في وسط الطريق الواصل ما بين "كفرعروق" و"كفر دريان"، وإلى الجنوب منها بنحو ثلاثة كيلومترات تقع آثار"معز" أو "ماعز" تلك المدينة البائدة التي تعود بتاريخها إلى العهد البيزنطي والتي لا تزال تحافظ على مجموعة من بقايا آثارها الرومانية والبيزنطية والإسلامية التي تتناثر على مساحة كبيرة وسط سهل في قلب منطقة جبل "باريشا" وكلّ من يشاهدها لا بد أن يتعجّب من اتساع رقعتها وتناثر حجارتها التي تؤكد أهميتها، والتطور الذي عاشته هذه المنطقة خلال تعاقب الحضارات عليها لتكون شاهداً على أنّ هذه الأرض احتضنت منذ القدم حوار الحضارات. وعلى الرغم مما مرّ عليها من خطوب وعاديات الزمن إلا أنّها لا تزال شامخة منتصبة وسط هذا السهل الذي ملأته حجارتها، واسمها باليونانية "إيخينيس"، وكانت منذ القرن الثاني الميلادي مركزاً رئيسياً في المنطقة، وبحسب تصميم شوارعها وأبنيتها يعتقد أنّه تمّ بناؤها أو تجديدها خلال هذه الفترة حيث يشاهد فيها الشوارع العريضة والمستقيمة والتي تقسم بشكل عمودي إلى أحياء وشوارع متفرّعة عنها بشكل عرضي، وأحصي فيها 175 فيلا من العهد البيزنطي وكنيستان من القرن السادس الميلادي، وقد دمرت مبانيها بشكل كليّ أو جزئي في القرن السادس نتيجة الزلازل والحروب وعادت للانتعاش من جديد في القرن الثاني عشر، وفيها بقايا مسجدين شيدا خلال تلك الفترة.

ويقول الباحث "عبد الحميد مشلح": «في وسط هذا الموقع يوجد "أندرون" تمّ تشييده في العام 129 ميلادي، وهو عبارة عن قاعة للاجتماعات العامة كما شيّد فيها هيكل وثني عام 157 ميلادي مع سوق عامة وأروقة كما حفر فيها صهريج ضخم أطواله ثلاثين بخمسين متراً».

بقايا احدى كنائس ايخينيس

وعن أهمّ الآثار الموجودة حول "ماعز" يضيف: «إلى الشرق من "ماعز" بنحو160 متراً يوجد دير يسمّى "برج العصافير" وهو مؤلف من ثلاث طبقات، وفيه مصلى ومدفن رهباني يحوي ثلاثة "نواويس" وثلاثة صهاريج من القرن السادس مع صومعات وقبر محفور في الصخر، وإلى الجنوب الشرقي منها أيضاً يوجد دير صغير عبارة عن منسكة مؤلّفة من ثلاث غرف، وهو شبيه بدير"كفر دريان" ويعود تاريخه إلى منتصف القرن السادس ولم يبق منه إلا بقايا الأساس وقسم من السور وهو حال الدير الآخر الواقع على بعد كيلو متر جنوب شرق هذا الدير، الذي هو عبارة عن منسكة طولها عشرة أمتار وعرضها ستة أمتار وبين هذين الديرين يقع برج صغير، كما يوجد غرب "ماعز" أكبر دير في جبل "باريشا" ويسمى "قلعة التفاح" يعود للقرن الخامس الميلادي ويعتقد بأنّه كان مركزاً للحج، ويضمّ بازليك كبيرة ذات أعمدة وحنية داخلية وباحة وثلاث معاصر وثلاثة صهاريج وخزان كبير مع مدفن تحت الأرض يحوي تسعة قبور مع آثار للعديد من الغرف حول السور ولكن جميعها متهدمة، وقد تناثرت حجارتها، ولكنّها ما تزال تحكي عن تاريخ تلك المنطقة وحضارتها».

دير ماعز
جدار مزخرف لأحد الأبنية في معز