الإنسان بنظرنا هو الغاية التي يجب أن تقدم له كل العناية، وتوفر له كل أسباب العيش الكريم، أقلّه أن يستنشق هواءً منحه إياه الخالق كي يستمر في العيش، لكن والحال في بلدة "كفربو" التي باتت تستنشق الهواء الملوث بالغبار الناجم عن معمل الإسمنت الموجود في محيط البلدة، مما يَعِدْ و-حسب رأي الأطباء- بأمراض شتى، فبات الأمر يتطلب الإسراع من الجهات المعنية لرفع الضرر، فلا جَمالَ للأبنيةِ التي ستُرفع باسمنت معمل "حماة" دون إنسان يعيش في داخلها.

وللوقوف بشكل أقرب حول ما يتعرض له سكان هذه البلدة، توجهنا في مدونة وطن eSyria إلى المهندس "كلود محفوض" عضو إدارة نادي أصدقاء البيئة في "كفربو" والذي حدثنا: «الآثار التي يتركها معمل الاسمنت على "كفربو" كارثية، وهناك عدة إصابات بمرض السرطان، وكثيراً ما نستطيع جمع مادة الاسمنت من على أسطح البيوت، وأحياناً أخرى من داخل البيوت».

تجاه هذا التلوث كتبنا على موقع "كفربو" وطالبنا من خلاله من عدد من المسؤولين التحرك

وأضاف "محفوض": «الأضرار الصحية كبيرة، من يتابع الوضع هنا يرى حجم الفاجعة البيئية، الأحياء القريبة من "كفربو" هي الأكثر تضرراً، كما أن أكثر من 60-70% من سكان منازل "كفربو" متضررون من دخان المعمل، وفي بعض اللحظات يكون حجم الغازات السامة هائلاً، وهو بذلك يعتبر كارثة بيئية».

السيد "مرهف شيحة"

وعن تحركات نادي البيئة قال "محفوض": «تجاه هذا التلوث كتبنا على موقع "كفربو" وطالبنا من خلاله من عدد من المسؤولين التحرك».

وللوقوف على الأمر أكثر توجهنا إلى رئيس بلدية "كفربو" السيد "مرهف جروح شيحة" الذي قال: «تكمن المشكلة في المعمل رقم "واحد" بالدرجة الأولى، هذا المعمل الذي بني منذ حوالي أربعين عاماً، وكانت تشكل التربة الحمراء الغضارية المادة الأولية الأساسية لمادة الاسمنت فيه، وقد استهلك كثيراً من مواقع التربة الخصبة في البلدة، وكان سابقاً ينفث "غاز ثاني أوكسيد الكربون" الضار، هذا الوضع تسبّب بزحف التصحر إلى مناطق قابلة للزراعة، خاصة في المناطق التي تقع شمال المعمل، الدراسات الجديدة للمعمل توجته بالعمل على الصلب كمادة أولية فبات اليوم يعتمد على البازلت الأسود».

شركة إسمنت حماة

وأضاف "شيحة": «كانت معاناتنا تأتي من خشيتنا من "الغاز السام"، فزاد الطين بلّة مع وجود "الغبار"، فالمدخنة تنثر ما لا يقل عن ثمانية أطنان من "الغبار"، حتى أن هناك من تحدث عن اثني عشر طناً، ومنذ سنتين ونحن موعودون بوضع فلاتر تخلصنا من هذا الغبار».

وأضاف رئيس البلدية: «حتى إن المعمل رقم "ثلاثة" والذي وصف بأنه معمل "صديق للبيئة"، والذي يقولون أنه مجهز بفلاتر منعاً من التلوث، لاحظنا أنهم وفي بعض الأحيان يقومون بفتح "الفوهة" مما يؤدي إلى نثر كميات هائلة من الغبار دفعة واحدة، تعادل ثلاثة أضعاف ما ينثره المعمل رقم "واحد"، خاصة في الساعة الثانية ليلاً وفي أيام الجمعة تحديداً».

"عثمان الأمير" مدير شركة الإسمنت

وعن التحركات الرسمية التي قامت بها بلدية "كفربو" أضاف "شيحة": «حاولنا نشر الموضوع عن طريق كتاب وجهناه إلى "مديرية البيئة"، وقامت هذه الأخيرة بتشكيل لجنة، عقد على إثرها مؤتمراً في المعمل رقم "ثلاثة" والذي هو "صديق البيئة"، وأطّلعنا على الفلاتر، وبقي الوضع كما هو».

ويضيف: «لمن يتابع الواقع الصحي للبلدة يجد أن معدل الإصابة بالأمراض السرطانية في نصف البلدة الشرقي أكثر منها في النصف الغربي، في نصف دائرة قطرها لا يتعدى "نصف كيلو متر مربع" تقريبا،ً أي في دائرة قطرها "واحد كيلو متر"، ومرد ذلك للهواء الذي غالباً ما يأتي من جهة الشمال الغربي».

وقال "شيحة": «كان لدينا حوالي "سبعة عشر إصابة سرطانية"، لعائلتي نصيب كبير من هذه الإصابات، وعندما راجعنا مدير عام معمل الإسمنت، أفادنا بأن الإصابات سببها "وراثي"».

وعن الحل برأيه، قال: «أتمنى أن يغلق المعمل رقم"واحد"، لأن ما يسببه من حجم التلوث، هو كبير جداً، وقد وجهت هذا الكتاب بشكل رسمي، وأقوم بطرح هذه المسألة في كل مؤتمر وجلسة كمطلب هام من مطالب البلدة، كما وأدرج هذا المطلب في تقرير الفرقة الحزبية في البلدة، ما نطلبه هو المعاملة بالمثل، فهناك معامل قديمة كانت موجودة في محافظات أخرى، وقد أوقف العمل فيها، وهي نموذج مماثل للمعل رقم "واحد" الموجود في "كفربو"».

بدوره مدير معمل الاسمنت "عثمان الأمير" قال: «الفلتر في المعمل رقم "ثلاثة" يعمل آلياً على الحاسب، وبإمكان مديرية البيئة الكشف على المعمل، وبإمكانها أن ترى أنه لا يمكن فصل الفلتر، وأن الإدعاءات التي تثار عن المعمل رقم "ثلاثة" غير صحيحة، كما أن بإمكانهم الرجوع إلى أرشيف السنوات السابقة، وليس في مصلحتنا إخراج هذا "الغبار" لأنه عبارة عن مواد أولية، أي منتج، بمعنى آخر، هو اسمنت».

وعما أثير حول المعمل رقم "واحد" قال مدير المعمل: «فيما يتعلق بالمعمل رقم "واحد"، فهذا الخط رطب، وقد أسسه القطاع الخاص، كما أنه غير مجهز بفلترة، ونحن بدورنا قمنا بدفع عشرات الملايين من أجل "فلترة" جميع الأقسام، وبقي "قسم الفرن" دون "فلترة"».

ويضيف: «كان من الممكن بعد تفعيل العمل في المعمل رقم "ثلاثة" أن يتوقف العمل في المعمل رقم "واحد"، لأن المعامل الرطبة تستهلك كميات كبيرة من "الفيول"، ورغم بدء العمل في المعمل رقم "ثلاثة" وبقيت الحاجة للاسمنت، أصبح المعمل ينتج الاسمنت المقاوم للأملاح، والكبريتات التي تلزم في مشاريع السدود، ومشاريع الصرف الصحي، ومشاريع الري الزراعية، فألزمونا أن يبقى المعمل رقم "واحد" قيد العمل، لذلك أعلنّا عن مناقصة عالمية، رست على شركة نمساوية، وتعتبر من أفضل شركات العالم في صناعة الفلترة بمبلغ /مائة مليون ليرة سورية/، ووقعنا العقد، كما تم فتح الاعتماد وسوف يتم استيراد "الفلتر" في النصف الأول من عام 2010، وفرن خاص بالمعمل رقم "واحد"، وهذا المعمل لم يكن مجهزاً بنظام "فلترة" لأنه أنشئ في الخمسينيات من القرن العشرين».

وعن الإصابات الصحية قال "الأمير": «اتجاه الرياح بالنسبة للخط الرطب باتجاه الجزء الجنوبي الغربي من مدينة "حماة"، وفي بعض الأحيان يأتي الهواء شرقياً فيتضرر أهالي بلدة "كفربو"، أي أن المتضرر الأكبر من هذا الخط هم سكان منطقة "غرب المشتل" و"طريق حمص" وحي "البعث" في مدينة "حماة"».

إن بدت مشكلة شركة اسمنت "حماة" شبه مستحيلة الحل، إلا أننا نثيرها هنا لكي نتذكر أن من مقدمات إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لأي مشروع، هو دراسة الجدوى البيئية، ودراسة الموقع الجغرافي للمشروع، وتأثيره على البيئة المحيطة، وهي أمور عادة ما ينساها البعض رغم أهميتها، بالرغم من أن الدراسة العلمية لتأثير المشروع على البيئة من الممكن أن تفقد المشروع جدواه الاقتصادية.

يبقى أن نذكر أن حجم إنتاج المعامل الثلاثة للاسمنت في "حماة" حوالي مليون ونصف المليون طن سنوياً.

  • المرجع: دراسة الجدوى الاقتصادية وتقييم المشروعات- د.محمد العجلوني، د.سعيد الحلاق- دار اليازوري –جامعة اليرموك.