كأمثالها في باقي المحافظات كان لحمامات السوق "بدير الزور" دور اجتماعي وثقافي وديني لأهالي المدينة خلال القرنين الماضيين، إلا أن تلك الحمامات تراجع دورها تدريجياً حتى اندثرت منذ عدة سنوات وأصبحت مهملة وبحاجة إلى من يرعاها ويعيد إليها دورها لتكون معلماً سياحياً وتراثياً للمدينة.
ومن أشهر الحمامات في "دير الزور"، وآخرها ما كان يسمى حمام "الجلبي" الذي يقع على بعد أمتار معدودة من ساحة مدينة "دير الزور" الرئيسة، وتحديداً في سوق الحبوب أحد الأسواق المجاورة للسوق "المقبي".
لم يكن لنساء "الدير" أيام وساعات مخصصة لدخوله، باستثناء يوم الخميس الذي خصص لهن، أما يوم الاثنين فكان للعروس، ويوم الجمعة لأفراد الجيش، وباقي أيام الأسبوع للرجال
وللتعرف على تاريخ إنشاء الحمّام وتصميمه، والمراحل التي مر بها التقى مراسل موقع eDeiralzor بتاريخ 29/12/2009 "عبد الحكيم ربيع" أحد جيران الحمام القديم والذي تحدث قائلاً: «يعود إنشاء حمام "الجلبي" إلى عام /1870/م، ويقع في الشارع "العام" غربي سينما "الزهراء" حالياً واستمر العمل به حتى نهاية عشرينيات القرن الماضي إلى أن أصبح أيلاً للسقوط، ضم الحمام ثلاثة أقسام تتوسطها قبب، وتتخللها قناديل للإنارة، واستثمر الحمام من قبل مواطن "عراقي" الأصل، حيث اعتمد في تسخين المياه بادئ الأمر على حرق الزيت وروث الحيوانات، ما دفع الجوار إلى تقديم شكوى لإغلاقه، بسبب رائحته وكثافة دخانه، وكان لهم ما أرادوا، وبعد مضي عدة سنوات من إغلاقه افتتح مرة أخرى وعاود العمل، ولكن لفترة بسيطة ليغلق منذ سبعينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، واليوم بعد مضي /40/ عاماً على الإغلاق لم يفكر أحد بترميمه وإدخاله في الخدمة أو حتى ليصبح معلماً سياحياً وأثرياً، ليبقى الحمام هيكلاً حجرياً مهدماً ومكباً لرمي الأوساخ».
وتابع "الربيّع" حديثه حول أوقات دخول الحمام التي كانت سائدة سابقاً فقال: «لم يكن لنساء "الدير" أيام وساعات مخصصة لدخوله، باستثناء يوم الخميس الذي خصص لهن، أما يوم الاثنين فكان للعروس، ويوم الجمعة لأفراد الجيش، وباقي أيام الأسبوع للرجال».
وقدم "ربيع" اقتراحاً لإحياء الحمام فقال: «تقوم غرفة تجارة وصناعة "دير الزور" بمشروع "إحياء منطقة السرايا" وأحد جوانبه إنشاء حمّام للسوق يكون في الأرض الواقعة خلف قيادة الشرطة حالياً لكونها ساحة خالية يتم الدخول إليه من البوابة العثمانية، وفي حال انتقال قيادة الشرطة خلال الفترة القادمة يمكن إنشاء فندق على الطراز المعماري القديم، ويكون الحمّام خلفه، وإنشاء الحمّام يجب أن يحمل الصفة الحضارية من حيث التجهيزات ويكون على الطراز المعماري القديم من حيث البناء فهو حاجة أساسية "لدير الزور" وليست كمالية».
وللتعرف أكثر على حمام "دير الزور" المزال التقى الموقع "عامر حميد" المهتم بالتراث فتحدث قائلاً: «بني أول حمام "بدير الزور" من قبل المدعو "عبد العزيز الجلبي" القادم من مدينة "الموصل" العراقية، والذي عمد على استقدام البنائين من "الموصل" لشهرتهم في بناء الحمامات في ذلك الوقت».
أما طريقة جر المياه إلى الحمام فبينها "حميد" قائلاً: «كان الماء يجر إليه من مياه النهر مباشرة عن طريق الغراف، وبسبب قدمه وتآكل جدرانه هُجر الحمام فترة من الزمن الأمر الذي استدعى أهالي "دير الزور" في ذلك الوقت أن يطلقوا شائعة بأن الحمام مسكون "بالجان" ما دعا إلى هدمه، وبعد سنين ليست بالطويلة قام "حسن الجاسم"، ببناء حمام آخر بالقرب من الحمام الأول، وكان ذلك في ثلاثينيات القرن الماضي متبعاً الطريقة "الموصلية" في ذلك، وقام أشخاص من مدينة "حلب" باستثماره وذلك لخبرتهم في تشغيل الحمامات، وكانت تجري فيه مراسم لغسل العروس والحناء، وكان أهل العريس يقصدون إحضار العروس للحمّام للاطمئنان عليها من أية أمراض أو عيوب، أما أجرة الحمّام فلم تكن تتعدى النصف ليرة سورية».
كما التقى موقع eDeiralzor رئيس دائرة الآثار "بدير الزور" السيد "ياسر الشوحان" فقال: «أشيد حمام السوق الثاني عام /1935/ م، وهو مؤلف من ثلاثة أقسام "البراني" وهو مكان استقبال الزبائن، و"الوسطاني" وهو القسم معتدل الحرارة والذي يمهد الزبائن لاستقبال الحرارة بشكل تدريجي لكون "الجواني" هو القسم الحار».
وأشار "الشوحان" إلى أن حمّام "دير الزور" لا يرقى إلى مصاف الحمامات "الدمشقية" و"الحلبية" لكونه مبني من الحجر الكلسي والقبب مبنية من الحجر والجص.
وبين "الشوحان" الأسباب التي لم تمكن الحمام من تسجيله في سجل الآثار قائلاً: «يجب أن يكون الحمام يحمل ميزة فنية أو تاريخية، وثانيها أن يكون عمره ما يقارب/200/ سنة ميلادية أو /206/ سنوات هجرية، وثالثهما أن يكون قد انطلق منه حدث هام كثورة أو غيرها، وهذه الشروط أو أحد منها لم يكن يحملها حمّام "دير الزور".
كما التقى الموقع رئيس دائرة المباني في دائرة آثار "دير الزور" "يعرب العبد الله" والذي قال: «خلال الفترة التي لا يزال فيها الحمام موجوداً قامت دائرة الآثار بتعيينه كخطوة أولى لتسجيله ضمن قائمة المباني الأثرية، وهي الخطوة التي تسبق عملية التسجيل فتشكلت لجنة من "دمشق ودير الزور" لاحظت وجود اقتطاع جزء منه، وهذا ما جعله يفقد قيمته الأثرية».