ليلة الحناء.. ليلة جميلة ورائعة، وهي جزء من الطقوس الاجتماعية المرتبطة بمناسبات الأعراس التقليدية في ريف منطقة "عفرين" وهي اليوم في طريقها إلى الضياع والنسيان تدريجياً لتتحوّل إلى جزء من فلكلورها وتراثها.
وللحديث عن الطقوس الاجتماعية التي كانت تُمارس في ليلة الحناء قديماً وحالياً ولو على نطاق ضيق قالت "فاطمة إبراهيم" لمراسل مدونة وطن eSyria وذلك خلال اللقاء الذي جمعهما في أحد الأعراس العصرية في قرية "كفر جنة" السياحية: «لم يُعد للأفراح والأعراس الحالية نكهتها القديمة بسبب خلوها من كل التقاليد والطقوس الاجتماعية الجميلة، إضافةً إلى تغيّر شكل الغناء واللباس والرقصات والموسيقى وغيرها، فالأعراس اليوم توجهت نحو السرعة والمادية وذلك على حساب المحبة والحشمة والتراث والكرم».
العادة المتبعة في تلك الأيام هي أنّ كّلاً من العروس والعريس ينامان في منزلين بعيدين عن بعضهما حتى الليلة التالية التي كانت تُسمى بليلة الدخلة
«الأعراس قديماً كانت تستمر في كثير من الأحيان لسبعة أيام وخلال الأيام السبعة كانت تُمارس مختلف الطقوس والتقاليد الاجتماعية الجميلة من ألعاب وسهرات وأداء أغانٍ تراثية يرافقها الطبل والزرنة وقد باتت أدوارها هامشيةً إلى حدٍ كبيرٍ اليوم».
وتابعت متحدثةً عن ليلة الحناء بالقول: «في اليوم الأخير من أيام الاحتفال بعرس أحد أبناء القرية كان المحتفلون يتوجهون إلى دار والد العروس لجلبها إلى بيتها الجديد حيث كانت تركب الفرس مع ركوب أحد الأطفال الذكور خلفها كي تنجب ذكراً، وفي الليل كانت تُقام المناسبة التي كانت تُعرف بليلة حناء العريس والعروس، حيث كان والد العريس ووالدته يجوبون بيوت القرية لدعوتهم للمشاركة في تلك المناسبة بعد أنّ تم تحديد بيتين مقنطرين من بيوت القرية أحدهما لحناء العروس والآخر لحناء العريس، وفي المساء تحضر النسوة للبيت الذي تقام فيه مناسبة حناء العروس والرجال للبيت الآخر».
وأضافت: «كانت العروس تقعد على مخدتين لتكون أعلى من الجميع وتبدأ النسوة بالرقص وذلك على أنغام الطبل والزرنة، وبعد مرور بعض الوقت على الرقص يستريح الطبالون لتبدأ طقوس ليلة الحناء حيث كانت توضع الحنّة -التي كنا نشتريها من الباعة المتجولين في القرى مقابل الزيت أو البيض البلدي- في طنجرة ويُسكب فوقها قليل من الماء لتقوم إحدى النسوة بعجنها وترافقها إحدى النساء المعروفات بصوتها الجميل بالغناء وأداء بعض الأغاني الخاصّة بهذه المناسبة».
وقالت: «بعد الانتهاء من عملية عجن الحنة والماء جيداً تبادر إحدى النسوة بدهن يدي العروس بها مع ربطها بقماش أبيض لتبقى مربوطتين حتى صباح اليوم التالي حيث تغسلها العروس عندما تستيقظ من النوم فيصبح لون يديها أحمراً».
«في ليلة الحناء أيضاً تقوم إحدى النساء بصنع كرات من العجين وتوزيعها على الأطفال الموجودين الذين رافقوا أمهاتهم إلى الحفلة، بينما تقوم أخرى بجمع النقود من الحضور وذلك لتقديمها للعروس كل ذلك رقصاً على أنغام الطبل والزرنة، وقد كانت كل واحدة تدفع ليرة أو ليرتين أما المقتدرات فكن يدفعن عشر ليرات لتكون بذلك محور أحاديث النساء لعدة أيام».
وختمت "فاطمة إبراهيم" بالقول: «العادة المتبعة في تلك الأيام هي أنّ كّلاً من العروس والعريس ينامان في منزلين بعيدين عن بعضهما حتى الليلة التالية التي كانت تُسمى بليلة الدخلة».
في الأعراس الحالية يقوم بعض أصدقاء العروسين بممارسة تقليد ليلة الحناء ولكن بشكل عصري وسريع، وحول هذا التقليد العصري يقول "إدريس يوسف" الذي قام بعملية حناء العريس اليوم: «ليلة الحناء تقليد اجتماعي قديم وقد زال من حياتنا تماماً ولكننا نحاول في بعض الأعراس أن نحييه من خلال ممارسته ولو بشكل بسيط وعصري، حيث نقوم بشراء الحنة وعجنها ووضعها في صينيات صغيرة مع زرع ورود حمراء في العجين داخل كل صينية ليقوم مجموعة من الشباب والصبايا بإحضارها رقصاً إلى ساحة المقصف من أجل دهن اصبع واحد لكل من العريس والعروس بالحنة ولفة بقطعة نقدية وربطه بخيط أحمر دليل الحب، والجدير ذكره بأنّه في الأعراس الحالية تقوم إحدى الصبايا بدهن اصبع العروس بينما يقوم شاب بدهن إصبع العريس».
وأخيراً قال "إدريس": «رغم أنّ التقليد الأصلي في طريقه إلى الزوال نهائياً إلا أننا نمارسه كجزء من الفلكلور والتراث ولا يمكننا اليوم ممارسته بشكله التقليدي والأصيل بسبب ظروف العصر التي اختلفت /180/ درجة».