رجل على درجة عالية من المعرفة والثقافة والتواضع، عندما تجلس معه يأخذك إلى عوالم تبعد عنك زمنياً مئات بل آلاف السنين ويتحدث عن حياة الناس فيها بكل تفاصيلها وكأنه يعيش بينهم. يتكلم عن مواطني "إيبلا وملوك "ماري" ورُقم الآشوريين وكأنّهم من أعز أصدقائه يعرفهم ويعرفونه...
خلال حياته المهنية كشف العديد من الرقم المسمارية وقرأها ونشرها، إنه الباحث السوري الدكتور "حميدو حمادة" الذي أدخله مؤرخ حلب "عامر رشيد مبيض" في كتابه الموسوعي الشهير /مئة أوائل من "حلب"/.
الدكتور "حميدو حمادة" من أبرز الشخصيات الفكرية في مدينة "حلب" وعموم سورية، وسلوكه وتواضعه هو سلوك رجل عالم ويكفيه ويكفي بلدنا فخراً بأنه من أوائل الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه باللغات المسمارية التي نفتقدها في "سورية"
موقع eAleppo التقى الدكتور "حميدو حمادة" الذي أعطانا في البداية لمحة عن حياته الشخصية والعلمية قائلاً: «أنا من مواليد قرية "بلليرمون" الواقعة بالقرب من مدينة "حلب" وأصبحت اليوم ضاحية من ضواحيها، من مواليد 1953 أحمل إجازة في اللغة العربية من "جامعة حلب" منذ العام 1976 وحصلت على الماجستير في العام 1983 وموضوع الأطروحة كان لهجة "ماري" في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد وحصلت على شهادة الدكتوراه في اللغات القديمة- المسمارية منذ العام 2005 وموضوعها كان حول نصوص "إيمار"/ حالياً مدينة "مسكنة"/ وهي أول شهادة دكتوراه في اللغات المسمارية القديمة يحصل عليها مواطن سوري».
وعن بداياته العمليه تحدث بالقول: «بين عامي 1978-1982 عملت مدرساً للغة العربية ثم أميناً لمتحف الآثار السورية القديمة في "حلب" بين عامي 1983 -1995 وأصبحت عضواً في مجلس إدارة "جمعية العاديات" كما عملت أستاذاً محاضراً في قسم الآثار بجامعة "حلب" لمدة أربع سنوات من 2004 -2007 وكنت من مؤسسي هذا القسم في "جامعة حلب"».
وحول عمله في البعثات التنقيبية في مختلف المواقع السورية قال: «لقد ترأست خلال حياتي العديد من البعثات الأثرية السورية العاملة في مناطق مختلفة من سورية، فبين عامي 1987 -1994 ترأست البعثة الأثرية في "تل العبر" و"تل القملق" في "حوض تشرين" وبين 1994 -1996 في "تل البيدر" الواقع في الجزيرة السورية وخلال عامي 1994 -1995 عملت مرمّماً في "تل عين دارا" في "وادي عفرين" وكنت المدير العلمي لتنقيبات "تل حلف" في منطقة "رأس العين"- "الحسكة" في العام 2008 كما شاركت في أعمال أثرية طارئة مثل المساهمة في كشف معبد "قلعة حلب" في العام 1994، وشاركت أيضاً في ترميم عدد من المعالم الأثرية في "حلب" مثل "دار الإفتاء" و"جامع الطرسوسي" وبعض الدور القديمة».
وأضاف الدكتور "حميدو" متحدثاً حول أهم أعماله: «نشرت عدة كتب باللغة الانكليزية ثلاثة مجلدات حول الأختام الاسطوانية والمسطحة في سورية وقد نُشرت في "أكسفورد" خلال أعوام 1987 -1989 -1997، ونشرت نصوص "شاغر بازار"- مجموعة "متحف حلب"، وأنجزت بحثاً حول لهجة مدينة "ماري" الباكرة 2100 قبل الميلاد، وأنجزت بحثاً حول النصوص الدينية في "إيمار" /"مسكنة" حالياً/ وهو من أهم أبحاثي التي عملت عليها وذلك لإلقاء الضوء على الديانات السورية القديمة وكان البحث هو موضوع الدكتوراه الذي تم مناقشته في "جامعة حلب" بحضور لجنة دولية مؤلفة من كبار الشخصيات العلمية في أوروبا، ونشرت كتاباً حول عصر العبيد في سورية في "بروكسل"- بلجيكا، وعملت على نشر نصوص "إيبلا" وقراءتها بالعربية مستعيناً بالدراسات التي صدرت عن اللجنة الدولية لقراءة نصوص "إيبلا".
ومن أعمالي الأخرى وضع موجز لكتاب /الكامل في التاريخ/ لـ"ابن الأثير" ونشرته في مجلد واحد بعد أن كان يتألف من أحد عشر مجلداً، حالياً أنا متفرغ للثقافة الإسلامية ومهتم بثقافة "هيروبوليس" "منبج" وبتاريخ البدو وعلاقتهم بالمستقرين من خلال الوثائق العثمانية.
كما أعمل في التأليف ولدي حالياً قيد النشر كتاب حول العقيليين وحصونهم في بلاد الشام وكتاب حول الحوليات الملكية الآشورية في ثلاثة مجلدات من خلال ترجمة كل نقوش ملوك "آشور" منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وحتى القرن الثامن قبل الميلاد، كما أقوم بحضور مؤتمرات دولية بشكل دوري حول اللغات القديمة والنشر في المجلات الأثرية المتخصصة».
وحول النقوش المسمارية المكتشفة في مدينة "حلب" قال: «اُكتشف في "حلب" نقش مسماري في القلعة عثر عليه الفرنسي "بلواديروترو" ولم ينشره وقمت بنشره في العام 1994 خلال ندوة "حلب" وطريق الحرير ويعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد ومنقوش على حجر بازلتي كانت تقدمة لمعبد "حدد" في "حلب" ذُكر فيه اسم آلهة فراتية، وفي جدران "جامع قيقان" يوجد نقش "تلبينو" كاهن إله "حلب" "حدد" وقد نشر ضمن النقوش الهيروغليفية- الحثية.
أما الرُقم الطينية فلم يُعثر عليها في المدينة ذاتها إنما أخذنا أخبار "حلب" من نصوص "ماري" و"آلالاخ" /في "وادي العمق"/».
كما التقينا الطالب "جيكر محمد" ليحدثنا عن شخصية الدكتور "حميدو حمادة" بالقول: «الدكتور "حميدو حمادة" من أبرز الشخصيات الفكرية في مدينة "حلب" وعموم سورية، وسلوكه وتواضعه هو سلوك رجل عالم ويكفيه ويكفي بلدنا فخراً بأنه من أوائل الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه باللغات المسمارية التي نفتقدها في "سورية"».
وأضاف بالقول: «لقد تعرفت عليه لأول مرة خلال إلقائه محاضرة في "جمعية العاديات" في "حلب" وذلك ضمن فعاليات "حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية، إنّه يتمتع بقدرة كبيرة على قراءة النصوص القديمة وترجمتها، ثم تعرفت عليه أكثر فعرفت بأنّ له مساهمات كبيرة في التنقيبات الأثرية في مختلف المواقع السورية من خلال كشف وقراءة وترجمة النصوص المسمارية وبالتالي كتابة تاريخنا بنفسٍ عربي وبروح عربية».
أما زميله الطالب "محمود أحمد بحري" فقد قال: «بلدنا يحتاج إلى أمثال الدكتور "حميدو" الذين يتركون بصمات كبيرة في الحياة الفكرية والعلمية للأجيال من خلال أعمالهم الفاعلة في البحث والتقصي والوصول إلى كتابة عربية سورية لتاريخنا وعدم تركها بأيادي الأجانب، فما دامت "ماري" و"ايبلا" وغيرهما من الممالك القديمة تشكل جزءاً أساسياً من تاريخ بلدنا فلماذا لا يكون بيننا من يفك شيفرة الرُقم والنقوش والمدوّنات التي تركوها لنا؟ من هنا تكمن أهمية وجود الدكتور "حميدو" بيننا وضرورته الملحّة في حياتنا».