شغل الجمال والزينة عقل المرأة فوضعت الأصداف والقواقع والأحجار ومعادن الذهب والنحاس، على جيدها ومعاصمها وخصرها حسب المتوافر من هذه الحلي والأساور لتشد أنظار الناس إليها.

eAleppo ركّز على ومضة من ومضات القرن الماضي وعرض زاوية من زوايا الجمال عند المرأة في "حلب" والتقى السيد "عمر مهملات" الصحفي والباحث الاجتماعي الذي بدأ حديثه لنا بالقول: «كانت النساء يذكرن العريس الحلو بقولهن: عريسنا الحلو يا لولو على الشجرة، يابن الأكابر ويا ترباية الوزرا. والشعر الطويل هو أول ما لفت انتباه المرأة وتوارثت ذلك عن جداتها الأوليات، حيث لم يكن هناك فنون القص والسيشوار، وبذلك بذلت المرأة الحلبية جهداً كبيرا في العناية به والحفاظ عليه وتضفيره إلى جدائل، وقد يصل الشعر إلى ركبتها، وتفتخر الأم التي زوجت ابنتها وشعرها الطويل بقولها: يامو بنتي كويسة وشعرها طويل- فيجيبها الحسّاد... استني لتحبل وتولد وتعانق السرير- أي ما بعد الولادة سيتغير شكلها مع اهتمامها بمظهرها».

طريقة التزيين بالحنة كانت شائعة لدى أغلب نساء "حلب" وكانت هذه المراسيم تجرى في الحمامات وخاصة للمرأة الحديثة الزواج

قديماً وعلى حسب العادات والتقاليد لم تعرف المرأة الحلبية أية مظاهر لحمرة الخدود بل على العكس كان ينظر إليها نظرة خاصة أوضحها "مهملات" قائلاً: «فالمرأة التي تضع الحمرة تعتبر في ذلك مبذرة ومسرفة ومجالاً للسخرية وكانوا يقولون عنها:

الصحفي والباحث الإجتماعي "عمر مهملات"

ـ يامو اللي بتشتغلوا السمرا حق اخطاطْ وحمرا- والخطَاطْ هو الكحل، إضافة لكونهن كن يضعن نوعاً من الطلاء غير الطبيعي مأخوذ من نبات الحنة يسيء إليهن أكثر من استخدام الحمرة، وهو طلاء تطلى به الأصابع والكفين وظهر اليدين والقدمين وأصابع القدم، ويمنحها لوناً اصفر داكناً، كما يرسمن على أكفهن أشكال الطيور والأشجار والزخارف والمنمنمات الجملية، ويسمونه "النقش" ويبذلن جهدهن للحفاظ عليه، وكما يضعن حمرة الخدود ليبدنّ أكثر جمالاً وإشراقاً وذلك كان محبباً لديهن وأحياناً ينقلب ضد ذلك عند زيادة الكمية».

ولكون العادات والتقاليد هي بالأصل متوارثة فثمة مقولات تتداول بين الأجيال ما بين الأمس واليوم أشار "مهملات" في قوله: «ومن بين العادات الشائعة هي تظليل داخل الرموش بواسطة "مرود"- وهو نوع ميل من العاج أو "الخشب" أو "الفضة" أو "النحاس"، ويدهن بمسحوق يسمى "الكحل الأسود العربي"، ويغطس أولاً في الماء ويرش عليه قليلا من المسحوق، ويستخدم الجزء الأوسط بشكل أفقي على العين بعد أن يغلق الجفنان عليه، وتمرر المرأة "المرود" بينهما فتلون الجزء الداخلي وتترك خطاً اسود حول الحافة ويسمونه الخطاط، وقد استخدمه أيضاً الرجال في ذلك، كدواء لتقوية البصر عندما تضاف إليه مكونات أخرى من قبيل أزهار الكهرمان أو ما شابه ذلك».

أداة المكحلة

أنواع العطور

الكاتب المسرحي "منير حلاق"

المرأة الحلبية لم تكتف بتلك الزينة البصرية ما دفعها إلى أن تنشر عبق وجودها من خلال إضافة بعض أنواع العطور لكي تزداد تألقا وجمالاً بين ناظريها ومن بين تلك العطور التي كانت تستخدمها تحدثت عنها السيدة "فريال سيريس" رئيسة الاتحاد النسائي بـ "حلب" سابقاً فتقول: «هناك العديد من العطورات المركبة التي يدخل في تركيبها "المسك" وخشب "الصندل" و"النادرين" وهو سنبل "الطيب"، وكان يوضع في أكياس صغيرة مسطحة وتحمل في "الصدر"، كما يستخدمون عطر "الورد" وعطورات تجلب من "الهند"».

وأضافت قائلة: «والمرأة اليوم تتفنن بوضع أنفس أنواع العطور لشد الانتباه إليها، وكنّ يعتمدن على الحنة البيضاء لإزالة الشعر من طيات الجسم والحنة السوداء كانت تستخدم لصباغة شعورهن إما لإزالة الشيب أو للزيادة في الأناقة».

إلا أن المرأة في "حلب" لم تكتف بالزينة فحسب بل أعطت جل اهتمامها لكي تكون صورة مشرقة في أعين ناظريها من خلال القوام الجميل والطول الفتّان وحول هذا أضافت "سيريس": «كن ينتعلن القبقاب الشبراوي بحيث بلغ ارتفاعه ست أو ثماني بوصات لتبدو الفتاة طويلة وهو مزين بالصدف والعاج، وللقبقاب مكانة هامة بين أدواتها ووسائل تزيينها ولهذا قلن في القبقاب: قبقابك ترللي وسيرو بيغني، يا عروستنا بجوازك تتهني».

زينة المرأة بخلخالها

لكن الخلخال كان له دور كبير في حياة النساء الحلبيات وكان يتمتع بمنزلة رفيعة عند العرب منوهة عنه "سيريس" بالقول: «أُخذ الخلخال من نضوة الحصان في شكلها الدائري غير المقفل ويعلق عادة على جدران المنازل أو فوق الأبواب، والخلخال كان دارجاً ويعتقد أنه يعود في أساسه إلى طقوس شرقية استوحيت من "القمر" عندما يكون هلالاً وكانت هذه الطقوس منتشرة عند العديد من شعوب العالم ويقال إن هذه الطقوس تفرعت من اللات "الشمس" والعزى "القمر" ـ على حسب معتقداتهم ـ واللتين عرفتهما العرب في جاهليتهم، وانتقلت منزلة النضوة من الأقدام إلى أعالي الرؤوس إلى التيجان، والعرب كانوا يعتبرون المرأة جميلة إذا كان لها شامة وخلخال، وفي عصرنا الحالي نرى أن المرأة تزين خدها أو ذقنها بشامة اصطناعية».

لكن الخلخال حينما انتقل إلى زينة المرأة كان له أوضاع معينة وعلى حسب المعتقدات الموروثة أضافتها "سيريس" بالقول: «فكان النساء يضعن الخلخال عادة على الرجل اليسرى لتزيينها لكون يسار الإنسان مكاناً هو اقرب إلى القلب وعلى هذا تم وضع خاتم الزواج من يسرى العروسين وصار تقليداً متوارثاً، ولم يقتصر الخلخال على ساق الدم بل عمدت النساء إلى وضعه في أذرعهن اليسرى للدلالة على أنهن متزوجات وغالبا ما كان يتخذ من الفضة وأول ما عرف بشكله الحالي في زمن الثراء والترف فتفننت النساء بالزينة وأدوات التجميل واتخذ الخلخال أشكالاً متقاربة قبل ذلك».

ليلة الحنة

ولكن الحنة ليست أداة للزينة فقط فكانت ليلتها ليلة يتم الاستعداد لها خصيصاً لتلك المناسبة وحول تفصيل تلك الليلة أوضحها الكاتب المسرحي "منير حلاق" قائلاً: «ما أبهى ليلة الحنة، والاستعداد لها، فالصبيان يبيتون ليلتهم فرحين من خلال قيام أمهاتهم بتغليف أكفهم بها، حتى الصباح فيبادرون إلى نزع الأربطة لينظروا إلى أكفهم التي صبغتها الحناء، والصغيرات يبدون أكثر سعادة حينما ترتسم على أكفهم أشكال بديعة، ويحبب للنساء إطالة شعرهن وينفقن وقتاً طويلاً في ترتيبه ويحاولن أن يكون كثيفاً، وتستخدم المرأة الحلق والإسوارات والقلائد الذهبية واسوارات كبيرة للأرجل والأذرع وسواها، لأن عادة التبرج معدومة في "حلب" قديماً وعوضاً عن ذلك كانت النساء تقوم بصبغ أصابعهن وأيديهن وأرجلهن وكعابهن بصباغ يدعى "الحنة"، الذي يميل لونه إلى الأصفر.

وفي بعض المناسبات الهامة وعوضاً عن صبغ أطرافهن بالطريقة المعهودة يقمن بقص أوراق الحنة على شكل زهور ونجوم وغيرها من الأشكال ويقمن بربطها على الأيدي والأرجل ثم يغطين المكان بمراهم وينتظرن لبضعة ساعات، وبعد إزالتها يجدن صور النجوم والأزهار مطبوعة على أطرافهن وهذه العملية شاقة ومتعبة».

وختم "حلاق" قائلاً: «طريقة التزيين بالحنة كانت شائعة لدى أغلب نساء "حلب" وكانت هذه المراسيم تجرى في الحمامات وخاصة للمرأة الحديثة الزواج».