كثيراً ما يتردد على ألسن الناس في الريف حكايات عن الجن، وذلك عندما يجتمعون في ليالي الشتاء الطويلة حول مواقد النيران ومدافئ الحطب، وعلى الرغم من أنّ أبناء الجيل الحالي يتعجبون من تلك الأحاديث ويعتبرونها نوعاً من القصص والحكايات الخرافية، إلا أنّ المعمرين في الريف يصرون على وجود الجن ويثبتون ذلك من خلال تجاربهم الشخصية حيث رؤوا فيها هذه المخلوقات بأنفسهم دون أن يسمعوه من أناس آخرين.

ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع التقى مراسل موقع eSyria في منطقة "عفرين" عدداً من كبار السن من رجال ونساء وطرح عليهم السؤال التالي: هل رأيت الجن؟

نعم لقد رأيت تلك المخلوقات- بعيد من هون- عدة مرات، فقديماً كان الإنسان يقضي معظم وقته في الحقول والبراري والجبال والكهوف فكان لا بد من أن يلتقي بهم بين الحين والآخر

فكانت الإجابة الأولى من المعمّر "حسين أحمد صاغر" /90/ سنة حيث قال: «نعم لقد رأيت تلك المخلوقات- بعيد من هون- عدة مرات، فقديماً كان الإنسان يقضي معظم وقته في الحقول والبراري والجبال والكهوف فكان لا بد من أن يلتقي بهم بين الحين والآخر».

المعمر حسين صاغر

وسألناه عن أشكالهم وأحجامهم فأجاب: «الجن لا شكل ولا حجم محددين لهم لأنهم قادرون على أن يقتنصوا أشكال الأشخاص الذين يريدونهم ولكن الغالب أنهم كانوا يظهرون للناس على شكل قطة سوداء أو عنزة سوداء حجمها كبير ولها رأس يشبه رأس الحمار مع أذنين طويلتين.

في أحد الأيام حيث كنت في ريعان الشباب قدمت من مدينة "عفرين" فوصلت مفرق قريتنا ليلاً وباعتبار أنّ الطريق كان ترابياً لم تكن السيارات تستطيع الوصول للقرية وخاصّة في فصل الشتاء بسبب الطين والوحل فنزلت في المفرق لأتابع مشواري على الأقدام، وبعد أن وصلت إلى واد في منتصف الطريق رأيت عنزة سوداء، طبعاً في تلك الفترة لم أكن قد سمعت عن الجن كثيراً، ولذلك اعتقدت في البداية أنها عنزة بيت جارنا وقد تاهت عن القطيع ولكن عندما اقتربت منها رأيت رأسها بوضوح حيث كان يشبه رأس الحمار ولها أذنان طويلتان لا تشبه آذان الماعز، حينئذ تملّكني الخوف وتذكرت كلام والدي الذي كان يقول إذا رأيت الجن قل "بسم الله الرحمن الرحيم" واهرب دون أن تنظر خلفك لأنّ الجن في هذه الحالة لا يستطيعون اللحاق بك، وفعلاً هربت بأقصى سرعة دون أن أتطلع خلفي ولم أتوقف إلا عند وصولي إلى البيت وعندما سألني والدي: لماذا أنت مرعوب وخائف؟ حكيت له القصة فطلب من والدتي أن تُشربني كأساً من الماء، وقال لي حينها بأنّ ما رأيته هي فعلاً عنزة جارنا الضائعة وذلك كي يهدئ من روعي وقد عرفت ذلك بعد أن كبرت».

المعمر خليل حسو

أما "خليل حسو" فقد قال: «بالقرب من قريتنا قرية "جقاللي جوم"- منطقة "عفرين" توجد مغارة ويعرف الكثيرون من أهل القرية وخاصّة من كبار السن أنها مغارة مسكونة بالجن، وفي أحد الأيام وبينما كنت قادماً من الجب الروماني الواقع شمال القرية حيث كنت أسقي دوابي، ولدى وصولي إلى القرب من باب المغارة، سمعت صوت الطبل والمزمار والزغاريد وقد كانت تلك الأصوات تنتقل تدريجياً من تلك المغارة نحو مغارة توجد إلى الأعلى منها في الجبل طبعاً دون أن أرى أحداً أما الصوت فقد كان واضحاً جداً وقد سمع الكثيرون غيري تلك الأصوات حيث كان كبار السن يقولون بأن تلك الأصوات هي لأفراح وأعراس أحد شبان الجن على صبية جنية ولذلك كانت الأصوات تنتقل من المغارة الأولى "منزل العروس" نحو المغارة الثانية "منزل العريس"».

أما "كريمة أحمد" فأضافت بالقول: «نعم رأيت الجن بنفسي وكان ذلك في يوم من أيام فصل الصيف حيث كنت صبية حين طلب مني والدي أن أذهب إلى حقل التين القريب من القرية لجلب ثمار التين ففعلت، وبينما أنا على الشجرة سمعت أصوات الغناء والزغاريد تحت الشجرة وعندما نظرت لمصدر الصوت رأيت مخلوقات صغيرة "أقزام" ترقص مع بعضها بعضاً فجن جنوني ولم يعد بإمكاني الوقوف على الشجرة فقذفت بنفسي من أعلى الشجرة وهربت للمنزل وقد تركت سلة التين خلفي وعندما سألتني والدتي عن السبب حكيت لها القصة فقالت إنني لا بد قد رأيت قطة وصغارها، وحين سألني والدي عن التين وقد كان في الداخل ردّت والدتي بأنّ أفعى أرعبت "كريمة" فتركت السلة هناك، ثم ذهبت هي وجلبت السلة دون أن ترى شيئاً».

بنفش وكريمة وحديث عن الجن

وأخيراً قالت "بنفش حمو": «بالقرب من بيتنا توجد مغارة وكانت ماشيتنا تبيت فيها ليلاً وخاصّة في فصل الشتاء وذات مرة دخلت المغارة لوضع التبن للماشية بينما كان القطيع يرعى خارج المغارة وعندما دخلت المغارة رأيت عنزة سوداء اختفت بلمح البصر في الظلام فهربت للخارج، وبعد عدة سنوات تكرر معي نفس المشهد ولكن والدي كان يقول لي في كل مرة إنني أتخيل بسبب خوفي، ولكنه في وقت لاحق اعترف بأنه رأى نفس العنزة عدة مرات ولكنها لم تكن تؤذي».

وختمت حديثها بالقول: «الجن لا يؤذي البشر ولم أسمع بأنه ألحق الأذى بأي شخص ولكن شكلها مرعب والأماكن التي تظهر فيها مرعبة مثل المغارات والكهوف وغالباً ما يكون ظهورها في الليل، ولذلك كان آباؤنا قد علمونا بأن نقول "بسم الله الرحمن الرحيم" عند دخولنا للمغاور والكهوف لأنّ البسملة كانت تطهّر المكان من الجن».