحف خاص بعالم الحيوانات، وقد نال أوسمة وجوائزة كبيرة في هذا المجال من دول عربية وأوروبية عدة، ومازالت أدواته ومحنطاته موجودة في متحف خاص بحي "القصور".

موقع "eSyria" التقى السيد "عمر إيبش" ابن أخ السيد "حسين إيبش" وحدثنا بدوره عن عمه الذي تجول في دول عديدة من أجل هوايته ومهنته الصيد وتوثيق حياة القبائل البدائية في الهند وأفريقيا، وهنا يقول: «عمي كان مهوساً بالصيد، فبين عام 1870 ـ 1926 وبالتنسيق والمشاركة مع النهضوي المصري "يوسف كمال" قام الدمشقي الأصل "حسين إيبش" بثلاث رحلات صيد إلى "أفريقيا والهند"، وبرفقة عدد من الأصدقاء "عباس حليم، الدكتور رايلي، علي شريف بك انطلقت من "القاهرة" نحو "أريتريا" ومنها إلى "الصومال، كينيا، نيري، بزوبي، جبل كلمنجارو ومنبسي"، وفي المرحلة الثانية إلى "الكونغو" وأقليم "ويلي، دونغو، بوتا، استانلي فيل، كيرونغو، كوسونغو، كيغومو، تنجانيكا، دار السلام، غولو، أنغولا، روديسيا الشمالية، شلالات فكتوريا ثم "رأس الرجاء الصالح" فإقليم "مونوماتابا، صحراء كالاهاري والكاب"، ثم إلى "بريطانيا، فرنسا، جزيرة مالطا" والعودة إلى "مصر"، حيث كانت الرحلة الواحدة منها تستمر لسنوات عدة، وفيها كان يتجول في هذه الدول ويلتقي مع أهم الصادين فيها، فهدفه الشخصي من هذه الرحلات كانت تأسيس متحفين للعلوم في كل من "القاهرة" و"دمشق"، حيث تم تأسيس متحف خاص في "مصر" للتحنيط، كما أسس مؤخراً بدمشق "المتحف المدرسي للعلوم" في جناح خاص لمحنطاته يحمل اسم إيبش».

من خلال مشاهدة أعمال "حسين إيبش" نرى مدى أهمية هذا الرجل الذي وهب حياته لجمع هذه المحنطات وكتابته وصية لإهدائها لبلده سورية وإقامة متحف خاص بها، فهو كان من أهم المحنطين والصيادين على مستوى الوطن العربي والسوري خاصة

"حسين إيبش" كان من أحد أثرياء "دمشق" المعروفين"، هنا يقول "عمر": «المعروف عن "حسين إيبش" أنه أحد أثرياء "دمشق" في بداية القرن الماضي، ومن يراجع في وثائقه الشخصية والوثائق المصرية الخاصة به، يتبين له أنه أحد رجال النهضة بامتياز، فهو من مواليد "دمشق" في أواسط القرن التاسع عشر درس التجارة في الجامعة الأمريكية في "بيروت"، وهو أول من أدخل رياضة كرة القدم إلى سورية عام 1905، ولدينا أول كرة قدم تدخل الملاعب السورية تعود إليه، كما عني بالخيل وكانت لديه مجموعة من الخيول العربية الأصيلة، وشارك في سباقات عدة في هذا المجال في كل من "لبنان ومصر"، إضافة لأنه كان مهتماً بمجال الزراعة في سورية، وكانت مشاريعه الزراعية وتطويراته للبذور والنباتات مثار إعجاب زعماء سورية الرسميين، كما اذكر عن عائلتي بأنه أدخل نوع من زراعة البطيخ الى دمشق سمي ببطيخ إيبش ويعد من أهم الانواع السورية ، وقد حاز "حسين إيبش" على ثلاثة عشر وساماً وعدة كؤوس من بينها، وسام الاستحقاق السوري، وسام الاستحقاق الفرنسي، وسام الاستحقاق البريطاني، أوسمة من الجامعة الأمريكية وأوسمة عن نشاطه الزراعي والرياضي...الخ».

يتابع: «كما امتاز بعلاقاته المميزة مع رجالات عصر النهضة في "مصر"، وأبرزهم الأمير "يوسف كمال" أحد أعضاء الأسرة المالكة قبل ثورة "يوليو" ومؤسس أول مدرسة للفنون الجميلة في "القاهرة" ومتحف الفن الإسلامي، وبالنسبة للإرث الذي تركه "حسين إيبش" فهو

مجموعة كبيرة ومتنوعة من الحيوانات المحنطة ينوف عددها على 1200 قطعة تضم "زرافات، أسود، نمور، فيلة، فرس النهر، فهود، ضباع، ظباء، أيائل، تماسيح، وحيد قرن، ثيران"، ومجموعة كبيرة من صور احترافية تؤرخ للحياة البرية في "الهند و أفريقيا" وحياة القبائل البدائية وكان بذلك اوائل من أرخ الحياة البدائية لسكان الغابات والأدغال في فترة زمنية كان التصوير الفوتوغرافي بحد ذاته ثورة علمية جديدة وبالغة الصعوبة، إضافة إلى صور لعمليات صيد الحيوانات في دول عديدة من العالم، صور أسربة خلفياتها بيوت دمشقية وبعض أحياء "دمشق" ومحيطها، أدوات الصيد اليدوية وملحقاتها لدى القبائل الإفريقية والهندية، حيث لاصطياد كل نوع من الحيوانات أدوات خاصة بها، الى جانب جلبه بعض التحف الفنية النادرة».

أما عن عملية الصيد والتحنيط فيحدثنا السيد "عمر" قائلاً: «في الفترة التي نشط فيها "إيبش" و"يوسف كمال" في الصيد والتحنيط لم تكن قوانين الصيد قد صدرت في العالم، ولم تكن هناك حيوانات مهددة بالانقراض، كان "الأبيش" يصطاد ويرسل صيده إلى "بريطانيا" ليتم تحنيطه هناك على أيدي خبراء عالميين، وكانت هذه الرحلة تستغرق سنوات، فُقدت فيها عدة مجموعات في أجواء الحرب الأولى، كما كان يؤمن على هذه الحيوانات أثناء رحلة الذهاب والإياب إلى "بريطانيا" جواً بمبالغ طائلة، بلغ رقم أحدها 750 جنيه استرليني، وفقد جزء من هذه المحنطات بسبب أجواء الحرب العالمية الأولى، وقد أوصى قبل وفاته ابنه السيد "زياد الأبيش" ألا يجزئ المجموعة وأن يبقيها في مكان واحد، وأن تجمع في متحف خاص يحمل اسمه، وبالفعل تم تأسيس جناح خاص باسمه جمعت فيه المحنطات والصور في "المتحف المدرسي للعلوم" التابع لوزارة التربية حي "القصور" بدمشق».

الفنان "موفق مخول" مدير المحتف المدرسي للعلوم يقول: «من خلال مشاهدة أعمال "حسين إيبش" نرى مدى أهمية هذا الرجل الذي وهب حياته لجمع هذه المحنطات وكتابته وصية لإهدائها لبلده سورية وإقامة متحف خاص بها، فهو كان من أهم المحنطين والصيادين على مستوى الوطن العربي والسوري خاصة».

من الجدير بالذكر أن "حسين إيبش" شارك في الدعم المادي والمعنوي للثورة السورية الكبرى، أنشأ مدرسة للتعليم المجاني في ريف "دمشق" قرية "الهيجانة" على نفقته الخاصة، وكان نصيراً للأدباء والشعراء مادياً ومعنوياً، وهو أول من أدخل المكننة الزراعية لسورية، وتوفي "حسين الإيبش" عام 1967; وشييع جثمانه بموكب رسمي حاشد شاركت فيه رئاسة الجمهورية وجمع غفير من رجالات الدولة والمواطنين، مع العلم أن "حسين إيبش بن أحمد إيبش" من مواليد دمشق 1884.