بين الرومانسية الشعرية، وهدوء التلقي الثقافي، ضمن قاعةٍ صدى جدرانها يردد إعجاب حضور بلغة الصمت المبهرة، والتأمل المنشود في ما وراء الكلمة الشعرية، التي صدح بها الشاعران "ماجد مرشد، وإبراهيم سلامة"، بتنوع قصائد كلاسيكية وحديثة، متخذين حفظ الأدب وتراثه كحكم قيمة، في المركز الثقافي العربي "باليرموك".

«ما زال الشعر هو ديوان العرب، واللغة التي يتحكم بها الشاعر في نفوس وأحاسيس المستمعين بتعابيره وإيقاعاته ووقعه، خاصة أننا ابتعدنا عن شعرنا والاستماع إليه في غمرة الشاشات المزدحمة، وهذا يتطلب الحداثة ومواكبتها فيه»، ذلك ما عبر عنه الناقد، الدكتور "ماجد أبو ماضي" لموقع eSyria وأضاف بقوله: «في هذه الأمسية استمعنا إلى باقة من القصائد الجميلة حمل كل منها حدثا وهدفا وغاية وصورة، وما قدمه الأخوان الشاعران: "ماجد مرشد"، و"إبراهيم سلامة" هو تعبير عن عمق تمكنهما من اللغة والصور والإيقاعات، خاصة في مجال الوصف والتصوير، والانزياح الدلالي، إذ اختارا عناوين متميزة وكانت موحية لموضوع القصيدة ومضمونها، وهذا ما نادى به الناقد "رولان بارت" عندما قال: "يجب أن يكون العنوان موحياً لمضمون القصيدة"، لأن العنوان هو العتبة الأولى للنص، فإما أن يجذب القارئ، وإما أن يجعل هؤلاء يديرون ظهورهم إلى القصيدة ولا يلوون بأي شيء فيها».

ما زال الشعر هو ديوان العرب، واللغة التي يتحكم بها الشاعر في نفوس وأحاسيس المستمعين بتعابيره وإيقاعاته ووقعه، خاصة أننا ابتعدنا عن شعرنا والاستماع إليه في غمرة الشاشات المزدحمة، وهذا يتطلب الحداثة ومواكبتها فيه

وتابع الناقد الدكتور "ماجد أبو ماضي" بالقول: «وما يميز الأمسية أن الشاعران اختارا موضوعات حياتية وخلق لغة في اللغة من خلال تحويل هذه الموضوعات المألوفة إلى لغة غير مألوفة أثرت في المتلقي وهزت كيانه، وهذا هو الميزان الشعري للشعر فإذا هز داخلنا يكون الشاعر قد أفلح في إيصال مشاعره إلى المتلقي، وإذا لم يفعل نحكم بأنه أخفق في التأثير بالسامعين والمتلقين من خلال الثوب الشعري الذي لم يستطع أن يحرك أي شيء في داخل السامع، ولا أخفي ظاهرة التناص الموجودة ضمن القصائد فقد كان متنوعاً وهو يدل على ثقافة الشاعر وحسن توظيفه للمعنى ضمن الهدف الذي يريد أن يوصله للمتلقي من خلال هذا المعنى الجديد الذي استخدمه في العبارة التناصية أو تلك، وقد نجح الشاعران في كل ذلك».

الشاعر ابراهيم سلامة

قصيدة التفعيلة تأخذ دورها في الساحة الثقافية، ربما لأنها وليدة أزمة العصر، وبالتالي يمكن أن تحمل مواقف اجتماعية وفكرية وثقافية، ولكل شاعر أسلوبه وخاصيته في الوصول لهدفه، وتابع الشاعر "محمد خالد الشاكر" بالقول: «ما قدمه الشاعر "ماجد مرشد" في الأمسية يبحر عبر القصيدة العربية الجديدة بشقها التفعيلي، محاولاً الوصول على قصيدة تعبر عنه، وهو قد يكون موفقاً في ذلك إذا استطاع الخروج من معطف غيره، راسماً خصوصيته الشعرية، أما الشاعر "إبراهيم سلامة" فهو يمتلك أدوات القصيدة العربية الحديثة، من خلال قدرته على توظيف ايديولوجيا الواقع الذي عايشه في أيديولوجيا النص الشعري، واضعاً الخطوط الرئيسية لقصيدته، من خلال قدرته على توظيف الانزياح الشعري، والتكثيف والإيحاء، والرمز، كأحد خصوصيات القصيدة الحديثة».

«لعل سؤال الحداثة في الشعر يبقى اللغز في أمسياتنا الشعرية وما قدم من الشاعرين "ماجد مرشد وإبراهيم سلامة" هو جزء من أسئلة تراود كل مهتم وناقد في مجال الشعر، فهما طرحا صور ودلالات وانزياحات وتناصات ثقافية تدل على عمق ثقافتهما»، والكلام للقاص "أحمد جميل الحسن" الذي تابع بالقول: «إن الشعر في حداثته يطرح مجموعة من الأسئلة، يظل سؤال الحداثة سؤالا غامضا وباعثا على الكثير من الريبة والقلق، ليس لأنه سؤال في الوجود، أو سؤال في المعنى أو سؤال في الزمن، بقدر ما انه السؤال المفارق الذي يقودنا إلى سلسلة من الأسئلة، مثلما يضعنا إزاء سلسة طويلة من مهيمنات الأثر الذي ورثناه واستعملنا أسحلته وشفراته وإشاعته، على وهم أن هذا الأثر يختصر تاريخنا المتاح والمباح والحافل بمدونات نقلنا وأسئلتنا الأولى، تلك التي تورط بها العقل الشعري في مغامراته المبكرة، وأنتج من خلال صدماتها الأسئلة التي انحنت على توهم المفارقة والاختلاف في النظر إلى الأشياء والى صناعة المغاير».

محمد خالد الشاكر

القصيدة تكتب بلحظات ولها اعتبارات إذ بين الشاعر "إبراهيم سلامة" بالقول: «إن القصيدة التي اكتبها تكون وليدة اللحظة لذا تراها مشبعة بالموسيقا والغنائية، ومحملة بالعواطف وخفقات الإحساس، ولهذا أكتبها ولا أعيدها كما في القصيدة التي أتوجه بها على قريتي "أم الزينات" حين أقول فيها: "يشعل قلبي حزني، ويبرق الكون، وبين وميض البرق وصوت الرعد أنت، يتأبط قلبي شوقي وتنزف السماء، وبين الجرح والنزف أنت"».

وهناك من الشعراء من يقرض الشعر أو الشعر يقرضه، فهو لم يدّع أنه شاعر لكن يعبر به عما يشاء، على حد قول الشاعر "ماجد مرشد" الذي تابع بقوله: «لا أدّعي أنني شاعر، ولكنني أقرض الشعر، ولست ادري إذا كنت اقرضه أم يقرضني، لذلك عندما أكتب القصيدة أدخل في متخيل ذاتي وأعيش ذاتي وأرحل عن ذاتي كما في قصيدتي "حلم سفر" الذي أقول فيها: "أمسافرُ خطوي يلاحقني، أم راحل روحي تسابقني، أمشي وأمشي، ثم أمشي في بلاد ضيعت أحلامها عمري، ضيعت ما جئت الحياة لأجله، وختمت هذا الدرب يسرقني، فيسحقني، "وأسلمني الرحيل إلى الرحيل، والأرض أصغر من مرور الرمح في خصر نحيل"».

احمد جميل الحسن