يعد الرسم من الفنون القديمة التي رافقت الإنسان في مراحل تاريخية مهمة قبل اكتشاف الكتابة، فالكهوف والمغاور القديمة تشهد على اللغة والكتابة التي كان يتقنها الإنسان القديم من خلال تلك الرسوم التي نقشت على جدرانها، كما أن الرسم كان ومازال لغة التعبير الأولى عند الأطفال الذين يعبرون عن رغباتهم ونفسيتهم من خلال الألوان والخطوط.
موقع "eSyria" خلال وجوده في "قصر العظم" التاريخي؛ حضر فعاليات إقامة ورشة عمل فنية للأطفال الصغار ما دون التاسعة، هذه الورشة التي هي جزء من ورش الأطفال الفنية التي اتسعت دائرتها في أحياء دمشق القديمة خلال الفترة الأخيرة من هذا العام، وذلك رغبة من المشرفين عليها بتعزيز الروح الفنية لدى الأطفال وتحفيزهم على عملية الرسم ومعرفة اختيار الألوان واستخدامها.
إنني أرسم منزلنا وفي الداخل والدي ووالدتي وهما يحضناني، أنا سعيد جداً وسأرسم دائماً بالألوان
هناك في ذلك القصر الأثري الشاهد على مفاصل مهمة من تاريخ سورية جلس الصغار يرسمون أجزاءً من جدرانه المزخرفة، فكانت ريشتهم تعبث بالأوراق وتلونها كما ترغب أصابعهم وقلوبهم، وخلال لقائنا الطفل "عدي كيك" الذي كان يرسم جدران منزله كما قال أخبرنا: «إنني أرسم منزلنا وفي الداخل والدي ووالدتي وهما يحضناني، أنا سعيد جداً وسأرسم دائماً بالألوان».
رغبة "عدي" بالتحدث معنا كانت جزءاً من روح التعاون التي انتشرت بين الأطفال، فصراخهم وعبثهم بالألون كانت محصلتها رسوم كثيرة خرجت من أفكارهم وذاتهم لتتجسد على الورق، هنا تقول الطفلة "جيجي سعيد": «إنني أحب الرسم بالألوان وتعلمت ذلك في المدرسة، وأنا سعيدة جداً لأنني أرسم مع أصدقائي "قصر العظم"، وسأرسم الآن مدرستي التي أدرس فيها».
"جيجي" كانت تستخدم في رسمها الألوان الدافئة مثل الأحمر، وهنا لكل لون دلالة، فتلك الرسوم التي ستعلّق في نهاية الورشة في مدرستهم هي مرآة لحياتهم الاجتماعية، هنا يخبرنا الفنان التشكيلي "شاهين عبدو" المشرف على ورشة العمل والذي له مشاركات عديدة في ورش الأطفال والشباب: «يعد "قصر العظم" من الأماكن الأثرية التي لها رهبة تاريخية كبيرة في "دمشق"، ورغبتنا بصحبة الأطفال إلى القصر ليرسموا لكي يتعرفوا على الأماكن الأثرية بدمشق ورسمها من خلال الألوان التي يرغبون بها، كما أننا نحاول أن نزرع روح التعاون بين هؤلاء من خلال التجمع مع بعضهم بعضاً والرسم على الورق والأقمشة، فتجربة الرسم مع الأطفال مهمة جداً، لما لأفكارهم من صدق وعفوية، حيث نلاحظ أن الطفل يعيطك أداءً مميزاً، ولا تستطيع أن ترى أعمالاً متشابهة بينهم لما لكل منهم شخصية خاصة به يحاول إسقاطها على اللوحة، هناك قاسم مشترك بين هؤلاء ستظهر في النهاية وهي المكان الذي رسموه ولكن كلاً منهم بطريقة تخصه من حيث الخطوط والألوان».
أما عن دور المؤسسات والمدارس في تعزيز هذه الثقافة بين المجتمع يقول "شاهين": «لتنمية هذه القدرات عند الأطفال يجب التركيز على المراحل الأساسية التي يمر بها الطفل والاعتناء به فنياً، فإننا نلاحظ في الفترة الأخيرة نوعاً من الجمود في أكاديمية الفنون بدمشق، هذه الأكاديمية التي يجب أن تركز على إقامة ورش عمل للأطفال والشباب أي الطلاب في الكلية المتضمنة على مساحات واسعة لإقامة مثل هذه الورش التي تحفز الشباب على تبادل الخبرات في المجال الفني، فإتاحة الفرص لمثل هؤلاء الشباب هو جزء من عملية زرع الروح الإبداعية بينهم من خلال تشجيعهم وتحفيزهم على العمل الفني».
يؤكد الباحثون في الفن أن هناك توازياً بين نمو وتطوير استخدام اللغة والرسم عند الأطفال، وأن ذلك يمر بسبع مراحل وهي مرحلة الخطوط، الشخبطة، الرسم الرمزي، الرسم الاجتماعي وبعدها يبدأ الطفل بالاهتمام بالحياة الواقعية فيهتم بالأشخاص والحيوانات والأشياء المألوفة من حوله.
وهنا يخبرنا "رامي الصباغ الحجلي" خريج قسم الحفر: «إننا هنا نشرف على هؤلاء الأطفال بتعليمهم كيفية مزج الألوان، والتعبير عن أفكارهم بالرسم وإسقاط أحاسيسهم على اللوحة، حيث هناك علاقة وثيقة بين تكوين المفهومات المستنبطة من رسومات الأطفال، وبين ذكائهم العام، فالرسم بالنسبة للطفل الصغير وسيلة للتعبير ولغة للتفاهم أكثر مما هو فن لإظهار الجمال، وهنا يقع دورنا ودور المؤسسات التعلمية والثقافية والفنية بتشجيع إقامة ورش العمل الفنية للأطفال وحتى الشباب من خريجي كلية الفنون الجميلة بدمشق، فدور الكلية نشر الثقافة والوعي الفني بين الطلاب وزرع روح التعاون بينهم، ولن يكون ذلك إلا بإقامة ورش العمل التي لها دور في تشجيع الطلاب على تطوير ذاتهم والمشاركة في ورش عمل فنية أخرى».