بأنين عذب ودوران لا يعرف نهاية أو قراراً تسبح دواليب الماء العملاقة في عمق الماء والتاريخ معاً لتروي قصة أقدم هندسة مائية عرفها بنو البشر ما تزال صامدة في "حماة"، إنها "النواعير"، صاحبة العظمة والتي تحظى هذا العام بأعمال نفخ الروح وبعثها في جسدها الرابض على ضفاف العاصي منذ القدم.

موقع eHama زار مقر دائرة النواعير وتابع بعض أعمال الصيانة والترميم التي تنفذها هذه الدائرة لإعادة إحياء النواعير.

تعد "حماة" مهد الناعورة الأولى ومنها طاف هذا التصميم الهندسي الفريد بقاع الأرض، وما تصوره لوحات الفسيفساء المكتشفة في "أفاميا" منذ آلاف السنين خير دليل على براعة "الصانع الحموي" في اختراع أقدم تقنية تستخرج المياه بقوة الماء نفسها

ويقول "مسعف مغمومة" رئيس دائرة النواعير: «تعد "حماة" مهد الناعورة الأولى ومنها طاف هذا التصميم الهندسي الفريد بقاع الأرض، وما تصوره لوحات الفسيفساء المكتشفة في "أفاميا" منذ آلاف السنين خير دليل على براعة "الصانع الحموي" في اختراع أقدم تقنية تستخرج المياه بقوة الماء نفسها».

إزالة القطع التالفة

ويضيف: «ترقد على ضفاف "نهر العاصي" في محافظة "حماة" أكثر من مئة موقع ناعورة قديمة، اثنتان وعشرون ناعورة منها ما تزال تنبض بالحياة، واثنتان وستون أخرى تنتظر بعث الروح فيها من جديد، وللحفاظ على هذا الإرث التاريخي الكبير تعنى دائرة النواعير بصيانة هذه النواعير وبث الروح فيها من جديد، حيث قمنا هذا العام بصيانة أربع عشرة ناعورة وتبديل قطعها الخشبية التالفة وتدعيمها بأخرى ذات كفاءة عالية، وهذا العمل بفضل خبرة وكفاءة عشرين عاملاً متخصصاً في هذا المجال».‏

ويحدثنا "محمد المصري" معلم في "ورشة صيانة النواعير" قائلاً: «الناعورة آلة خشبية دائرية الشكل، تركب عمودياً على مسار تيار الماء في النهر بواسطة مسندين حجريين يحملان محورها، وتثبت على محيط الدائرة الخارجي للناعورة أوعية مسماة "الدلوات" أو "القلل" يبلغ عددها أربعاً وعشرين قلة في كل ناعورة، مهمتها جرف الماء من النهر، ورفعه إلى الأعلى، وصبه في مجرى حجري لنقله إلى البساتين والحقول».

أعمال تركيب القطع الجديدة

وعن أعمال الصيانة يضيف: «تقوم ورشة الترميم والتركيب المؤلفة من اثني عشر عاملاً بالكشف الدوري على النواعير المقرر ترميمها، وعند ملاحظة وجود أجزاء متشققة أو مكسورة يتم تعيين هذه القطع وتمهر بالألوان لمعرفتها لاحقاً، وفي مرحلة أخرى تجري أعمال فك الإكليل الخارجي للناعورة الذي تتوضع عليه كافة قطعها، ثم تأخذ مقاسات القطع المتضررة من جميع الاتجاهات للحفاظ على دقتها، ومن ثم ترسل هذه البيانات إلى ورشة التصنيع في مقر دائرة النواعير، والتي تتألف من سبعة عمال هم من أمهر الصنعة في هذا الميدان، حيث تبدأ عمليات التصنيع من قص القطع الخشبية، وشحذها حسب المقاسات المطلوبة مع طلائها بمواد عازلة لزيادة مقاومتها للماء، ونعنى باستخدام ثلاثة أنواع من الأخشاب فقط وهي ذات مقاومة عالية وعمر طويل وهي: أخشاب "التوت" و"الحور" و"الجوز" حيث نستخدم خشب التوت والجوز لتصنيع جميع قطع الناعورة باستثناء "الوشاحات" التي تصنع من خشب "الحور" لكونه يعمر طويلاً، وبعد الانتهاء من أعمال التصنيع ترسل هذه القطع الجاهزة لورشة التركيب التي تقوم بتركيبها على هيكل الناعورة».

وبحكم خبرته الطويلة مع النواعير سألناه عن أقسام الناعورة فأجاب قائلاً: «تتألف الناعورة من قسمين أحدهما حجري، والآخر خشبي، أما القسم الحجري فيتكون من ستة أجزاء هي: "المثلثة" والتي هي عبارة عن درج حجري مبني من أحجار كلسية صماء بارتفاع يختلف حسب نصف قطر الناعورة، ومهمتها حمل المحور الخشبي لمجسم الناعورة، إضافة إلى "البرج الحجري" هو الجزء الآخر للناعورة والمواجه للجسم الخشبي، لكنه أقل ارتفاعاً حيث يبلغ ارتفاعه ضعف ارتفاع المثلثة، و"القناة المائية" هي الحجرية التي تحمل الماء إلى مسافات بعيدة، وأيضاً "البيب" وهو القسم الذي يقع بين برج الناعورة، و"المثلثة"، والقسم الخامس "السكر" هو بمثابة باب يفتح ويغلق عندما يراد ترميم الناعورة، والجزء الأخير هو "حاجز الماء"».

المهندس مسعف مغمومة

ويتابع: «أما الجزء الخشبي للناعورة فيتكون من إحدى وعشرين قطعة خشبية وهي بالتسلسل وفق مراحل بناء المجسم الخشبي: "المحور" أو قلب الناعورة، و"كتفي الناعورة" التي تمثل المسند الحامل للمحور، وهناك "الأعتاب الذكرية والأنثوية"، و"العيدان"، و"الوشاحات"، و"الدائرة الصغرى والكبرى"، و"الرادينات"، و"القبون"، و"الطبق"، و"المعدات"، و"الريشة"، و"الجامعات"، و"العضيدة"، و"البيكار"، و"الأبواب"، و"القيود"، و"الأطبيع"، و"القراع"، و"أسفين الورشة"، و"أسفين الصر"، وهذه القطع الخشبية التي تتألف منها الناعورة تختلف عن بعضها البعض بالأحجام والمواقع ولكل منها وظيفتها التي لا يمكن الاستغناء عنها مهما بلغ صغر حجمها».