إن أكثر ما يميز نص "اللحاد" للكاتب "عبد الفتاح قلعه جي" هو إمكانيته لفتح آفاق "فرجوية" عالية المستوى، سوى أنه يندرج ضمن تصنيفات نصوص المسرح التجريبي التي سادت في ثمانينيات القرن الماضي؛ في محاولة لترسيخ تقاليد مسرحية عربية، تبدأ بالكتابة الأولى عبر النص، وتستمر عبر الكتابة الثانية والثالثة وربما الرابعة التي تتبع لرؤية المخرج.

ولم يكن التناول الفلسفي للعلاقة بين رسام وحفار قبور إلا محاولة لرسم ملامح العلاقة بين الفن والموت من منظورها الحياتي الذي يستعيد حياة الأموات، ويميت الأحياء بغية الإجابة على تساؤل: هل الموت نوع من أنواع الفن؟ أم الفن شكل من أشكال الموت؟

إن استخدام الرقص في هذه المسرحية لم يكن له أي مبرر درامي، حتى إنه يمكن إلغاؤه دون أن يتأثر العرض

"اللحاد" هو العرض الذي قدمته فرقة عمال محافظة "درعا" ضمن فعاليات مهرجان المسرح العمالي العشرين في "دمشق"، وعن اختيار هذا النص حدثنا المخرج "محمود عوض" بأن منظومته الفكرية دائماً تطرح تلك الجدلية التي لا تنتهي بين الفن والموت، أيهما أقدر على البقاء؟ يقول "عوض": «هذا الموضوع يُلحّ عليّ دائماً، سيما أننا لا نستطيع أن نقول أن من بنى الأهرام مات، لكنه في الحقيقة مات، والأمر ذاته ينطبق على كل الأوابد، هذا المقطع من الحياة والجدل أردت مناقشته عبر نص شعري للمبدع "عبد الفتاح قلعه جي"، محاولاً أن أقول أشياء معقدة بطريقة بسيطة وليس العكس».

اللحاد والرسام

المفارقات التي جسدها العرض حملها إلينا كل من الممثلين "محمد عبد القادر" بدور "اللحاد" و"فراس مقبل" بدور "الرسام" وعن أدائهما يقول الناقد "سمير طحان": "لم يستطع الممثلان الوصول إلى أعماق الحالة النفسية لشخصيتيهما، حيث إن تشبع كل منهما بدوره كان بالحد الأدنى، لذلك لم نلحظ تحول الفعل النفسي إلى فعل حركي على المسرح، وهذا لم يجعل منهما ملكَين للخشبة، إذ بقيا في حدود الاستذكار لما حفظوه من أدوار فقط، دون أن يعايش كل منهما شخصيته».

بينما رأت "شذى حمود" إحدى الحاضرات أن المشهدية المسرحية لم ترتق لمستوى النص المكتوب وقالت: «لم يرافق هذه الحوارات التجريبية أي مغامرة تجريبية على المستوى الإخراجي، كان من الممكن لها أن توازي النص ببنية بصرية وحركة مسرحية لائقة».

من العرض المسرحي "اللحاد"

وعند سؤال المخرج "عوض" عن سبب الضعف البصري، نفى ذلك قائلاً: «إن كان ذلك صحيحاً فإنه يعود إلى ظروف إنتاج هذا العرض بشكل عام، بدءاً من البروفات وانتهاءً بالتسهيلات التي قدمها المهرجان».

من جانب آخر يعتقد "محمد المصري" أن الديكور كان فقيراً وتقنياته بسيطة، ولكن في الوقت ذاته كان ينبغي إيجاد حل إخراجي أفضل لمسألة دخول الرسام إلى القبر، بدل أن يتم رفع القبر لأن اللحاد بقي مع الرسام ضمن المستوى ذاته، ويضيف: «إن استخدام الرقص في هذه المسرحية لم يكن له أي مبرر درامي، حتى إنه يمكن إلغاؤه دون أن يتأثر العرض».

جدلية الصراع بين الموت والفن

أما "سلوى نجم" فانتهت إلى أن مجرد طرح مثل هذا الموضوع يكفي المخرج فخراً، وتقول: «يعتبر طرح هكذا موضوع صعباً للغاية، وإن تناوله مسرحياً يمكن أن يصب من باب المغامرة عالية المستوى، لذلك أحيي المبدع "محمود عوض" على جرأته رغم الإمكانيات الضئيلة التي قدمت له».