لا يمكننا الحديث عن زراعة أي نوع من المحاصيل الزراعية الجديدة في مدينة "الحسكة" دون الانتباه إلى مسألة هامة وجوهريَّة تمسّ الأمن الغذائي لسكَّان سورية كافة بحسب المسؤولين، وهذه المسألة تتعلَّق بتأثير المزروعات الجديدة على الإنتاج السنوي المتوقع من المحاصيل الأساسيَّة "القمح والقطن" التي تسهم بنسبة كبيرة في ضمان الأمن الغذائي الوطني.

ولكن، هل تمنع تلك الأسباب من الزراعة طالما يوجد من الأراضي التي لا تصلح لزراعة المحاصيل الأساسيَّة، وتنجح فيها الزراعات الأخرى كالزيتون مثلاً، وخاصةً بعد سنوات الجفاف التي تعرضَّت لها المحافظة وعدم توافر المياه الكافية لإرواء الأراضي الزراعية الواسعة؟.

الصعوبات تتعلق بعدم وجود معاصر الزيتون في المحافظة حيث نضطر إلى تسويقها إلى معاصر محافظة "إدلب" أو محافظة "حلب" ما يسبب بجهدٍ إضافي لنا وارتفاع في التكلفة

موقع eHasakeh وخلال جولة له على مزارع الزيتون في المحافظة أثناء موسم القطاف حاول تسليط الأضواء على واقع زراعتها والكشف عن أهميتها وأجرى اللقاءات التالية.

ماروكل أورا

البداية كانت مع السيد "صلاح سيدا" أحد مالكي مزارع الزيتون في منطقة "رأس العين" الذي تحدَّث عن تجربته بالقول: «كنت أملك قطعة أرض بمساحة 18 دونماً، وكانت لا تصلح لزراعة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية لكثرة الصخور وافتقارها إلى العناصر الغذائية المناسبة، أنفقت عليها أموالاً طائلة بغية إعادة تأهيلها لزراعة تلك المحاصيل ولكن دون فائدة، ما حدا بي إلى زراعتها بالزيتون وخاصة عندما سمعنا من أحد الخبراء عن نجاح زراعته في الأراضي المماثلة لأرضي، وبعد فترة دخوله مرحلة الإنتاج كانت النتائج مبهرة وتجاوزت المتوقع».

زراعة الزيتون كانت مصادفة محضة، فما كمية الإنتاج التي يجنيها "سيدا" من 400 شجرة حجم المشروع الذي يملكه ويدرس توسيعه؟ وعنها سألناه فأجاب: «دخلت الأشجار في مرحلة الإنتاج بعد فترة 6 أعوام من زراعتها، وتتوزع أنواعها ما بين ما هو صالح للحصول على الزيت، ومنها ما يصلح للتخليل، أما الزياتي فحصلت من 250 شجرة على كمية زيت تجاوزت الـ 1040 لترا من الزيت النقي، أما من الثمار فحصلت على كمية 25 كغ من الزيتون لكل شجرة، وبعد الخطوات الذي سنقوم بها، يُتوقع أن يصل الإنتاج إلى 12 لترا من الزيت لكل شجرة».

مزرعة السفح من المزارع الرائدة

وعن الصعوبات التي يعاني منها اختتم "سيدا": «الصعوبات تتعلق بعدم وجود معاصر الزيتون في المحافظة حيث نضطر إلى تسويقها إلى معاصر محافظة "إدلب" أو محافظة "حلب" ما يسبب بجهدٍ إضافي لنا وارتفاع في التكلفة».

تجربة أخرى تضاف إلى سلسلة التجارب الناجحة الأخرى لزراعة الزيتون هي تجربة المزارع، "ماروكل أورا" الذي يملك مزرعة زيتون في الضفة المواجهة لقرية "تل سكرة" حيث تباهى ببركة الزيتون وفوائد زراعته قائلاً: «بعد تجربتي التي امتدَّت إلى 15عاماً، توصّلت إلى قناعة مفادها أن الزيتون من أكثر أنواع الزراعات نجاحاً في منطقتنا وخاصة أنها لا تحتاج إلى مياه كثيرة للسقاية، وإلى مجهود أقل من المزروعات الأخرى، وبالنسبة لي أكثر الأنواع التي لاقت نجاحاً هو ما يسمى "الصوراني"».

وفيما يتعلَّق بصعوبات زراعته يضيف "ماروكل": «صعوبات تقنية تتعلَّق بتسويقه، إضافة على عدم اهتمام الجهات المعنية، وأخيراً برزت مشكلة التلف المفاجئ لبعض الأشجار ولم نتعرَّف على أسباب هذه المشكلة حتى الآن».

تُصنَّف "الحسكة" من المناطق الحديثة بزراعة الزيتون ولكن بالعودة إلى المكتشفات الأثرية نجد له آثارا واضحة، حيث اكتشف العالم الأثري المعروف "اليسيف" في بلدة "مركدة" التي تبعد عن مركز "الحسكة" مسافة 80 كم تقريباً آثاراً للعديد من معاصر ومزارع الزيتون تعود إلى آلاف السنين.

وللحصول على رأي الخبراء الزراعيين بخصوص هذا الموضوع توجَّهنا إلى الدكتور "الياس إسحاق"، الحاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الزراعية والذي أفادنا ببعض المعلومات القيِّمة فيما يتعلق بمفارقات زراعة الزيتون في "الحسكة" حيث قال: «زراعة الزيتون في المحافظة ستساعد على نجاح الزراعات الأخرى "القمح" و"القطن" لأن منطقتنا تتعرض لظروف مناخية قاسية وإذا أردنا القيام بجهد بشري لتعديل المناخ فإنه لا يمكننا إلا زراعة الأشجار وأهمها الزيتون، لكونها تساعد على تشكل الغيوم ومن ثم هطول الأمطار التي تحتاج إليها محاصيلنا الإستراتيجية، وتساعد على نجاح الزراعات الأخرى».

وبالنسبة للشروط التي تتطلبها وإمكانية توافر تلك الشروط في "الحسكة" أضاف "إسحاق": «تعتبر شجرة الزيتون من الأشجار البريَّة لكون زراعتها لا تتطلب مياها وفيرة بل إلى القليل من الرطوبة والهواء، لذا تؤكِّد التجارب العلمية على نجاحها الباهر في هذه المحافظة، وهناك حقيقة أخرى يتجاهلها البعض عن تربة "الحسكة" وهي أنها غنية بـ"البوتاس" الذي يعتبر من العناصر الغنية المفيدة جداً لتشكيل العناصر الموجودة في الثمرة، ما يؤدي إلى غنى وجودة الزيت المستخرج».

وعن الطريقة المثلى لنجاح زراعته يختتم الدكتور "إلياس إسحق": «يجب عند شراء الأشجار للزراعة اختيار الأنواع التي لا تحتاج إلى مياه كثيرة لكوننا نعاني من نقص في مصادره، وعلى سبيل المثال لا نختار "العطون" بسبب ثمرته الكبيرة التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، ومن ثم الانتباه إلى مشكلة إصابة الجذور بالفيروسات والأمراض التي لا تظهر إلا بعد فترة طويلة ما يوجب علينا شراؤه من مصدر موثوق، بالإضافة إلى شروط تتعلق بطريقة زراعته حيث يجب ترك مسافة كافية بين الشجرة والأخرى 8×8 أمتار وذلك للتهوية المناسبة وإمكانية التنقل بينه بيسر».

يذكر أنه صدر العديد من القرارات التي تمنع زراعة الأشجار المثمرة ومنها الزيتون خشية على الزراعات الاستراتيجية ومن القرارات القرار رقم /9/ لعام /87/ ورقم /69/ لعام /2001/ ورقم /20/ لعام /2008 / المتضمنة منع زراعة الأشجار المثمرة على مصادر مروية دائمة وفي الأراضي الصالحة لزراعة المحاصيل.

وبحسب بعض المصادر في مديرية الزراعة فإن مساحة الأراضي المزروعة في "الحسكة" تقدر بـ/351/ هكتاراً من مجموع يقدر بـ/617/ ألفاً و/263/ هكتاراً على مستوى سورية.