"شكرية كيوان" أو "أم عدنان" كما يناديها كل من يحبها ويعرفها، سيدة أبت أن تسلم مفاتيح أبواب عمرها للزمن، فكان لرفضها هذا تمرد على الفراغ والملل وانتظار المصير الأخير، فبدأت بملء وقتها بالقراءة والاطلاع لتجد نفسها تقول الشعر بعد مرور ستين عاماً من عمرها، وذلك مرده باعتقادها للتصميم والإرادة التي في داخلها على إثبات الوجود، ولأنها تؤمن أن الإنسان الحقيقي هو الذي يستطيع أن يحفر بصمته وتجربته على جدار الزمن.
eSuweda التقى السيدة "أم عدنان" في 3/1/2011، حيث تحدثت عن قصة حياتها وكيف بدأت بكتابة الشعر بالقول:
أم عدنان امرأة عصامية، فمنذ أن عرفنا أسرتها وعرفناها كان يلفت انتباهي كلامها الجميل ورغبتها في أن يكون الناس محبين للعلم والصبر والعمل، وأنا أهنئها على عدم استسلامها للزمن كما يفعل الآخرون، لأنها تستحق بذلك أن تكون مثلاً وقدوة
«ولدت في بيت قديم من الطين والحجر بين أناس فقراء محبين للناس في قرية "سهوة الخضر"، ولكن لم يتسنّ لي دخول المدرسة والتعلم، وذلك نظراً لفقر الحال ولأن الفتاة في تلك الفترة كانت مغيبة عن التعليم ومكانها هو بيت زوجها، وفي سن الخامسة عشرة اقترنت بالسيد "غالب الحجلي"، وكان ذلك في عام 1966، حيث عشنا الحياة معاً بحلوها ومرها، فكنت أعمل بصناعة الصوف وأبيع الملابس والوسائد والشراشف، وعندما اندلعت حرب 1967، اضطررنا للسفر للبنان لنكسب لقمة العيش، ورزقنا بطفلتنا الأولى "فوز" وعشنا شظف العيش لمدة عام كامل إلى أن عدنا إلى سورية حيث تطوع زوجي بالجيش العربي السوري فتحسنت أحوالنا المادية، ومع مرور السنين أصبح لدي سبعة أولاد أربعة ذكور وثلاث إناث، كان همي الأول هو تعليمهم وتربيتهم تربية صالحة فغذيت لديهم الحلم في يصبحوا من أحسن الناس ورغم جهلي بالقراءة والكتابة، إلا أنني كنت أطلب منهم أن يقوموا بقراءة دروسهم أمامي وهم يعتقدون أنني أفهم القراءة والكتابة، ولكنني كنت أتعلم معهم واستمرت الحال حتى أنهى ولدي الكبير دراسة الحقوق وأنهى الثاني دراسة الفنون الجميلة وأنهى الثالث والرابع دراسة الهندسة، وأنهت ابنتي الصغرى "ريما"، الدراسة في معهد التسويق، وبعد زواج كل أولادي أحسست أن رسالتي قد اكتملت، وكنت قد قاربت على الخمسين من عمري، ولم تكد السعادة تدخل إلى قلبي حتى ابتلى الله زوجي بمرض خبيث، وكان في الثالثة والخمسين من عمره وبعد تسعة أشهر من مرضه اختصه الله برحمته، فإذ بي وحيدة في منزلي، فقررت ألا أستسلم للملل والفراغ وتمضية ما تبقى من حياتي في حديث النساء، فبدأت بالقراءة والمطالعة، وطلبت من ابنتي الصغرى "ريما" أن تحضر لي بعض الكتب وكان أغلبها كتب عن قصص الأنبياء وسيرهم وما قالوه من شعر في مدح الله عز وجل، وخاصة أشعار سيدتنا "رابعة العدوية"، ومع أن قراءتي بطيئة، لكنني تابعت ولم أيئس حتى صار الكتاب رفيقي وأنيسي، وبعد سبع سنوات على هذا الحال، وبالتحديد في الشهر السابع من عام 2010، فوجئت أن حالة من الصفاء الذهني قد سادت عقلي، فبدأت أسترجع كل ما حدث معي ومع زوجي وأولادي وإذ بي أجد أن لدي إلهاما وقوة في الذاكرة لم أعهدها من قبل، فقررت أن أقول الشعر واستقيه من واقعي ومعاناتي في الحياة وكان ذلك الإلهام يحضر ليلاً، ونظرا لضعفي بالكتابة بسبب الكبر وضعف البصر، طلبت من ابنتي الصغرى "ريما" التي كانت تمر علي كل صباح أن تكتب لي ما جال في خاطري من الشعر، وذلك لإيماني أن العلم والمعرفة حالة لا يحدها الزمن، ولأنني أردت أن أترك بصمتي في هذه الحياة».
وعما أنتجته من شعر لهذا التاريخ تقول: «كتبت لهذا التاريخ ثلاث قصائد ومع أنها إنتاج قليل إلا أنني أعتبر أنني قد بدأت مشروعي في الكتابة، وهذه القصائد كانت بعناوين مختلفة فالأولى هي"تمنيات" وفيها أحث على العمل الطيب والجيد، والقصيدة الثانية بعنوان "هند" وهي حنين للزمن الماضي بما يحمله من أخلاق وحب والقصيدة الثالثة بعنوان "دمشق"، لأنها مدينة خالدة وباقية، ومن هذه القصائد سأختار أحب الأبيات إلى قلبي من قصيدة "تمنيات" حيث أقول:
لا أريد أن أسكن القصور بها أتنعم/ أريد كوخاً صغيراً وهو لي خير منزل/ أملأ سراجاً بالزيت وأضيئه/ أضعه على نافذتي لكي يكون منارة للتائهين/ وأتمنى نفسي متصوفة/ أنصح الناس قبل أن يرحل موكبي وينطوي دفتري».
وعما قدمه هذا الشعر لأبنائها تتحدث السيدة "ريما الحجلي" الابنة الصغرى للسيدة "شكرية" بالقول: «أنا سعيدة جداً بما تصنعه والدتي اليوم، وخاصة أن أحفادها يتعلمون منها كما تعلمنا نحن أيضاً، وأنا لم أستغرب قول والدتي للشعر فهي منذ كنا صغاراً كانت تغذينا بالأقوال الحكيمة والمأثورة، فأنا أتذكر جيداً مقولتها لنا عندما كنا في المدرسة، بأنه لا قيمة لمن لا يتعلم ويعلم، وأتذكر تردادها لقول أطلب العلم من المهد إلى اللحد، ووالدتي ربتنا تربية ممتازة فهي أول من يستيقظ وآخر من ينام، واستطاعت فعلاً أن تجعلنا نفتخر بها بصغرنا وكبرنا».
السيد "طلال دواره" أحد معارف بيت السيدة أم "عدنان" تحدث عن مسلكها ودورها في الحياة بالقول:
«أم عدنان امرأة عصامية، فمنذ أن عرفنا أسرتها وعرفناها كان يلفت انتباهي كلامها الجميل ورغبتها في أن يكون الناس محبين للعلم والصبر والعمل، وأنا أهنئها على عدم استسلامها للزمن كما يفعل الآخرون، لأنها تستحق بذلك أن تكون مثلاً وقدوة».
يذكر أن السيدة "أم عدنان" من مواليد عام 1948، في قرية "سهوة الخضر"، ولديها سبعة أولاد أربعة ذكور هم: "عدنان وبسام ورمزي وأسامة" وثلاث إناث هن: "فوز وجميلة وريما".