همست المدرّسة الجديدة في أذن الطالبة "بلسم" بعد قراءتها لموضوع الإنشاء الذي كتبتهُ قائلة: «لا تدعي الكبار يكتبون لك ِفي المرة القادمة»، كلمات أحدثت في نفس الطالبة جرحاً عميقاً ما زال يؤلمها حتى اليوم، فاضطرت لعرض بعض من كتاباتها على المدرّسة التي افترضت حينها وجود مشروع أديبة في صفها.

والطالبة "بلسم" هي اليوم الأديبة المعروفة "بلسم محمد" التي التقيناها بتاريخ 14/2/2010 لتحدثنا عمّا حملته في نفسها من فنون الأدب حيث تقول: «لدي لغتي ومفرداتي الخاصة التي أحب أن أعبر من خلالها عن وجهة نظري».

لدي لغتي ومفرداتي الخاصة التي أحب أن أعبر من خلالها عن وجهة نظري

وتضيف: «بدأت الكتابة في سن مبكرة، وكلي إيمان بمقولة إن الله سبحانه يمسك بيده حفنة من طينه، يرميها ويقول كونوا أدباء، فيكونون... أي منذ الولادة يتصف الأدباء بالمشاعر والأفكار وطريقة التعامل الخاصة، وقد لمست ذلك من تجربتي، حيث كنت في صغري مختلفة عن أقراني، يستوقفني ما لا يلحظونه، ويؤلمني الذي قد يمرون بجانبه غير آبهين به».

من دواوينها

من الشائع القول بأن الأدب ابن الألم لكنها عاشت طفولة سعيدة، إلا أنها تذوقت الألم في وجع الآخر، وهنا تقول: «كنت الفتاة الوحيدة بين ثلاثة شبان، عشنا في جو أسري يفيض عاطفة ومحبة، ومع ذلك لطالما سئلتُ عن سر نظرة الحزن التي كانت تبدو في عينيّ، يومها لم أكن أعرف جواباً لذلك السؤال، إلا أنني اليوم أستطيع تفهم تلك الطفلة التي كانت مفعمة بأسئلة وجودية أكبر من عمرها بكثير، تثقلها معاناة الآخرين وهي تتحضر دون أن تعرف لمواكبة مخاض بذرة الأدب».

لها طريقتها الخاصة في القراءة، توضحها: «لا أقرأ الكتاب تبعاً للعنوان أو اسم المؤلف إلا إذا كنت أبحث عن معلومات بعينها قد أجد تفاصيلها هنا أو هناك، حيث أميل لقراءة القصص القصيرة، والشعر الحديث، والروايات ذات البعد الإنساني لأنها تشعرني بمتعة خاصة، بالمقابل هناك كتب ترهقني قراءتها، وكثيراً ما أرغب في التوقف، لكنها تشعرني بالتحدي لمتابعتها قبل أن أصدر أي حكم بحقها، فأتركها لأعود إليها مرات عدة حتى أنتهي من قراءتها حيث لا يمكنك أن تعطي رأيك بشيء لا تعرفه».

من دواوينها

وتضيف: «أنا متهمة بالجدية والرصانة في لغتي المعتمدة في كتاباتي، وفي الواقع أنا أقبل هذا الاتهام لأني لا أتعمد ذلك أثناء الكتابة، بل هي تنساب بعفوية مطلقة لأنها تشبهني فعلاً».

وعن ولعها في الكتابة تقول: «لدي قلم وورقة في كل ركن في البيت، إلا أن أجمل ما أكتبه هو ذاك الذي يغزوني في أوقات أرقي في الليل، وأضيّعه عندما أصحو في الصباح».

الأستاذ "محي الدين محمد"

أما عما يستهويها للكتابة فتقول: «في قصصي أهتم بشكل خاص بصدى الحدث في النفس أكثر من الحدث بحد ذاته، أكتب عن وجع الروح، وصراع الداخل، وهاجسي هو ألم الإنسان كائناً من يكون، بغض النظر عن موقعه، بيئته، أو ثقافته».

وتتابع: «أحس بشخصيات نصوصي الأدبية بعمق يصل حدّ الاندماج بها أثناء الكتابة فأعيش مشاعرها، تناقضاتها، ضياعها وقلقها سواء كانت مستقاة من واقع أود مقاربته، أو كانت شخصيات أختلقها لأحمّلها الحالة أو الفكرة التي أرغب بطرحها».

وتختتم السيدة "بلسم" بالإشارة إلى أن أسرتها هي جوهر ما تمتلكه، هي الأهم في قائمة أولوياتها في الحياة، وفيها حاولت تطبيق كل ما آمنت به بمساعدة زوجها الذي تصفه بالشخص الداعم لها في حياتها وفي مشروعها الأدبي، وهو القارئ الأول لكل نصوصها.

ويقول الأديب "محي الدين محمد" عضو اتحاد الكتاب العرب: «إن الأديبة "بلسم" تعمل على القصة القصيرة بتقنية عالية وبفهم لطبيعة الحدث القصصي، فلديها اهتمام بالأزمات المتلاحقة في الوسط العام وتجسدها بصور الحياة الاجتماعية بكل صدق».

وعن رأيه بنتاجها الأدبي يقول: «عندما قرأت أعمالها قدمت رأيي فيها من خلال ما تحمله قصصها من أفكار ورؤى وأهداف ترمي بها إلى خلق حالة من الوعي والتبصر بهوية الأديبة الملتزمة بقضايا الناس بشكل عام، فهي جادة فيما تقول وتحترف الأدب ليس هواية وإنما يبدو أنه متأصل في بنيتها الداخلية».

يشار إلى أنه صدر للكاتبة "بلسم" أربع مجموعات قصصية، وهناك مخطوطان جاهزان للطباعة هما مجموعة قصصية، ومجموعة نصوص شعرية، ورواية قيد التأليف تتحدث فيها عن الاغتراب والحنين إلى الوطن.