منذ عقود طويلة تعود إلى حوالي قرن ونصف تقريباً كانت العروس من بنات ريف "دير الزور" تأخذ جهاز عرسها من هذا السوق "سوق عكاظ" الواقع ضمن شبكة الأسواق القديمة في "دير الزور" بين سوق "العطارين" وسوق" التجار"، والفرق الأكبر الذي حدث عبر تلك العقود أن والدها ووالدتها هما اللذان كانا يأتيان لينتقيا من عدد محدود من البضائع كل ما يلزمها، أما اليوم فالعروس بنفسها تأتي لتنتقي ما يلزمها من ضمن تشكيلة واسعة من الأقمشة والملابس.

eSyria التقى "الباحث" مازن شاهين الذي وصف لنا الوضع المعماري للسوق قائلاً: «سقف السوق عبارة عن قبو سريري مستمر ذي عقد مدبب ومادته من الحجر والطين ومزود بفتحات إنارة وتهوية».

سقف السوق عبارة عن قبو سريري مستمر ذي عقد مدبب ومادته من الحجر والطين ومزود بفتحات إنارة وتهوية

وفي زيارتنا للسوق التقينا السيد "عبد الرزاق مغير" الأكبر سناً بين تجار السوق وعضو "غرفة التجارة والصناعة" ويعمل فيه منذ حوالي 60 سنة فحدثنا عنه في عقوده الماضية قائلاً: «كان السوق يسمى أيضاً سوق "بغداد" لأن معظم البضائع كانت تأتي من "بغداد" بحكم قرب المسافة، وقبل نصف قرن تقريباً كان للسوق بوابة معدنية تفصله عن سوق "العطارين" كان يقف فيه حارس خاص وكانت الأبواب خشبية والنشاط يبدأ في الصباح الباكر وينتهي مع غروب الشمس.

التاجر عبد الرزاق مغير

ويتألف السوق تقريباً من 40 محلاً لم يتغير كبقية الأسواق القديمة من حيث تغيير نوعية النشاط التجاري للمحلات، فقد كانت محلاته ولا تزال تختص بتجهيزات العرائس غير أن الأصناف التي كانت موجودة في السوق قليلة جداً والعرض محدود فكان أهل العروس- أو العروس ذاتها بعد أن صارت تنتقي جهاز عرسها بنفسها- لا يحتارون فيما يشترونه وليس لهم وجهة أخرى غير سوق "عكاظ" وهذا ما جعل النشاط أكبر بكثير من الآن حيث كثرت الأسواق في المدينة، كان في السوق محل واحد للأحذية يبيع الأحذية البسيطة للرجال والنساء، أما عن البضائع القماشية فهي قليلة جداً منها "الثوب المزهر" و"القزية" وهو ثوب بأكمام طويلة، و"الصاية" وهو ثوب مفتوح من الأمام، وكانت تباع أيضاً أغطية الرأس كـ "الهبرية" و"الجرغد" و"المكرونة"، وهذه أسماء أغطية للرأس عند نساء المنطقة، "المكرونة" اختفت نهائياً أما "الجرغد" فتلبسه العجائز وهو من الحرير ويباع منه قطعة واحدة أو قطعتين في كل عام وكذلك "الهبرية" في طريقها للانقراض، كما كنا نبيع القماش الخاص بالأغطية الصوفية أو أننا نبيع تلك الأغطية جاهزة».

وعن سوق عكاظ أيام زمان التقينا أيضاً السيد "مشلح الحسن" فلاح من قرية "جولة الغر" فحدثنا قائلاً: «إن اعتيادنا على هذا السوق ولّد لنا علاقات قوية جداً مع التجار ومما أذكره من أيام زمان ولم يعد موجوداً هو المبيت في المدينة لقلة المواصلات حيث كانت المواصلات قليلة فكنا نبيت في منازل عملائنا التجار».

التاجر خالد عبد الرزاق مغير

وعن اصرار أهل الريف على ارتياد هذا السوق بالذات سألنا السيدة "هيام حسين التويري" ريفية من قرية "البوليل" فأجابتنا: «الأسعار هنا أكثر انخفاضاً ونجد كل ما نرغب به دفعة واحدة بحكم تخصص السوق بتجهيزات العرائس والتجهيزات المنزلية بالإضافة إلى أن هذا السوق بالنسبة للأسواق الأخرى يراعي أذواقنا».

وعن التطور الحاصل في هذا السوق ووضعه الراهن التقينا السيد "خالد عبد الرزاق مغير" الذي حدثنا قائلاً: «تغير النشاط وحركة البيع في السنوات العشر الأخيرة فيما نقدمه للزبائن وهنا بدأنا بجلب بضائع جديدة تناسب ذوق ابنة الريف وتواكب تطور الحياة في الوقت ذاته، فبالإضافة إلى الأقمشة أدخلنا الملابس الجاهزة والكثير من مستلزمات المنزل كالأغطية والمناشف والبطانيات والسجاد، في كل الأحوال يظل اعتمادنا في تصريف البضائع على أهل الريف الذين ما زالوا يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم».