«إلى الوردِ يُرسلُ عطره تشفي أرواحنا.... إلى الموج يوصلُ مركباً تائهاً إلى شاطئٍ آمن، إلى الحب يرُفُّ بين ضلوعنا فيروي أجزاءنا بالنقاء... مع احترامي "عبير حبيب"». بهذه الكلمات المعطرة بالحب والإنسانية أعلنت الشاعرة "عبير حبيب" إهداء ديوانها الجديد "قطوف من الأيام" إلى "الورد، والموج، والحب".

جاء ذلك خلال حفل التوقيع الذي أقامته الشاعرة في نادي "أوغاريت الثقافي" ودعت إليه كبار الشعراء والأدباء في محافظة "اللاذقية" لكي يشاركوها فرحتها بإصدار الديوان ويقدموا رؤيتهم حول قصائده من جهة ولكي يطرح من أراد دراسته النقدية ورأيه الشخصي بهذا الديوان من جهة أخرى.

الأدب مرآة للمجتمع إذا كان أدباً حقيقياً لذا أتمنى أن يكون شعري حقيقياً وأن أكون ضمن موكب الشعراء وأن يلقى الشعر حقه من النقد

موقع eLatakia حضر حفل التوقيع ودخل إلى أعماق هذا الديوان وبحث في مكوناته مع صاحبته بعد أن استمع إلى آراء الشعراء والمثقفين ممن حضروا الحفل وقرؤوا الديوان قبل حضورهم والبداية كانت مع ضيف سورية القادم من بلاد الرافدين الشاعر "ياسين حسين" الذي أبدى إعجابه الشديد بدواوين "عبير" وخص ديوانها الأخير الذي هو محور حديثنا ببعض الكلمات حيث قال فيها: «ديوان "قطوف من الأيام" عمل أخذ من عنوانه الكثير، قطفت فيه الشاعرة ثمار تجاربها فصنعت لنفسها تاريخها من خلال الأعمال المتتالية التي قدمتها (قطرات الروح، فضاءات، قطوف من الأيام)، لقد رسمت في دواوينها عموماً وديوانها "قطوف من الأيام" صورةً شعرية ساحرة ووصلت بالحروف إلى ما هو أبعد من لفظها بكثير فتخطت بذلك مسافات الحقيقة ووصلت إلى الخيال المقدس محافظةً على الصفات الإنسانية فالإنسان لا يكتشف إلا ما يشابهه هذه قناعةٌ لدى الشاعرة "عبير حبيب" بدت واضحةً في ديوانها الأخير من خلال رفعها لحجب الألفاظ لتصل الصفات الإنسانية باحترام وتقدير شديدين».

الشاعرة عبير حبيب

يتفق معظم الشعراء الذين صادفتهم أن الشعر هو خلاصة حياة كل فرد في هذا المجتمع يكتبه ويقرؤه، فسألت الشاعرة "حبيب" هل شعرك هو خلاصة حياتك؟ فأجابت بهدوئها: «نعم الشعر هو خلاصة حياتي كفرد من هذا المجتمع وكل قصيدة في ديواني كتبتها باحتراق ومعاناة لأنني إنسانة تحيا في هذا المجتمع تعاني معاناة الناس وتفرح لفرح الناس».

القصائد التي يضمها الديوان فيها تنويع ببحور الشعر وتفعيلات مختلفة بين القصيدة والأخرى وهذا التنوع بحسب ما حدثتنا به "حبيب": «مرتبط بحالة معيشة وليس مخطط لها مسبقاً ومجريات الحياة هي التي ولَّدت كل قصيدة، فأنا في قصائدي السبع والعشرين الموجودة في الديوان أركز كثيراً على الناحية الاجتماعية التي تعتبر محور معظم قصائدي وهذا ما يمكن للقارئ أن يلحظه بمجرد قراءته لقصيدة "خميلة" أو قصيدة "استغاثة إلى أمي الأرض وأبي الغمام" وهي قصيدة من تفعيلة "الرمل" التي تعتبر نمطاً غنائياً، ناهيك عن قصيدة "يا أستاذي" التي تتحدث عن دور المعلم وأهميته».

عبير تلقي قصيدة بمناسبة إصدار ديوانها

تستخدم "حبيب" في ديوانها ألفاظاً جزلة قوية وتسعى لتكون هذه الألفاظ رنانةً لدى عقل القارئ ومفهومةً من قبل أكبر عدد ممكن من القراء، وعن سبب تسميتها للديوان بهذا الاسم "قطوف من الأيام" فقد قالت: «هذه القصائد عبارة عن أحداث نتجت عنها مشاعر ترجمت إلى قصائد جمعها الديوان وهو مجموعة أحداث وحالات عاطفية وإنسانية ورؤى للطبيعة، والعنوان هو قطوف من هذه المشاعر التي ترافقني في كل أمسية أحييها أو قصيدة ألقيها لدرجة أن قصائدي كلها ممهورة بدموعي التي لا أستطيع إخفاءها عن جمهوري خلال الأماسي التي أشارك بها».

وتضيف: «الأدب مرآة للمجتمع إذا كان أدباً حقيقياً لذا أتمنى أن يكون شعري حقيقياً وأن أكون ضمن موكب الشعراء وأن يلقى الشعر حقه من النقد».

جمهور من الشعراء يستمع لقصائد عبير

وبالعودة إلى البداية التي تحدثت بها عن الإهداء نجد أنه لقي صدىً جيداً لدى القراء والشعراء فيقول الشاعر "يحيى زكريا": «إن إهداء الديوان إلى الورد وإلى الموج الذي يحاول عتق نفسه من البحر وإلى الحب الذي هو الله يدل على رؤيا بعيدة وحسٍ إنساني رفيع المستوى لدى "عبير" وهذا ما أثبتت صحته في أولى قصائدها التي خاطبت بها الشام "قلعة الأمة وسيفها الشامخ في زمن السيوف المغمدة" قائلةً:(يا شام يا أرض الضحى أنت القدر/ إن طل ضوءٌ للندى منك انتثرْ/ يا نجمة الحب العتي كما الوفا/ إنسانك الإنسان للعشق انفطر)».

أما العنوان فقد كان محط إعجاب لدى الشاعر "خالد خبازة" حيث قال: «لقد أعجبني العنوان كثيراً فتحمست لقراءة الديوان لأعجب فيما بعد بما بين السطور وما خلف الكلمات حيث إن "عبير عبّرتْ فعَبَرت" لقد عبرت تضاريس الأدب وبحور القوافي وعبّرت عن مكنونات ذاتها ووجدانها وأحاسيسها فصدقت في شعرها وتعابيرها وأحاسيسها مرتويةً من سلسبيل المعاني، كما استخدمت المحسنات البديعية بإتقان وسكبت أشواقها في مفردات أبياتها».

فيما يقول سماحة الشيخ "غسان معروف": «لقد دعت من خلال ديوانها إلى التواصل والحوار مع الآخر فكان شعرها صرخةً ونداءً ودعوةً إنسانية، كما أنها استطاعت أن تعود بشعرها إلى ما تحمله النفس الإنسانية في طياتها».

من الجدير بالذكر أن الشاعرة "عبير حبيب" بدأت الكتابة في سن الثانية عشرة ونشر لها العديد من القصائد في مجلة "جيش الشعب" وفي مجلة الثقافة الأسبوعية، وهي تضع بين يدي قرائها ثالث دواوينها الشعرية بعد أن تزوجت وأنجبت خمسة أبناء يساعدونها في استلهام أفضل الألفاظ والتراكيب والقصائد الشعرية.

قبل الختام إليكم بعض الأبيات من قصيدة "شاعر فَخِرَ بما مَلكَ فأجبتهُ" وهي من ديوانها الأخير:

إني لشاعرةٌ وقلبي مورقُ/ بين الحنايا مشرق يتألقُ

والزهر في الأنفاق أسكره الغوى/ والخمر في الأيك البهي معتقُ..