هنالك موسيقى تخاطب قلبك فتشعرك بالنشوة، وموسيقى تخاطب عقلك فتجبرك على الاسترخاء، وموسيقى تخاطب جسدك بأكمله فلا تستطيع إلا أن تتمايل وفق إيقاعها .
وهذا الإيقاع الذي يخاطب الجسد شاع في منطقة وادي الفرات ريفاً ومدينة ليحرك الناس في الحزن والفرح معاً فتجده في رقص "المعادة" الذي كان يجري في المآتم ويتم باستخدام الدف والرقص بالسيف، وتجده الرقص الحربي الذي يشيع لإثارة الحماس، وتجده أيضاً بصورة أكثر وضوحاً في "الدبكة الشعبية" تلك الرقصة المنتشرة في محافظة "دير الزور" كجزء من تراثها.
تراجعت "الدبكة" بشكل كبير بسبب تراجع مظاهر العمل الجماعي بصورة عامة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن إقامة حفلات العرس في صالات خاصة نقل "الدبكة" من الحي ومن فناء الدار إلى صالات مغلقة واقتصر العرس في الغالب على يوم واحد أو يومين، بالإضافة إلى بحث النساء عن الخصوصية مما جعل الاختلاط يقل في الحفلات، كل هذا لا بد وأن يكون له تأثير كبير في تراجع هذا الطقس
عنها وعن تقاليدها في منطقة الفرات حدثنا الفنان "صادق فياض" المختص في الفنون الشعبية بالقول : «كانت "الدبكة" تعقد في كل المناسبات التي تتعلق بالفرح الجماعي مثل ليلة "الحنة" والعرس ومواسم الحصاد والأعياد وأحياناً عند سقوط المطر، وذلك بإنشاء حلقة غير مكتملة تتشابك فيها الأيدي، وتحريك الأجساد وفق نوع "الدبكة" والإيقاع المتفق عليه.
أما عناصر "الدبكة" الرئيسية فهي أولاً "رأس الدبكة" ويجب أن يكون فتاةً أو شاباً يتقن "الدبكة" ويكون على يساره حلقة "الدبكة" وفي يمينه يمسك منديلاً مطرزاً معقوداً من المنتصف أو مسبحة أو سيفاً.
كما لا تخلو "الدبكة من "الزامر" وهو الرجل الذي يعزف على "المزمار" أو "الشاخولة" ورجل آخر يحمل طبلاً يقرع عليه، وتتم "الدبكة" في ساحة المنزل ويكون رأس "الدبكة" بدايةً في طرف "الدبكة" حتى إذا بلغ الحماس مبلغه توسط "الدبكة" وراح يرقص منفرداً مما يثير حماس الراقصين وكلما اشتد الحماس يقال "خنت" أي اشتدت ثم يعود الرأس إلى طرف الحلقة المفتوحة وهكذا لعدة مرات».
وعن أنواع "الدبكة" في المنطقة وتقاليدها في المدينة أضاف : «"للدبكة" أشكال عديدة منها "جرن ومعضد" وقوصار" و"الولدة" والجوبية" أما غاؤها فهو الغناء الشعبي بكل أشكاله وله عدة أنواع منها "هلابا"و "كل الهلا بالغالي" وعالسية" و"دلعونة" و"عيادة وياده وياده".
ومن تقاليد "الدبكة" لتي اختفت نهائياً أن "الزامر" كان يركع على رجله اليسرى أمام أحد المشاركين في "الدبكة" حتى يخرج الأخير قطعة نقود يبلها بريقه ويلصقها على جبين "الزامر"، أو أن "الطبال" "يشوبش" ذاكراً اسم أحدهم فيعطيه مبلغاً من المال».
وعن تقاليد "الدبكة" في الريف التقينا الباحث "غسان شاكر" الذي أفادنا بالقول: «الفئات التي تميل إلى "الدبكة" غالباً هي فئات الشباب وهي منتشرة في الريف والمدينة إلا إن حياة المشقة والتعب في الريف كانت تجعل الناس يحاولون استغلال أي مناسبة للفرح بالإضافة إلى بساطة أهل الريف وبالتالي تعقد "الدبكات" بصورة أكبر لديهم ففي العرس مثلاً يتم الاحتفال 7 أيام على الأقل ومعنى ذلك استمرار "الدبكة" أيضاً لسبعة أيام فالفرح الجماعي في الريف معناه الولائم من جهة و"الدبكة" من جهة أخرى، و"الدبكة" في الريف لها ذات العناصر" لدبكة" المدينة وهي ما تزال تمارس بشكل مختلط فلا معنى "للدبكة" بفصل الجنسين فطابع العمل الجماعي والحياة الجماعية يزيل حاجز الاختلاط نوعاً ما ويجعله في مناسبات من هذا النوع أمراً طبيعياً»
وعن تراجع "الدبكة" حدثنا الفنان "محمد جراد" بالقول : «تراجعت "الدبكة" بشكل كبير بسبب تراجع مظاهر العمل الجماعي بصورة عامة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن إقامة حفلات العرس في صالات خاصة نقل "الدبكة" من الحي ومن فناء الدار إلى صالات مغلقة واقتصر العرس في الغالب على يوم واحد أو يومين، بالإضافة إلى بحث النساء عن الخصوصية مما جعل الاختلاط يقل في الحفلات، كل هذا لا بد وأن يكون له تأثير كبير في تراجع هذا الطقس».