لعل الجمال ركن أساس من أركان سعادة الحياة، التي نعيشها، فلقد فطر الإنسان على حب الشيء الجميل، فلذلك يسعى دائماً إلى تحسين ما يحيط به، وكانت العرب تسمي الوجه "الأحسن"، فإذا ما أصيب العربي بوجهه، فإنه يقول: «أصبت بأحسني». وقد قرن حسن الخلق بحسن الوجه يقول صلى الله عليه وسلم: «سلوا المعروف عند حسان الوجوه».
من هذا لم تغب هذه المحبة عن قلب الشاعر الشعبي الفراتي، فإلى جانب جمال العينين ومشق القامة، كان للوجه نصيبه الأكبر في الوصف، وقد كثر وصف الوجه الأسمر عن غيره من ألوان الوجوه، كون أبناء "الفرات" ذوي بشرة سمراء، اكتسبوها من البيئة التي عاشوا فيها، إلا أن هذا لا ينفي ورود ذكر للوجه الأبيض أو الأشقر، وتلك الخدود التي تشبه لون الورد، وتارة أخرى بلون الذهب، فها هو في لون "الموليّا"، يرى القمر بوجه حبيبه كلما أقبل، ويصف لنا دموعه الغزيرة على فراقه. على نقيض أولئك الذين شحوا عليه بالدموع، والتي كادت تملأ الوديان.
أنت بروحي العزيزة والنبي هل هل/ كلما تخطم المسا نقرا الشهر هل هل
شحيح دمع الخلق دمعي عليكم هل/ فيضٍ طماه العلو سكان بريّـــه
أما جبينه فيشع نوراً بلون البدر، فلذلك سكبت عيناه دمعاً على فراقه، ذلك الذي تفوح رائحة الريحان من بين ضفائره.
ياضي جبينو يخدو تقول بدرٍ هل/ دمعي على خلتي من غير سايه هل
أسايلك بالنبي مانت ولد منهل/ محشي جعوده من الريحان ممليّه
ثم نجده في جانب آخر أسمر لا يميل إلى لون القهوة، بل يميل إلى لون العسل، عندما يكون بشمعه، أما قامته فإنها تشبه غصن البان الذي يحركه نسيم الصباح القادم من الغرب إبّان شروق الشمس.
أسمر سمارك حلو ما هو بلون البن/ لكن بلون العسل ويّ الشمع لوبان
طول المدلل حلو ويميل غصن البان/ ويلا عبو من هبوب الفجر غربيّه
أما في لون "النايل" فإنه يكثر من وصفه للون الأسمر، ويرفقه بوصف الرضاب، الذي يشبه طعمه طعم العسل، فها هو يخاطبه: أيها الأسمر الجميل: يا من امتلكت رضاباً، كالعسل الصافي، لقد أحرقت قلبي حباً حتى انحنى ضلعي، من جراء ذلك ولم أقل لك كفى حباً.
أسمر سمارك حلو ريجك عسل صافي/ أنت الحنيت الضلع ما قلت لك كافي
ولأجله سار الدرب المخيف دون أن يهاب أحداً:
أسمر سمارك حلو شفة عسل ريجك/ سيّر علينا سيّر علينا يا غالي الدرب لا يعيجك
ولم يكن أسمر وجميلاً فحسب، بل كان يمتلك خالاً ترامى على خده:
أسمر سمارك حلو شامات بخدودك/ وآني رماني الهوى داخل على جدودك
وكانت له قامة ممشوقة، إضافة لذلك ذلك الذي حافظت على حبه متناسية لوم أهلها وأقاربها:
أسمر سمارك حلو يا مردرد اركانك/ حملت حجي أهلي كلّه على شانك
ولقد كان طويلاً يشبه طوله مرادي السفن، وخدوده بيضاء تشبه ورد المدّيد، ذلك الورد المترامي على ضفاف "البليخ":
طولك مرادي السفن والخد ورد مدّيد/ جيبم زهاب الحلو من تاجر ابن مهيد
ومع أن غزل الشاعر الفراتي في هذا الجانب كان صريحاً إلى حدٍّ ما، إلا أنه لم يكن يبتغي التصريح بقدر ما كان يرمز إلى النقاء وعذوبة الحوار مع الآخر، ذلك الذي أحبه وعشقه وتراءت له كل مظاهر الحسن فيه، وتمنّى أن يكون شريكه الآخر في يومٍ ما.