تأخذ قصيدة التفعيلة اهتمام الباحثين والنقاد، في بنيتها الدلالية وإيقاعاتها الدرامية، السردية والمركبة، ومدى علاقتها في الساحة الثقافية السورية وقياس درجاتها وفقاً لبعض الأجناس الشعرية، والتي ولدت من رحم القصيدة الغنائية بدءاً من اللحظة التنويرية في أواخر القرن التاسع عشر.

ومن محبي القصيدة التفعيلة المحامي "عثمان العيسمي" الذي تحدث لموقع eSwueda عبر الهاتف قائلاً: «أعتقد أن قصيدة التفعيلة جاءت في زمن احتاجت فيه الثقافة العربية تجديد ما لديها من أنماط الشعر الكلاسيكي العمودي، ولأنها قصيدة تحمل الدلالة والرمز في مفرداتها فقد أثبتت جدارتها، وهي الآن تحضى بحضور في حياتنا الثقافية، وعلى منابرنا أيضاً، وجيل الشباب من عشاق هذا النمط الإبداعي من الشعر، وخاصة قصائد الشاعر" نزار قباني"، وقد أكون احد الناس الذين يرتادون الأمسيات الشعرية لسماع قصيدة التفعيلة، لما لها من وقع في النفوس، لأنها تحتاج إلى تأمل بمعانيها وكلماتها، وإيقاعاتها، وهذا ما كان واضحاً في القصائد التي قدمت ضمن فعاليات مهرجان "أصداء الجبل" مؤخراً في السويداء».

بلا شك ما قدمه الناقد الدكتور "خليل الموسى" في دراسته النقدية ضمن فعاليات مهرجان أصداء الجبل نظرة علمية في قصيدة التفعيلية في سورية عامة والسويداء خاصة، عمل يستحق الوقوف عنده، لأنه عمد إلى تطبيق مجموعة من الشواهد لأعمال شعراء، لهم في ميدان قصيدة التفعيلة جزء كبير في تنمية المشهد الشعري، وأوضح في سياق دراسته الإيقاعات الدرامية التي تتميز بها القصيدة التفعيلية بوصفها نمطاً من أنماط الحداثة، والمعاصرة، والأقرب حالياً على الجمهور المتذوق لها، بما تحمله من معاني ودلالات رمزية وأنزياحات لغوية

وحول بداية شعر التفعيلة في سورية أوضح الشاعر "جودي العربيد" عضو اتحاد الكتاب العرب: «ولدت قصيدة التفعيلة بعد عام 1948 على أيدي الشعراء "نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي" لتجد طريقها معبداً في المشهد الثقافي السوري مع الشعراء "نزار قباني، وكمال فوزي الشرابي، وشوقي بغدادي"، وفي السويداء الشعراء "فؤاد كحل، وفرحان الخطيب، وثائر زين الدين"، ودراسة شعر التفعيلة تأخذ مناح عديدة لكن أكثر ما يجعله موفقاً ومقبولاً عند الجمهور الإيقاع الدرامي الذي يتميز به، فهذا النوع من الشعر ولد من القصيدة الغنائية، عندما كان التنوير يأخذ طريقه في أواخر القرن التاسع عشر، والحداثة ليست شكلية كما ذهبت إلى ذلك نازك الملائكة أو سواها، وليست الحداثة في البنية السطحية، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير.. الحداثة في العمق.. في التوتر الدرامي في بنية القصيدة، ومن هنا قد تكون قصيدة الشطرين أحياناً أقرب إلى الحداثة من قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر لانفتاح بنيتها على المتعدّد والمختلف وصلاحيتها للتأويل اللانهائي، كما ذهب إلى ذلك أصحاب اتجاهات التأويل في حركة ما بعد الحداثة في نظريات التناص، والتفكيك والتأويل، بدءاً من "بارت وجان كوهين إلى أمبرتو إيكو وجاك ديريدا وميشال فوكو والبنيوي والأنتروبولوجي كلود ليفي ستراوس".

د. خليل الموسى

أما الجمهور اليوم فمازال يميل نحو القصيدة الشطرين، مع أنه يبذل جهداً في إدراكه للقصيدة التفعيلة، ويعيش أوزانها وإيقاعاتها، فهي اقرب حالياً للحداثة الوجودية والمعاصرة الإنسانية».

وعن أهم أنواع إيقاعات قصيدة التفعيلة في سورية أوضح الناقد الأستاذ الدكتور "خليل الموسى" بدراسة له في مهرجان أصداء الجبل بعنوان "تجليات الإيقاع الدرامي في شعر التفعيلة في سورية"، قائلاً: «تتمثل تجليات الإيقاع الدرامي في بنية شعر التفعيلة في سورية بمجموعة من التطبيقات وهي تشكل الصوت الغنائي المفرد يمثّل هيمنة المستوى السياسي أو الاجتماعي، على المستوى الفني الجمالي، ويقف عائقاً إزاء تعدد الأصوات وتنوعها واختلافها في بنية القصيدة، في حين أن الإيقاع الدرامي يمثل باختصار شديد خلاف ذلك، والإيقاع الدرامي في بنية القصيدة السردية جنس من الشعر الغنائي منفتح على السرد، كذلك الإيقاع الدرامي في بنية القصيدة الحوارية، والتي هي جنس من الشعر الغنائي منفتح على الحوار، والحوار فيها ظاهر أو ضمني، وهي تستند إلى مرجعية تراثية بالتناص، مقطع على الحوار الظاهر من قصيدة "بغداد" "لمحمد عمران"، والحوار الضمني المتخفي بلباس التناص، كطرف يتكلم والآخر يستمع كالوصايا العشر لدى الشاعر "نزار بريك هنيدي" من السويداء، ومرجعياته الوصايا العشر "مرجع ديني" وقصيدة "لا تصالح" شعر وتراث شعبي، "ليست صورتها تلك" "لعبد القادر الحصني"، "النديم" "لعبد القادر الحصني": بين الشاعر ومولاه المريد والشيخ، وفي الإيقاع الدرامي في بنية قصيدة القناع، "الخروج على سلطة الإيقاع الغنائي بالالتفاف عليها بالقناع"، القناع وسيلة وسطية بين الشعر الغنائي والشعر الدرامي، الشاعر يتكلم بلسانه ويهمنا أن القناع هو الذي يتكلم، يمثل صوت الشاعر البنية الضمنية، في حين أن القناع الصامت يمثل البنية الظاهرة، أغاني "مهيار الدمشقي"، قرأت نصاً كاملاً لشاعر شاب لا أعرفه "تمّام تلاوي" "آخر حسرات الناصري" قرأت الإيقاع الدرامي خلال التداخلات التناصية الموفقة وغير الموفقة.

نازك الملائكة

أما الإيقاع الدرامي في بنية قصيدة الشخصية الدرامية، الشاعر هنا راوٍ والشخصية مستقلة، وهي من لحم ودم، وليست كائناً من ورق كما ذهب إلى ذلك "تودورف"، خروج الشاعر خروجاً كلياً من صوته الغنائي إلى فضاء الشعر الموضوعي، وقد حللت الإيقاع هنا من خلال مقطع بعنوان "صرخة يهوذا" للشاعر "ثائر زين الدين" من السويداء. الشاعر برأ شخصيته ممّا قام به من فعل على طريقة "السياب" في "المخبر"، "يهوذا" في القصيدة غير "يهوذا" في المرجع الديني.. وقد استند الشاعر في ذلك إلى معرفة السيد المسيح السابقة لما سوف يحدث، وخاصة في العشاء السري: ولذلك سلب المسيح من يهوذا إرادته، وكلّفه بهذه المهمة، وكأن الشاعر يدافع عن الإنساني في مواجهة ما هو ميتافيزيقي. صلة هذه الشخصية هنا بالشخصية في قصيدة "المسيح بعد الصلب" رمز لقوى الشر».

وعن دراسة الدكتور "الموسى" بين الشاعر "موفق نادر" عضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «بلا شك ما قدمه الناقد الدكتور "خليل الموسى" في دراسته النقدية ضمن فعاليات مهرجان أصداء الجبل نظرة علمية في قصيدة التفعيلية في سورية عامة والسويداء خاصة، عمل يستحق الوقوف عنده، لأنه عمد إلى تطبيق مجموعة من الشواهد لأعمال شعراء، لهم في ميدان قصيدة التفعيلة جزء كبير في تنمية المشهد الشعري، وأوضح في سياق دراسته الإيقاعات الدرامية التي تتميز بها القصيدة التفعيلية بوصفها نمطاً من أنماط الحداثة، والمعاصرة، والأقرب حالياً على الجمهور المتذوق لها، بما تحمله من معاني ودلالات رمزية وأنزياحات لغوية».

جانب من الجمهور