ربما بات من المألوف أن نجد امرأةً في "البوكمال" وهي جالسةٌ خلف مقْوَد السيارة وتتجول بها دون أن يكون في الأمر غرابة؛ بعدما كان هذا الشيء حكراً على الرجال فقط. ففي الآونةِ الأخيرة شهدت المدينة إقبالاًَ ملحوظاً من جانب المرأة لنيلها إجازة سَوق؛ كانت بداية هذا التحدي مع عددٍ من النسوة لا تتجاوز أعدادهن أصابع اليد الواحدة؛ لكن سرعان مع انتقلت العدوى إلى أخريات وكل واحدةٍ منهن اخترن أسباباً مختلفة وراء هذه الرغبة المشروعة. فخلال جولتنا التي قمنا بها إلى مدرسة "البوكمال" الخاصة لقيادة السيارات؛ عبّرت كل سيدة عن أسباب رغبتها في تعلم السواقة فكانت الآراء التالية:

المتدربة "شاهن محمد منصور" قابلة قانونية وتعمل خارج المدينة؛ تقول: «بسبب بُعد مكان عملي عن المنزل وصعوبة المواصلات قرّرتُ تعلّم القيادة للتخلص من هذه المتاعب؛ فأنا موظفة في مستوصف ببلدة "السوسة" التي تبعد عن مدينة "البوكمال" نحو /15/ كم وأعاني من صعوبات كثيرة سواء في الذهاب أو الإياب، لذلك وجدتُ الحل الأمثل هو اقتناء سيارة لأنتهي من كل هذه المتاعب».

المُتدرب يقود السيارة وليست السيارة هي التي تقود المُتدرّب

المُتدربة "سمر خليل" مُدرسة للمرحلة الابتدائية ترى بأن المدينة ستكتظ بالسيارات التي ستقودها المرأة خلال الأعوام المُقبلة؛ فتقول: «شيء جميل أن نشاهد المرأة وهي تقود السيارة في شوارع المدينة، وإنه مظهر حضاري يعكس وعي المواطنين، ويبدو أن "البوكمال" ستشهد أعداداً كبيرة من السائقات اللاتي سينافسن الرجال في قيادة السيارة».

في حقل التدريب

المتدربة "نور العبد الله" طالبة جامعية تعتبر حصول المرأة على إجازة سَوق أمراً ضرورياً؛ فتقول: «لدينا سيارة في المنزل ولا أحد يقودها غير والدي؛ لذلك رأيتُ أنه من الضروري أن أتعلّم أيضاً؛ للتصرف في ظرفٍ طارئ أو أي أمر مفاجئ، فلا يوجد أي ضرر إذا حصلت المرأة على إجازة سوق حتى لو لم يكن لديها سيارة خاصة بها».

الدكتور "كمال وگاع" وأثناء وجودنا هناك جاء أيضاً إلى المدرسة مصطحباً معه زوجته لضمّها إلى المُتدرّبات؛ ولدى سؤالنا عن سبب رغبته بتعليم زوجته القيادة؛ أجاب وهو يضحك: «بصراحة ليس لدي وقت حتى أقوم بإيصالها كل صباح إلى وظيفتها ثم إعادتها مجدداً إلى المنزل، لذلك طرحتُ عليها هذه الفكرة حتى تعتمد على نفسها، كما أن هناك الكثير من الأمور المفاجئة التي قد تحصل للأطفال وأنا غائب عن البيت؛ ففي هذا الوقت بإمكانها أن تتصرف دون الحاجة إلى أحد».

المدرب "بدران النايف"

المُدربة "إنعام البرغش" لا تزال صبورة وواثقة من نجاح تلميذاتها في تعلمهن قيادة السيارة، فتقول عن تجربتها في التدريب: «كنتُ تلميذة مُتدربة في هذه المدرسة خلال الدورة التدريبية الأولى وبعد حصولي على إجازة السوق أصبحتُ مُدربة لتعليم تلميذات الدورات اللاحقة، ففي بداية الأمر أحاول تشجيع المُتدربات على الجلوس خلف المقْود من خلال منحها الثقة بالنفس أما الخطوة الثانية فهي تعليمهن كيفية التقدم بالسيارة ضمن المضمار المُخصص؛ بعدها ننتقل إلى مرحلة اجتياز مطب عالٍ من دون أن يطفئ المحرك عند الإقلاع مرةً أخرى؛ وأخيراً كيفية الرجوع بالسيارة نحو الخلف ضمن المضمار المُتعرّج. كل هذه الخطوات تستغرق فقط ستة أيام بعدها يكون بمقدور المُتدرّبة قيادة السيارة بشكلٍ رسمي؛ لكن عليها صقل خبرتها بالممارسة اليومية في مكانٍ آمن قبل أن تنزل بها إلى أمكنة تعج بأزمة مرورية. وأنا برأيي أصبح تعلم المرأة لقيادة السيارة أمراً ضرورياً؛ لاصطحاب أطفالها إلى الروضة والمدرسة مثلاً أو حتى التصرف في حالات إسعافية عندما يكون الزوج خارج المنزل».

«المُتدرب يقود السيارة وليست السيارة هي التي تقود المُتدرّب» بهذه الجملة يبدأ المُدرب "بدران النايف" بتلقين تلاميذه أولى دروس القيادة في بداية كل دورة تدريبية، ويتابع قائلاً: «مشكلة الخوف هي العائق الوحيد أمام المُتدرّب؛ فإذا استطاع التخلص من هذا الهاجس يمكنه قيادة السيارة بكل نجاح. مهمتي هي تدريب فئة الرجال خلال الفترة الصباحية؛ ومشرفٌ على تدريب فئة النساء في الفترة المسائية، والفرق بين الفئتين هو أن النساء أكثر توتراً في الجلوس خلف المقْود؛ لكن مع التدريب المتواصل يمكن التخلص من حالة الخوف التي تسيطر عليهن، فالمرأة البوكمالية بإمكانها الخروج إلى الشارع أو السوق وهي جالسة خلف مقوْد السيارة دون أي شعورٍ بالخجل، لأن الناس بدؤوا يتقبلون هذا الأمر وخاصةً بعد أن انتشرت فكرة دورات خاصة للنساء في مدارس السواقة».

السيد "سطام الدندل" مدير مدرسة "البوكمال" للسواقة

على الرغم من أن مسألة قيادة المرأة للسيارة بات أمراً واقعاً؛ إلا أن هناك من يرى بأنها مشكلة لا بد التوقف عندها مُطوّلاً، فيقول السائق "طاهر غانم": «قبل يومين فقط اضطررت لأخذ سيارتي الجديدة إلى "حلب" من أجل إصلاحها؛ لأن إحدى السائقات صدمت سيارتي لأنها خافت ولم تُحسن التصرف عندما تفاجأت بوجودي أمامها؛ لذلك من الصعب أن تتأقلم المرأة وسط الازدحام المروري وعليها التفكير مليّاً قبل أن تجلس خلف المقْود».

ويرى السائق "أحمد البديع" بأن هناك صعوبات جمة ستعاني منها المرأة عندما تقود السيارة؛ فيقول: «في بعض الأحيان نحن الرجال نتعرض لمواقف محرجة جداً فكيف الأمر سيكون بالنسبة للسيدات؟ مثلاً تبديل العجلات إذا كانت بعيدة عن محل الكومجي أو عطل في المحرك أو حتى حادث مروري؛ فهي بطبيعتها رقيقة القلب لا تستطيع الخروج من المآزق التي ستتعرض لها وهي تقود سيارتها».

كل سيارة مُعرضة لعطلٍ مفاجئ تُجبر سائقها على التصرف بسرعة من أجل إصلاحها بنفسه؛ لكن كيف سيكون الأمر عندما يكون السائق من الجنس اللطيف؟ السيد "عدنان الحمد" تحدث عن قصته مع إحدى السائقات؛ فيقول: «عندما كنت قادماً من قريتي إلى المدينة فوجئتُ بسيارةٍ حديثة واقفة على جانب الطريق المؤدي إلى "البوكمال" وبجوارها سيدةٌ ظهر على وجهها آثار البكاء؛ فعندما سألتها عن السبب أجابت بأن إطار سيارتها قد انعطب ولا تستطيع استبداله؛ فعلى الفور قمتُ بواجبي وبدّلت لها الإطار ثم تابعتُ طريقي وأنا أضحك لهذا الموقف المضحك المبكي».

السيد "سطام الدندل" مدير مدرسة "البوكمال" الخاصة لتعليم قيادة السيارات تحدث عن تجربة مشروعه الذي يُعد الأول في المدينة بالقول: «عندما قرّرتُ افتتاح مدرسة لتعليم السواقة لم يغب عن بالي تخصيص دوام للنساء، واُعتبِر فكرة إشراك المرأة في هذا المشروع مخاطرة وبالنسبة لي كان رهاناً؛ فإما سيُكتب لها النجاح وتلقى صدىً كبيراً أو سأفشل مادياً ومعنوياً، لكن في نهاية الأمر كسبتُ الرهان وقُبِلتْ الفكرة من جانب عدد من النساء لم يتجاوز عددهم /5/ خلال الدورة الأولى لكنها كانت فاتحةً لنجاحات في الدورات اللاحقة. إذ يتراوح الآن أعدادهن في كل دورة بين /20-25/ سيدة، كل ما أردته من هذه الدورات هو كسر الجمود الذي يسيطر على المرأة البوكمالية والمتمثل بخنوعها وضعفها نتيجة رفض المجتمع لها دائماً في ظل سلطة الرجل،فالكثير من النساء اللاتي يتدرّبن هنا أفصحن عن فرحتهن بالتعارف على أصدقاء جدد وتعلّمن بعض الأمور التي كانت غائبةً عنهن».

ثم تابع حديثه بالقول: «كل الأمور في المدرسة تسير بوتيرة عالية منذ تسجيل المُتدرب أو المتدرّبة وحتى اليوم الأخير من الدورة والتقدم للاختبار العملي، فأمامه عشرون يوماً للتدريب النظري والعملي ضمن حقل خاص بالتدريب وتحت إشراف مُدرّبين شباب ذو خبرة جيدة؛ ومعظم المنتسبين إلى مدرستنا يجلسون خلف مقود السيارة فور نجاحهم في الفحص النهائي. لكن هناك عائقٌ وحيد يقف أمامهم؛ فعند اجتيازهم للاختبار عليهم السفر إلى فرع المرور بـ "دير الزور" من أجل إكمال الأوراق المطلوبة للحصول على إجازة السَّوق كالفحص الطبي ووثيقة للتبرع بالدم، وكل هذه الأمور يمكن أن تُنفذ هنا في "البوكمال" دون الحاجة لتحمّل مشقّة السفر وخاصةً بالنسبة للنساء، لذلك اقترحت على مديرية النقل بالموافقة على تخصيص غرفة في مشفى الباسل بـ "البوكمال" من أجل هذه الغاية وعلى نفقتي الخاصة لكنهم رفضوا الأمر، وما أتمناه من المعنيين في وزارة النقل الموافقة على هذا المطلب لما له من منفعة ملموسة لكل الأطراف».

وتجدر الإشارة إلى أن مدينة "البوكمال" تحتضن مدرستين لتعليم قيادة السيارات وهما تابعتان للقطاع الخاص ويبلغ عدد المتدربات المنتسبات في كل دورة تدريبية نحو /25/ مُتدرّبة.