«شعرت بالتردد في مرحلة من المراحل وقررت الانسحاب ولكنني أدركت أن امرأة أخرى ستأتي بعدي ستضطر لأن تعيد ما كنت قد بدأته وتعيش ذات المعاناة من البداية، هنا قررت المتابعة لأجل كل النساء اللواتي سأفتح لهن هذا الباب».
بهذه العبارات البسيطة عبرت السيدة "لينا المفتي" في لقائها مع eSyria والذي دار حول الأسباب التي دفعتها للاستمرار في تجربتها التي تتمثل في كونها أول امرأة في "دير الزور" تقرر أن تدير مطعم "كباب" هذه المهنة التي تتطلب احتكاكاً مباشراً مع بائعي الخضراوات ومع "الجزارين" مما يجعل منها مهنة غير مألوفة بشكل عام بالنسبة لامرأة ولهذا قد ترى الدهشة تعلو وجوه من يدخلون مطعمها "مطعم العجمي" ويشاهدونها تعطي التعليمات للعاملين وترحب بالزبائن وتتولى حسابات المطعم، والسيدة "لينا" من مواليد 1973 متزوجة وأم لأربعة أبناء، عن بداية دخولها هذا المجال حدثتنا: «منذ حوالي سبع سنوات توفي والدي ووالدتي في شهر واحد مما جعل وضعي النفسي يسوء كثيراً وجعل زوجي يحاول البقاء معي بشكل دائم ويشجعني على مرافقته إلى سوق "القصابين" وسوق الخضار بعدها اعتدت على الذهاب لوحدي في أيام غيابه إلى أن بدأنا بالتناوب في ذلك وفي إدارة المطعم أيضاً».
كما نقول باللهجة المحكية السيدة "لينا" "أخت رجال" لا أحد كان يتوقع أن تستمر لكنها استطاعت أن تتجاوز جميع الأقاويل والصعوبات خاصة المتعلقة بالتعامل مع القصابين وبعض الزبائن
وعن الأسباب التي دفعتها للاستمرار تابعت: «في البداية كان الأمر يتعلق بالفضول وتخفيف العبء عن زوجي، بعد ذلك بدأت أشعر بالمسؤولية تجاه كل النساء اللواتي قد يفكرن بمهنة من هذا النوع في المستقبل فكلما ازدادت المشاكل التي أتعرض لها وكلما فكرت بالانسحاب -كما أسلفت- أسأل نفسي هذا المجال سوف تطرقه المرأة "الديرية" عاجلاً أم آجلاً وسوف تضطر لخوض التجربة من البداية أما إن تحملت أنا قليلاً فأكون قد اختصرت عليها الكثير من التعب، ثم صار العمل جزءاً هاماً جداً في حياتي فاليوم الذي لا أعمل فيه في المطعم أكتئب وقد أمرض، صار الأمر يتعلق بقدرتي على إثبات ذاتي وقدرتي على الإنجاز بالإضافة إلى التحدي الخاص بكسر حاجز ما يسمى عيباً في "دير الزور" دون أن يكون كذلك في حقيقة الأمر».
وعن تقبل المجتمع لهذه الظاهرة وتعامله معها أجابت: «بالنسبة لأهلي فإن إقامتهم في عدة محافظات واتصافهم بشيء من الانفتاح جعلهم يتعاملون مع الأمر بشكل طبيعي أما أهل زوجي فرفضوا تماماً، في حين أن زوجي علق على الأمر بدايةً باستهجان إلى أن أقنعه أحد أصدقائه الذين شجعوا الفكرة وهو السيد "عمر السارة" بعدها صار زوجي يساندني ويقف إلى جانبي، أما فيما يخص موقف الناس الآخرين كالزبائن مثلاً فما زلت ألامس الدهشة في وجوههم بل الرفض أحياناً حتى إن بعض الزبائن يرفض دفع الحساب لي ويصر على دفعه لأحد العاملين وهو ينظر لي باستهجان».
وحول تأثير هذا العمل على حياتها الاجتماعية أجابت: «أعتبر نفسي مثل أي امرأة موظفة وينطبق عليّ ما ينطبق عليها وأحاول جاهدة متابعة أمور أولادي من خلال تنظيم الوقت، خاصة أن عملي في المطعم يضاف إليه عمل منزلي مرتبط به مثل صناعة المقبلات "كالسلطات والمتبل واليبرق والكبة"».
وعن رأي أحد العاملين في "مطعم العجمي" بهذه التجربة التقينا السيد "محمود زياد نجم العبد الله": «كما نقول باللهجة المحكية السيدة "لينا" "أخت رجال" لا أحد كان يتوقع أن تستمر لكنها استطاعت أن تتجاوز جميع الأقاويل والصعوبات خاصة المتعلقة بالتعامل مع القصابين وبعض الزبائن».
وعن رأي زوجها السيد "محمود العمري": «في البداية خشيت كثيراً من تعليقات الناس بمن فيهم عائلتي، ولكن مع إصرار "لينا" على الاستمرار اقتنعت أنها على صواب واقتنعت أن هناك نظرة تتعلق بالمرأة وقدراتها آن لها أن تتغير».
وعن رأي بعض الرجال بهذه المسألة التقينا السيد "هيثم خليل كاكاخان" عامل في مطعم: «دخلت المرأة مجالات متعددة وعملت في الكثير من المهن، وأن تجد امرأة تساند زوجها بهذه الطريقة أمر مثير للإعجاب، أما وجود أشخاص يتعاملون مع الأمر باستهجان فهذا مرهون بالوقت فقط».
وقد نجد بين النساء من هن أشد حماسة من السيد "هيثم" مثل الآنسة "نبراس سفان": «حين بدأت امرأة بالعمل في بيع الألبسة الجاهزة انتقدها الجميع وبعد فترة قصيرة صار عددهن في محلات الألبسة لا يحصى، وهذا ما سيحدث في قطاع المطاعم، لأن السيدة "لينا المفتي" كسرت الحاجز».