«قرية متوسطة الحجم فيها ثلاثين بيتاً بسيطاً مبنية من الحجارة، وأفضلها وأكبرها منزل الشيخ. ولا يتعدى عدد السكان مائة وخمسون شخصاً. بعض الآثار تقع بالقرب من الحدود المنحدرة لوادي "العلان" وتطل على منظر جميل في الأسفل عبر مجرى النهر». هذه المعلومات القيمة للباحث والمؤرخ الألماني "غوتليب شوماخير" الذي زار منطقة "حوران" أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، ودون المعلومات التي جمعها في كتابٍ قيم اسمه "عبر الأردن".
لم يأذن القدر بعد لقرية "حيط" لتبوح بكامل أسرارها الحضارية على الرغم من وجود الكثير من معالم الحضارات لا يزال مدفوناً تحت ترابها الخصب.
زيارة ممتعة دعانا لها زميلنا الباحث "محمد العيشات" ابن هذه القرية المعطاءة بتاريخ الرابع والعشرين من كانون أول 2009م للتعرف على كنيستها الهامة التي ظهرت في العام 2001م، وكانت المعطيات التالية:
بنيت حسب المخطط البازيليكي المستطيل، بطول إجمالي أربعة عشر متراً، وعرض يصل حتى ثمانية أمتار. كان مخططها مشابهاً لمخططات الكنائس المعروفة، والتي تعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين، فهي من الكنائس ذات الجناح الواحد "السوق الواحدة"، وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام: المذبح "الحنية" ، المصلى" القاعة الكبرى وقسم الأحواض. للكنيسة باب واحد يقع في الجهة الغربية. المصلى: يبلغ طوله أحد عشر متراً، وعرضه أربعة، أرضيته مرصوفة بحجارة الفسيفساء، التي تحتوي على صور رائعة ذات مواضيع بشرية وحيوانية وطبيعية.
سقف الكنيسة يتابع "العيشات": تشير إليه بعض ركائز الأقواس المقامة على الجانبين الجنوبي والشمالي، حيث كان عبارة عن بلاطات حجرية ترتكز على أقواس "قناطر" تحملها حجارة الميازين البارزة عن الجدران نحو الداخل لتخفيف طول البلاطات حسب طراز البناء الشائع في "حوران".
وعن الواقع التاريخي للمنطقة يردف "العيشات": خلال الفترة البيزنطية كانت اللغة الرسمية في "سورية" وفي منطقة "حوران" خاصة هي اللغة اليونانية، بينما تحدث معظم الناس فيما بينهم اللغة النبطية القديمة المستمدة من الآرامية. هكذا نرى أن النص مكتوب باللغة اليونانية، بينما نرى الأسماء الواردة في النص هي أسماء عربية متداولة جداً في جنوب "سورية"، وقد وردت في الكثير من المواقع المنتشرة في "حوران" و"الأردن" و"فلسطين" ومواقع أخرى في "سورية" بشكلٍ عام.
كل ذلك يؤكد أن الكنيسة قد بنيت ربما خلال القرن الخامس الميلادي، وتضيف لفن الفسيفساء مدرسة أخرى في "بلاد الشام" موطن الدين المسيحي الأول، إضافة لمدرستي "مأدبا" في الجنوب و"أفاميا" في الشمال، حيث موقع منطقة "حوران" بينهما.