«"الهوسة" هي أحد وجوه الشعر الشعبي شبه المغنى، الذي يقال في المناسبات المختلفة والحروب، ويثير فيمن يسمعه الحماسة والاندفاع والإثارة، وقد لعبت "الهوسات" دوراً فاعلاً في حياة أهل وادي الفرات على مر السنين، في أفراحهم وأتراحهم، في حلهم وترحالهم، في حربهم وسلمهم، وتعتبر "الهوسة" استمراراً لشعر الحماسة الذي عرفه العرب على مرِّ العصور، والذي نشأ أصلاً لأهداف عسكرية».

هذا ما قاله الباحث الرَّقي "حمصي فرحان الحمادة"، لموقع eRaqqa بتاريخ (22/12/2009)، والذي تابع حديثه قائلاً: «للـ"هوسة" تعاريف كثيرة، جميعها متقاربة، فمنهم من يعرفها بأنها: فنٌّ شعري حربي، وهي تبدأ شعراً ثم تأتي "الهوسة" في الشطر الأخير, ومثال ذلك: قول أحد الشيوخ في العراق يرثي والده: ارخصوني عمامي خل اون اعليه/ لا بهل الفرات ولا بوسط نلگيه/ اهو سور العشيرة وللوزن نرجيه/ (الموت من الله الما مر بيه).

تشير المراجع البحثية المتخصصة بألوان الشعر والغناء الفراتي، إلى أن "الهوسة" تنظم على وزن البحر "المحدث" وهو ذاته "الخبب" الذي يتكون من أربع تفعيلات: /فعلن فعلن فعلن فعلن/، أو تزداد تفعيلاتها إلى خمس أو ست، وبوزن إيقاعي متوسط السرعة، وغالباً ما يكون وزنه (2/4)، ويكون هناك انسجام ما بين طبقة صوت المردد "المهوسجي" أو "القاصود"، وطبقة صوت المجموعة المرددة خلفه، وغالباً ما تترافق هذه "الهوسة" بحركات متناوبة راقصة، مستمدة من إيقاع اللحن وتقطيعات أشعار "الهوسة"، وغالباً ما تتم هذه الرقصات التعبيرية مترافقة مع التلويح بأنواع عديدة من الأسلحة كالسيوف والخناجر والعصي والبنادق وأدوات الصيد والزرع والحصاد، وتعتبر هذه الحركات تجسيد للكبرياء والأنفة والتماسك، وأحياناً يكتفي مؤدو "الهوسة" بالتلويح والإشارة بالأيدي فقط

وله شعر آخر يقول فيه:

ريِّض يل مشــيِّع وين بيه تريد/ چا يا هو الأعيده من يجيني العيد

الباحث حمصي فرحان الحمادة

ويا هو يسد مسدك گلي يوم الويد/ (يل بين احسابك باطل تحصد بالزينين)

فالشطر الذين بين قوسين هو الذي يتم ترديده من قِبَل الجموع، وهذا النوع من "الهوسات" معروف في العراق، وغالباً ما ينسى الناس الشعر، ويكتفون بترديد الشطر الأخير منه، و"الهوسة" في لهجة أبناء محافظة "الرقة": نشيد حماسي جماعي، تردده مجموعة من الرجال خلف أحد المنشدين، المعروف بجهارة صوته, وتكون "الهوسة" عادة عند الاستعداد للقتال، أو في مواطنه ومواقفه، واستخدمت كذلك في التظاهرات الوطنية ضد الاحتلال والاستعمار، ومؤخراً في المسيرات الشعبية، كما تستخدم "الهوسة" كذلك في زفة العريس، حيث يحمل المحتفلون رجلاً يحمل سيفاً بيده، يلوح به يميناً وشمالاً مع نغمات "الهوسة", ويردد الجميع خلفه, وتزيد حماسهم زغاريد النساء السائرات خلفهم، ومارسها الفراتيون أيضاً في الحقول أثناء البذر والحصاد، حيث يُردِّدها الرجال والنساء معاً.

و"الهوسة" تُولد في لحظة من التوتر النفسي، لذلك تكون ملتهبة تعكس مشاعر القائل بصدقٍ وبدرجةٍ عالية من البراعة والدقة في الصياغة والتعبير، وتتضمن آرائه وطريقة نظرته للأشياء، وتعامله مع الحدث بكلمات صادقة مقتضبة مشحونة بالمشاعر، ولعلّ ما يُميّز "الهوسة"، هو إلمامها البليغ بكل جوانب الموضوع الذي تتطرق إليه، ولكن بكلمات موجزة ومقتضبة.

و"الهوسة" كما نرى، مأخوذة من كلمة فصيحة وهي "هوس"، و"الهوس" كما ذكر "الزبيدي" في "تاج العروس" هو الدَّق, كما تأتي بمعنى الكسر, وسمي "الأسد" هوَّاساً، لكسره عظام فريسته, و"الهوس" كذلك الطواف بالليل بجرأة, ويُطلق "الهوس" على المشي الذي يعتمد فيه صاحبه على الأرض اعتماداً شديداً, لذا سمي الأسد بسبب مشيته هوَّاساً, و"الهواس" الشجاع المجرب, و"الهوس" الفحل الهائج, ويقال: نمر هوَّاس, وضبع "هوَّاس", ونلاحظ أن جميع المعاني المشتقة من "هوس"، تدل على الشجاعة أو مظاهرها. وجاء في "مختار الصحاح": "الهوس" بفتحتين طرفٌ من الجنون.

وبذلك يكون المصطلح "الرَّقي" فصيح الأصل، ويطلق على "الهوسة" كذلك "الحداوة"، وهي مأخوذة من شعر الحداء المعروف، و"الهوسات" الرقيَّة كلها تدل على مواقف رجولة وبطولة وفروسية, وكيف لا تكون كذلك، ومواقف القتال والطعان لا يثبت فيها إلاَّ الفرسان؟! والرَّقي في هوسته يحثُّ نفسه وقرينه على بيع أحب الناس إليه, ليشتري بثمنها "بارودة"، لأن "البارودة" في مواقف القتال أكثر نفعاً من الأم, فهي التي تفرج همه، وتصدُّ عنه اعتداء المعتدين، فيقول:

ياولد يا بن المقرودة/ بيع أمك واشري البارودة

والبارودة أخير من أمك/ يوم الحرب تفرج همك/.

والرَّقي في مواقف القتال يحب الشر, ويسعى إليه سعياً حثيثاً, والشر خال الرَّقي وقريبه, وهل هناك أقرب من الخال, والمثل الرَّقي يقول: "الولد ثلثينه خاله", كما أن الشر هو القداحة ذات الفتيل, والرَّقي هو مشعِلها فيقول:

الشر خالي وآني ابن اخته/ هو الجدحه وآني علقته

والرقي في قتاله بحاجة إلى زغاريد الفتيات الجميلات, لأنها تثير في نفسه الرجولة والشجاعة والصمود, وتسمى الزغرودة في اللهجة الرقية "الهلهولة" فيقول مفاخراً:

وان هلهلتي هلهلنالك/ صبِّينا البارود قبالك

والعفن الماهو من رجالك/ يقحز ما يريد مقابلنا.

وأجمل الزغاريد ما كانت من الفتيات الجميلات، اللاتي لطخن ذوائبهن بالحناء، فيقول:

وان هلهلتن كلجن كلجن/ بالحنة مكفخات قذلجن

وان هلهلتي رقاوية /واحد منا يزيح الميه

وشجاعة الرَّقي تظهر في ليالي "البادية" الموحشة القفرة المظلمة, حيث يتجول مع رفاقه الشجعان حاملين بنادقهم ومرددين:

ربعي دوم مونسين البر/عداية وشيالة موزر

ربعي سواة الحارجية/ حمر عال ونار تسعر

ربعي دوم يزيحون الشر/ مسجين العدوان من المر.

و"الهوسات" تؤرخ للكثير من الأحداث الوطنية، أو الصراعات بين القبائل، ففي عام /1941/م، وهو العام الذي حدثت فيه فوضى أمنية دفعت بعض القبائل لدخول مدينة "الرقة" ونهبها وحرق السجلات الحكومية, وسمي العام "سنة الفلتة" وكان الناهبون يرددون: "بشر أمك صارت فيونطة"، وخلال الصراع بين "الفدعان" و"الولدة" ردد الشعراء من القبيلتين الكثير من "الهوسات" الشعبية التي لا يسمح المجال لذكرها، و"الهوسات" سجل رائع لمواقف أهل "الرقة" من المحتل الغاصب فيرددون:

من فوق التل احدرناهم/ ميه وضابطهم وياهم.

ولازلت أذكر كما يذكر أبناء جيلي المرحوم الأستاذ "أحمد علي العيسى" المعروف بـ"أبو عذيج"، وهو يهتف برفاقه من شباب حزب البعث العربي الاشتراكي في الخمسينيات من القرن الماضي خلال التظاهرات الوطنية:

دق جادرها وخيم بيها/ البعث أولها وتاليها.

ومن "الهوسات" التي اشتهرت في مدينة "البوكمال" في فترة العشرينيات من القرن العشرين، والتي تحث على مقارعة المحتل، هي التالية:

قم بدللي اليونانية/ وحاسبني بعشرة سواريّه

كلهم لبَّاسة فينية/ ومعاهم سيكي واحد أسمر.

"اليونانية": بارودة تطلق طلقة واحدة ثم تحشى من جديد، "السوارية": الجيش الأجنبي، "الفينية": قبعة العسكر الإنكليز، "ماليس": ضابط في الجيش الانكليزي، كان في مدينة "البوكمال" في مطلع العشرينيات».

وبسؤال "الحمادة" عن الوزن العروضي للـ"هوسة" والإيقاع الموسيقي الذي يضبطها، أجاب: «تشير المراجع البحثية المتخصصة بألوان الشعر والغناء الفراتي، إلى أن "الهوسة" تنظم على وزن البحر "المحدث" وهو ذاته "الخبب" الذي يتكون من أربع تفعيلات: /فعلن فعلن فعلن فعلن/، أو تزداد تفعيلاتها إلى خمس أو ست، وبوزن إيقاعي متوسط السرعة، وغالباً ما يكون وزنه (2/4)، ويكون هناك انسجام ما بين طبقة صوت المردد "المهوسجي" أو "القاصود"، وطبقة صوت المجموعة المرددة خلفه، وغالباً ما تترافق هذه "الهوسة" بحركات متناوبة راقصة، مستمدة من إيقاع اللحن وتقطيعات أشعار "الهوسة"، وغالباً ما تتم هذه الرقصات التعبيرية مترافقة مع التلويح بأنواع عديدة من الأسلحة كالسيوف والخناجر والعصي والبنادق وأدوات الصيد والزرع والحصاد، وتعتبر هذه الحركات تجسيد للكبرياء والأنفة والتماسك، وأحياناً يكتفي مؤدو "الهوسة" بالتلويح والإشارة بالأيدي فقط».