للباس المرأة الرقية صنوف عديدة، لكل منها أشكاله وألوانه ووظائفه المختلفة، فهناك لباس للرأس ولباس للجذع ولباس للقدم ولباس للظهر وغير ذلك من الصنوف. ويلاحظ المتتبع للشعر الشعبي الرقي أن الشعراء كثيراً ما كانوا يتغنون بملابس المرأة، وخاصة تلك التي تضفي عليها جمالاً وأناقة.

ولعلَّ أكثر ما تغنوا به هو "الزبون" و"الصاية"، وهما من أشهر ما ارتدته المرأة الرقية من ألبسة الظهر، حيث تقول السيدة "مرهج السالم" متحدثة عن "الزبون" الذي لم تستطع لبسه إلا بعد الزواج: «بسبب كثرة البنات في العائلة لم أستطع لبس "الزبون" وأنا بنت، رغم أن والدتي وأختي الكبرى كانتا ترتديانه، فقد كان من أغلى ملابس المرأة على الإطلاق وأكثرها هيبة، وأذكر أن أختي فصلت "زبوناً" بـ/1100/ ل.س عام /1978/م، وكان هذا المبلغ لا يستهان به أبداً في ذلك الحين.

بسبب كثرة البنات في العائلة لم أستطع لبس "الزبون" وأنا بنت، رغم أن والدتي وأختي الكبرى كانتا ترتديانه، فقد كان من أغلى ملابس المرأة على الإطلاق وأكثرها هيبة، وأذكر أن أختي فصلت "زبوناً" بـ/1100/ ل.س عام /1978/م، وكان هذا المبلغ لا يستهان به أبداً في ذلك الحين. وفي عام /1982/م ـ وهو العام الذي تزوجت فيه ـ فصَّلت "زبونين" من المخمل الثمين، وذلك من ضمن "الزهاب" الذي اصطحبته معي إلى بيت زوجي، وما زلت إلى اليوم ارتدي "الزبون" في فصل الشتاء وخاصة في المناسبات والزيارات، فهو في نظري ما يزال اللباس الأكثر جمالاً وحضوراً، أما "الصاية" فقد لبستها وأنا بنت، وخاصة في الأعراس التي كانت تقام في حيِّنا أو عند أقاربنا وأصدقاء العائلة

وفي عام /1982/م ـ وهو العام الذي تزوجت فيه ـ فصَّلت "زبونين" من المخمل الثمين، وذلك من ضمن "الزهاب" الذي اصطحبته معي إلى بيت زوجي، وما زلت إلى اليوم ارتدي "الزبون" في فصل الشتاء وخاصة في المناسبات والزيارات، فهو في نظري ما يزال اللباس الأكثر جمالاً وحضوراً، أما "الصاية" فقد لبستها وأنا بنت، وخاصة في الأعراس التي كانت تقام في حيِّنا أو عند أقاربنا وأصدقاء العائلة».

الباحث حسن عساف العدواني مدير دار التراث في الرقة

للحديث عن هذين الزيين الشعبيين الأكثر شهرة بين ملبوسات المرأة الرقية، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (29/11/2010) الباحث "حسن عساف العدواني" مدير دار التراث في "الرقة" الذي حدثنا قائلاً:

«عرفت المرأة منذ استيطانها في منطقة "الرقة" أشكالاً متعددة من لباس الظهر، وأول ما ظهر من هذه الأشكال هو "الزبون"، والجمع منه بلهجة أهل "الرقة" "زبنات"، وقد كان يلبسه فيما مضى الرجل الرَّقي كذلك، إلا أنه استغنى عنه فيما بعد، بيد أن المرأة وخاصة في الأرياف مازالت تلبسه حتى يومنا هذا.

فتاة ترتدي زبون المخمل المقصب وأخرى ترتدي الصاية

و"الزبون" عند المرأة أكثر أناقة منه عند الرجل، فهو متعدد الأشكال والألوان، وأول نوع منه كان يُصنع من قماش يسمى "أبو رويشة"، و"الزبون" يغطي الظهر من الأكتاف إلى الكعبين و جانبي الورك مع طرفي الصدر وهو مفتوح من الأمام.

وبعد "أبو رويشة" جاء قماش آخر يصنع منه "الزبون" و يسمى "جَزْ" و هو من الحرير الخالص، واشتق اسمه من كلمة "قز" أي الحرير، وظهر "زبون" آخر باسم "سبع ملوك" وهو خاص بالمرأة ويشبه "زبون" الرجل، لكنه يمتاز عن "زبون" الرجل بأنه ناعم وسلس أكثر، بحيث يناسب أعطاف المرأة. وهناك "زبون" باسم "خر شدي" وهو لباس شتوي، لذلك نراه يمتاز بقوامه السميك، وبعده ظهر"زبون" آخر يدعى "زند العبد"، ساحته بيضاء وفيه أشكال هندسية أو شكل الهلال والنجوم وأشكال الورود و بعض الحيوانات، و يسمى كذلك "زبون مقصب".

الصاية تساعد البدويات على أولادهن على ظهورهن

وظهرت "زبنات" متعددة منها ما اسمه "شافون" و"الهندي"، لكن أهمها وأحدثها وأثمنها "الزبون" المسمى "الزَري" وقد وصل ثمنه في مطلع الستينات من القرن العشرين حوالي /1000/ ل.س، مع تطريزه بالقصب، وهناك "زبون" الشتاء واسمه "لب الجوخ"، وقال فيه الشاعر الشعبي متغزلاً بالتي تلبسه:

أبو زبين لب الجوخ يا بو هباري عراقي/ الحكم عايد ليدك دخيل بيض وراقي

وأخيراً هناك زبون مخملي ناعم يسمى "عذيف"».

ويتابع "العدواني" حديثه عن النوع الآخر من ألبسة الظهر عن المرأة الرقية والذي يدعى "الصاية"، حيث يقول: «من ألبسة الظهر الشهيرة عند المرأة الرقية هي "الصاية"، وهي كذلك الأمر كانت من ملابس الرجال أيضاً، لكن "صاية" المرأة تختلف عن "صاية" الرجل، فهي مصنوعة من القماش الرقيق الشفاف الذي لا يناسب الرجال عادةً, وتلبسها المرأة في فصل الصيف والربيع وأول الخريف، وشكلها من حيث التفصيل يشبه "الزبون، والفرق بينهما هو أنه عندما تلبس المرأة "الصاية" يبقى طرفا جسمها مكشوفان عن الثوب, أما "الزبون" فيغطي طرفي الجسم، و يمكن زرُّه من الأمام ليصبح قطعة واحدة تغطي الجسم كله، من العنق إلى القدمين، أما "الصاية" فتستر الظهر فقط، وهي لباس للعمل، وتمتاز بوزنها الخفيف. وتستطيع المرأة أن تلف طرفها الأسفل بكل سهولة وتضعه على ذراعها، أو تعقد طرفها السفلي كي يساعدها على العمل والحركة، وقد ذكرت "الصاية" في كثير من الشعر الشعبي الفراتي، قال الشاعر:

اشريلك صـاية وجوز مراية/ خدك نجم السّهايه طلوع الميزان.

وتخضع "الصاية" لظروف خاصة بالمنطقة، كظروف البيئة والعمل، فتحمل بها المرأة ما تستطيع حمله من حشائش وثمار وخضراوات وصوف وقمح وحطب ناعم من سيقان نبات السوس اليابس، وتحمل بها كذلك صغار الحيوانات، وأهم دور كانت تقوم به "الصاية" عند المرأة "الرقاوية" آنذاك، هو حمل الأطفال الصغار، وخاصة الرضّع، فتحمل المرأة رضيعها الصغير وتتابع عملها سواء في الحقل أو في البيت».

وأخيراً يقول الشاعر الأستاذ "محمود الذخيرة":

«يؤسفني أنه في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين اختفت مجموعة كبيرة من الأزياء الشعبية الفراتية الأصيلة والرقية على سبيل الحصر، وأهم ما فتقدناه هو لباس المرأة الذي كنا نعتز به كثيراً, كرمز للحشمة والوقار لأنه لم يتغير على مدى مئات السنين، إلا في هذه الأيام حيث فقدت المرأة الرقية أناقة ووقار لباسها وخاصة "الزبون" و "الصاية"، فالمرأة الرقية اليوم تلبس الخليجي والأوربي والمغربي و"الطوراني" و كل ما يجلبه التجار للربح، وتنسى أو تتناسى الأناقة والذوق في لباسها التقليدي الأصيل، كما فقدنا تلك الارتعاشه الحنونة التي نسمعها من الطرب الشعبي حيث يقول الشاعر:

نجم الثريا تعلا فوق الميازين/ برد الصبح صابني بزركاج لفّيني».