أدوات بسيطة في شكلها وطريقة صنعها، عندما تنظر إليها وهي مركونة في طرف المنزل، أو ضمن الأغراض البالية الموجودة في غرفة خاصة أو في سقيفة المنزل، تحسبها للوهلة الأولى أنها من الخردة، لكنها في سنوات ماضية كانت رمزاً ومصدراً للنور...
وللتعرف على أدوات الإضاءة والمراحل التي مر بها الضوء عبر هذه الأدوات، التقى eSyria الأستاذ "عيدان العمران" الباحث بالتراث وعضو لجنة السجل الوطني للتراث "بدمشق"، والذي حدثنا بالقول: «أول ما تمّ استخدامه من قبل أهالي "دير الزور" للإضاءة أداة تسمى "الضوّاية"، واستخدمت في عشرينيات القرن الماضي، وهي عبارة عن عبوة معدنية تصنع من المواد الأولية ومن بقايا المعادن، أو من العلب الفارغة والتي تستخدم في تعليب المواد الغذائية، أو من المواد الأخرى، حيث تعبأ بالكاز من بداية منتصفها وحتى أعلى نقطة في العبوة، وتكون من الأعلى مغطاة بغطاء معدني باستثناء ثقب صغير لمرور الفتيل القطني من خلاله، بعد ذلك يتم تصنيع فتيل من القطن حيث يبرم باليد أو بوسطة "الدوك"، والدوك أداة من الخشب تحول القطن أو الصوف أو شعر الماعز إلى خيطان بواسطة الدوران أو ما يسمى البرم».
بعد القنديل تم تطوير أداة مصنوعة من الزجاج الخالص وهي لمبة الكاز أو ما تسمى باللهجة العامية "الشوشة"، خزان الوقود فيها مصنوع من الزجاج أيضاً وتوجد في أعلاه بكرة يوضع فيها الفتيل وتشبه عمل القنديل تماماً، وفي أعلاها زجاجة مخروطية الشكل عريضة من الأسفل، وضيقة من الأعلى، وإضاءتها أكثر لأنها خالية من الحواجز المعدنية التي تمنع انتشار الضوء، وهي من صناعة مدينة "حلب"، وهي تعتبر كتحفة في البيت نظراً لمنظرها الجميل وبقيت مستخدمة لفترة طويلة، واستخدمت في "دير الزور" في الخمسينيات، ولا يمكن استخدامها عند البدو وذلك لكثرة ترحالهم، حيث إنها أداة قابلة للكسر
وتابع "العمران" بالقول: «توضع خيطان القطن أو ما يسمى الفتيل، داخل العلبة المعدنية ماراً بالثقب الموجود في الغطاء المعدني وملامساً الكاز الموجود في العلبة المعدنية، ونتيجة خاصية الامتصاص السريعة للقطن فإن السائل ينتقل عبر خلايا الفتيل إلى الأعلى متجهاً إلى القسم الهوائي منه، حيث يتم إشعال هذا الجزء من الفتيل بواسطة القداحة أو الكبريت، فيبقى مشتعلاً طالما كانت العبوة مملوءة بالوقود، وإذا كانت العبوة كبيرة يضاف الرمل إلى منتصفها تقريباً، وذلك لملء الفراغ وتقليل استهلاك الوقود، ويمكن استخدام المازوت في إشعال الضواية، وللضواية مساوئ منها إطلاق غاز ثاني اوكسيد الكربون نتيجة الاحتراق المباشر للوقود، ويمكن التخفيف من شدة هذا التلوث بأن نضعها في طرف الغرفة وبمنطقة يكون مرور الهواء فيها على شكل تيارات خفيفة تطرد الغازات إلى الخارج».
من الضوَاية إلى القنديل تابع الضوء مسيره، وهو وسيلة اكتسبت شهرة على مر السنين وأصبحت من رموز التراث، حيث إن إنارة الشوارع في أغلب الأحيان تكون على شكل هيكل القنديل، حيث أضاف بهذا الخصوص: «استخدم" القنديل في فترة الثلاثينيات، ويتكون من هيكل معدني مركب بداخله زجاجة بيضوية الشكل، مفتوحة من الأعلى والأسفل، وفي الزجاجة من الداخل توجد بكرة يلف عليها فتيل من القطن، وأسفل البكرة يوجد عبوة الوقود، ويمكن أن يكون الوقود المستخدم المازوت ولكن يفضل الكاز لأن احتراقه أفضل ولا يؤثر على الصحة، حيث يتم لف الفتيل على البكرة ويبقى طرفها السفلي داخل الوقود والذي يمتصه بسرعة ويرتفع للأعلى، حيث ترفع الزجاجة بشكل مائل ويشعل طرف الفتيل العلوي، ومن ثم تغلق الزجاجة إلى مكانها بحيث لا تسمح للهواء بالمرور إلا عن طريق الفتحات الجانبية التي تساعد على الاحتراق، وكلما تم تحريك الفتيل إلى الأعلى ازداد الاشتعال وزادت الإضاءة، ويمكن حمل القنديل والمسير به داخل البيت وخارجه ويمكن تعليقه في أماكن مختلفة، وإضاءته أقوى من الضواية، وبقي مستخدماً في وقتنا هذا ولكن على نطاق ضيق جداً نظراً لاستخدام البدو المولدات الكهربائية وبطاريات الجرارات والسيارات، وأيضا له مساوئ وهي انبعاث الدخان الناتج من الاحتراق ولكنه أخف قليلاً مما هو عليه في الضواية، نتيجة تلامسه مع القمع المعدني الموجود في أعلى الزجاجة والذي يمتص قسماً منه، وله مكان من الأعلى يمكن أن يعلق بواسطته على الجدران، أو على أعمدة بيت الشعر، وهو من صنع مدينة "حلب"، ومازال معروضاً للبيع في السوق المقبي "بدير الزور" ولكن الإقبال على شرائه قليل، ونظراً لما له من أهمية بالغة حيث كان رمزاً للنور الساطع، وكان يرمز للمرأة الجميلة ويقال وجهها يضوي مثل"القنديل"».
ويبدو أن هذا الضوء يحب التنقل والترحال، فحل ضيفاً على حوجلة زجاجية، رائعة المنظر، برّاقة من كافة جوانبها، تسمى"لمبة الكاز"، وتابع حديثه عنها بالقول: «بعد القنديل تم تطوير أداة مصنوعة من الزجاج الخالص وهي لمبة الكاز أو ما تسمى باللهجة العامية "الشوشة"، خزان الوقود فيها مصنوع من الزجاج أيضاً وتوجد في أعلاه بكرة يوضع فيها الفتيل وتشبه عمل القنديل تماماً، وفي أعلاها زجاجة مخروطية الشكل عريضة من الأسفل، وضيقة من الأعلى، وإضاءتها أكثر لأنها خالية من الحواجز المعدنية التي تمنع انتشار الضوء، وهي من صناعة مدينة "حلب"، وهي تعتبر كتحفة في البيت نظراً لمنظرها الجميل وبقيت مستخدمة لفترة طويلة، واستخدمت في "دير الزور" في الخمسينيات، ولا يمكن استخدامها عند البدو وذلك لكثرة ترحالهم، حيث إنها أداة قابلة للكسر».
وخلال رحلته الطويلة والتي قضاها متنقلاً بين تلك الأدوات، اكتشف شيئاً مهماً لم يكن يخطر ببال أحد، أنه كلما اختار مكاناً جديداً ازداد قوةً وبياضاً، وأراح عيون الناس المجتمعين من حوله، لذلك حلّ به المطاف إلى أداة أكثر تطوراً وأصبح فيها أكثر صفاءً، حدثنا عنها الأستاذ "أمين العكلة" من أهالي قرية "الطوب"، حيث قال: «استخدم جهاز آخر في الإضاءة وهو"اللوكس"، وقلنا جهاز لأنه يعمل على مبدأ ضخ الوقود إلى مكان الاشتعال بواسطة مضخة، وهو عبارة عن هيكل معدني كبير الحجم، ويتوسطه زجاجة اسطوانية الشكل، وفي الأسفل خزان للوقود، مركب بداخله مضخة وفي طرفه ساعة لمراقبة الضغط، وينتقل الوقود من الخزان إلى مكان الاحتراق بواسطة أنبوب، وفي نهاية الأنبوب توجد قطعة قماشية تسمى بلهجتنا "جراب" حيث يتم إشعالها، وله خزان صغير يعبأ بالكحول الأزرق، والذي يشعل به أولاً ومن ثم يتم التحول بعد الاشتعال إلى مادة "الكاز"، وضوء هذا الجهاز أبيض اللون صاف ومريح للنظر خلافاً للضواية والقنديل والشوشة».
وعن فترة استخدامه تابع قائلاً: «بدأ استخدامه في الستينيات وانتشر بكثرة في السبعينيات، وهو من صنع الصين، وبدأ يستخدم حتى استعمال الطاقة الكهربائية، والتي انتشرت بعد تركيب المحطة الكهرومائية على سد الفرات عام 1977 وبدأت الكهرباء تصل المدن والقرى تباعاً، وحالياً لا يوجد بيت أو تجمع سكني في المدن أو القرى أو البادية إلا واستخدم الطاقة الكهربائية، واستخدمت اللمبات الكهربائية في الإنارة، ونورت المنازل والشوارع والساحات وملاعب كرة القدم، حيث إنك حين تنظر إلى التجمعات السكنية وهي منارة ليلاً تحسبها نجوما على الأرض، والأدوات التي استخدمت في الإضاءة أصبحت من التراث، فيتم عرضها في المعارض مع الأدوات التراثية، حيث أقيم في الصيف الماضي معرض للتراث في قرية "موحسن" وكان من ضمن الأدوات المعروضة، وسائل الإضاءة القديمة».
الحاج "أحمد البصري" من قرية "الزر" قال: «كانت وسائل الإضاءة من أهم الأدوات الموجودة داخل البيت، حيث كان لها الأثر الكبير في تطور الحياة المعيشية، وذلك باستغلال فترات الليل في اجتماع الأهل والأقارب، حيث إنهم يعملون نهاراً في حقولهم أو أماكن عملهم، ولا يتم التواصل مع بعضهم والتسلية وحل أغلب مشاكلهم إلا ليلاً، فيسمون هذه الفترة بـ"التعليلة"، فيترجمون ما يجري معهم في النهار إلى أشعار وقصائد وأغاني شعبية، مازالت في ذاكرة أبناء الفرات وأصبحت من الفلكلور الذي تحييه فرق التراث الشعبي باستمرار، وساهمت تلك الأدوات في تأمين الجو المناسب لطلاب المدارس لمتابعة دروسهم وحل وظائفهم ومتابعة تحصيلهم الدراسي».