بدأت أسواق "الحسكة" بمختلف مناطقها والممتدة على رقعة واسعة وشاسعة استعداداتها لاستقبال عيد الأضحى المبارك، وباتت تعيش حراكاً اقتصادياً هاماً وازدحاماً كبيراً، كما شهدت حركة التبضع من محلات هذه الأسواق انتعاشا ملموسا فرحا ببهجة قدوم الأعياد، ولم يقف الأمر عند الأسواق وإنما شهدت البيوت "الحسكاوية" فورة كبيرة وحالت غليان استنفرت فيها المرأة كل طاقتها استقبالاً وابتهاجاً بهذا اليوم الفضيل.

eHasakeh وعلى مدى ثلاثة أيام عمل على نقل صورة مفصلة عن طقوس العيد ابتداءً من الأطفال مروراً بالنساء والرجال وانتهاءً بالأسواق.

للعيد نكهة تختلف عن باقي الأيام الأخرى، فترى الجميع سعيد والكل فرح، نتبادل الزيارات مع الأصدقاء ندوج على المنازل ونجمع السكاكر، فالعيد سعيد

أسواق العيد ومطالب كثيرة...

الكليجة جاهزة

ويقول "جمال خليل" صاحب إحدى محلات بيع الألبسة في شارع "فلسطين" شريان سوق "الحسكة" والذي بالكاد أعطانا بضع دقائق من وقته على حساب محله المكتظ بالزبائن:

«كما ترى الإقبال شديد على الشراء ويعود ذلك لأن أكثر الموظفين استلموا مرتباتهم، والأيام القليلة التي تسبق العيد هي موسم بالنسبة لأصحاب المحال لما يلاقونه من كثرة في البيع وإقبال شديد على الشراء.

الاضحية

ونلاحظ في هذه العبارة المختصة ببيع الألبسة النسائية والماكياجات ومستلزمات النساء على الأغلب مما يجعل التعامل مع النساء أمر صعب وخاصة في ظل الازدحام الكبير الذي نشهده».

ووسط أزمة العيد في شارع "فلسطين" استطعنا محاورة السيدة "نورة علي" التي قالت:

المفاصلة مرفوضة

«أتيت لأشتري بعض الحاجيات من السوق لأطفالي "هند" و"ياسر" الذين وضعتهم لدى جارتنا، فهم صغار والجو بارد، وسأعمل بعد شراء الملابس لهم على المرور إلى محل بيع البن لأشتري القهوة المرة فهي حاضرة في منزلنا باستمرار وعلى وجه الخصوص العيد».

أما الطفل "غيث ضرار" والذي لا يتجاوز عمره السبع سنوات رأيناه وهو يبكي وراء أمه فقال:

«أريد هذه الكرة لألعب بها مع أصدقائي بالحارة في العيد، لا أريد ملابساً فالعيد المضى أشترى لي أبي ثيابا جديدة ولم ألبسها إلا في اليوم الأول فقط، أريد الكرة أريد الكرة...».

وترى "سيماف أوسي" طالبة جامعية والتي وصفت الأسعار بالنار: «إن الأسعار الموجودة في السوق غالية وترهق المواطن وتكوي الجيوب فمن غير المعقول أن أشترى طقم يكلفني تلك الحسبة، لذلك عكفت عن الشراء في العيد، وسأؤجلها إلى وقت لاحق لأن أصحاب المحال في هذه الأيام لا يمكن أن تفاصلهم بالأسعار فهم متحكمون بالسوق ولا بد للناس من الشراء».

وتوضح "سمر عبدي" ربة منزل عن سعادتها عند التجول بأسواق مدينة "الحسكة" فتقول:

«أسعد كثيراً في التجوال في الأسواق ولا يمكنني أن أخفي هذا الشعور وسط هكذا جماهير تملأ الشوارع والمحلات والسيارات، فالكل سعيد وكل عيد وأنتم بألف خير».

وللسيارات نصيب

ملأت الشوارع السيارات الصفراء "التكاسي" تنقل المواطنين وسط ازدحام كبيره تشهده مدينة "الحسكة" وأسواقها.

وخلال التجوال استوقفنا السائق "خضر السيد" في مفرق شارع "المحطة" وهو يحمل راكباً والذي قال:

«أنا ذاهب بالعم "أبو حسان" إلى حي "الناصرة"، طبعاً العيد فرحة للجميع وهذه الأيام القليلة التي تسبقه تكثر فيها حركة العمل فالسيارة تذهب إلى الإحياء مليئة وترجع إلى السوق مليئة، وما يعيق عملنا أن الجميع يحمل الأغراض الكثيرة ونحن في عجلة ولكن لا يهم فالفرحة تملأ قلوبنا، وكل عام والجميع بألف خير».

**تآلف ونسيج اجتماعي واحد

وعبر صاحب محل "كابي" لبيع الألبسة الرجالية عن بهجة العيد:

«نحن اليوم نسعد مع الإخوان المسلمين في العيد ففي "الحسكة" الإسلام والمسيحيين جنباً إلى جنب في السراء والضراء نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم والأمر بالعكس لكلانا، وكما تشاهد فالمحل مليء بالناس وأعمل مع أولادي لتسيير الأمور ومساعدتهم بعملية البيع، ولن أستطيع أن أقف معك أكثر من ذلك لكن سأقول عيد سعيد وينعاد على الجميع بالخير والهناء».

بينما كان الإعلامي "أيهم طفس" يستبق العيد بتبادل التهاني مع الأصدقاء استوقفناه وسألناه عن العيد والفرحة بين الأخوان المسيحيين والإسلام فقال: «نحن في محافظة" الحسكة" نشكل نسيج اجتماعي مترابط متكامل، نزور بعضننا البعض ونتبادل التهاني في الأفراح ونعزي بعضنا في الأتراح، وكما نعايدهم اليوم سيعايدوننا غداً وهم دائماً السباقين فأردت أن أكون السباق أيضاً».

الموظف والعيد

"عبد الباسط الضامن" موظف قال: «نعم استلمت مرتبي بالأمس واليوم أضعه على العيد ومستلزماته، سأواجه الشهر ضائقة مالية ولكن أنا واثق أن الأمر سينتهي على خير لأن المصاريف كلها في محلها، وفرحتي تكتمل برؤية أولادي وبناتي فرحين بألبستهم الجديدة».

بنما كانت معلمة المدرسة "سارة الشيخ" تتذمر من الراتب وتقول: «الراتب لا يكفي أقل مصاريفي فالأولاد يريدون ثياب جديدة وأنا أريد أن أشتري بعض التحف لأضعها بالمنزل، وسأشتري ضيافة العيد، ولا أعلم ماذا افعل المصروف كبير والراتب أمام احتياجاتي قليل».

القهوة العربية حاضرة في العيد

صاحب بن "النجم" لوح بيده والضحكة تلون وجهه الهرم وقال: «كل عام وأنت والصحافة والجميع بألف ألف خير، لن أستطيع التحدث اليوم أرجع في وقت لاحق فكما ترى لا أستطيع أن أحك رأسي، ولا أستطيع إلا أن أقول الأمور بخير».

العم "خلف النزال" أبن السبعين قال: «إلى اليوم والقهوة لا تفارق منازلنا فكيف وغداً العيد، وتمتاز القهوة العربية بأنها جاهزة دوماً واغلب الناس المعيدين سريعين في معايدتهم لذلك تكون القهوة جاهزة أمامهم إلى جانب الحلو».

أطفال العيد

الطفل "مهند جاسم" أبن الثمن سنوات وصف العيد من وجهة نظره فقال: «أزور في العيد جدتي ولأن جدتي ذهبت إلى الحج هذا العام سأزور الجيران وأصدقائي وأعمامي وأخوالي، وسأعمل على جمع أكبر قدر ممكن من السكاكر والعيدية لأخبئها عند ذهابي إلى المدرسة، وفي العيد نحن الأطفال لا نلتزم بزيارة المعارف فقط وإنما نسير على وجوهنا وبشكل عشوائي فالكل يستقبلنا والكل يعطينا السكاكر وحلاوة العيد بأنك تزور منازل أهل الحي جميعهم بدون أن يغضب أحد».

"غيداء خضر" ثماني سنوات عبرت عن العيد بقولها: «للعيد نكهة تختلف عن باقي الأيام الأخرى، فترى الجميع سعيد والكل فرح، نتبادل الزيارات مع الأصدقاء ندوج على المنازل ونجمع السكاكر، فالعيد سعيد».

تعزيل المنزل واستعدادات العيد

"سامية علاوي" قالت: «التعزيل وتنظيف المنزل من أهم مقومات العيد ولا أعرف لماذا هذا التقليد على الرغم من أنني أقوم بتنظيفه باستمرار، وإذا لم أعزله قبل العيد أعتبر أن هناك شيء ناقص والجميع ينظر إلى المنزل باستغراب».

"ترفة قاسم" عبرت مسرورة عن أعمال التنظيف التي تسبق العيد فتقول: «لا أستمتع بالعمل أو تعزيله مثل هذا اليوم لأني أعتبر أنني فعلاً أعمل من أجل شيء مميز، فالأيام العادية ننظف منازلنا لكن لا تكون البهجة كاليوم، كما أنني أقوم بمساعدة الجيران الذين لا يستطيعون العمل ومن هم كبار السن، وكل عام وأنتم بألف خير».

"الكليجة" الأكلة الشعبية "الجزراوية"...

ولدى أتجاهنا إلى حي "العزيزية" وبالقرب من جامع "عثمان بن عفان" زرنا منزل السيدة" ميناس أحمد" والتي تعجن حلويات العيد "الكليجة" فتقول: «كل عيد أقوم بصنع "الكليجة" ولا يهناء لي عيد أن لم أضعها إلى جانب الشاي أمام الضيوف، طبعاً صناعتها متعبة ولكن أنا أسعد بعملها ولأن أطفالي يحبونها جداً ففي الأيام العادية لا يفرغ منزلنا منها فالأولاد يأخذونها معهم إلى المدرسة ليتناولونها خلال الفرصة».

وعن طريقة صناعتها تقول السيدة "ميناس": «يضاف لكل كيلو طحين في "الكليجة" "الجزراوية" 600 غ زبده أو سمنة، إلى جانب توابل "الكليجة" المعروفة والمكونة من القرفة والزنجبيل والهيل وحبة البركة والمحلب والشمرا، وهي تباع جاهزة في البقاليات ومحلات السمانة، و100 غ خميرة، و4 كاسات ماء فاتر وربع كاسة من الزيت.

حيث تمزج جميع هذه المكونات باستثناء الزيت في وعاء عميق وواسع، وتعجن حتى تصبح العجينة لينة، ثم يضاف الزيت، ويغطى العجين ويترك حتى يختمر، ثم يقطع ويشرع بصنع "الكليجة" حسب القالب الذي نريده، كعكات أو أقراصاً أو قطعاً مستطيلة أو دائرية وهو ما يطلق عليه "زنود الست"...

ويمكن أن تحشى "الكليجة" بالتمر أو لا تحشى، وتترك لفترة في الصينية حتى تستريح وتخمر أكثر، وبعد أن يدهن وجهها العلوي بصفار البيض توضع في فرن على درجة حرارة 225 مئوية، ثم تترك حتى تبرد وتقدم».

ولتقينا في منزل السيدة "ميناس" امرأة تتجاوز السبعين من العمر فأثارت فضولنا ولم نقدر إلا وأن نسألها عن العيد و"الكليجة" في الريف سابقاً والذي على ما يبدو أثار هذا السؤال شجون العجوز لتفضي ما في جعبتها من حكايات فتقول "جورية فندي": «الكليجة عادة وتقليد اجتماعي لم تتأثر على مر السنين، ورغم غلاء المعيشة لم يمتنع الحسكاويون عن شراء مستلزماتها الطحين والسمن والتمر والبهارات التي تسمى بهارات الكليجة.

وطبق الكليجة مع الشاي هو أفضل تحية لضيوف رمضان ومن بعده عيد الأضحى المبارك.

كنا سابقاً في القرى والأرياف نستخدم السمن العربي في صنع "الكليجة".. غير أن الكثير من النساء هناك مازلن يستخدمن الشحم الحيواني المذاب والذي يسمى "الودج"، بدلاً من السمن العربي أو السمن المصنع، نباتياً كان أم حيوانياً. لتخبز على التنور والتي يكون لها مذاق لا يقاوم، وبالتالي فإن الكليجة" الجزراوية" الريفية لم تدخلها المواد المضافة والحافظة أو الملونات ولا الخميرة الصناعية ولا الزيوت الصناعية، والتي يصر أبناء الريف على أنها مسخت الكليجة الأصلية والحقيقية.

وآه على تلك الطعمة وتلك الرائحة الذكية والتي تذهب لعشرات الكيلو مترات ولو كانت خالتك تستطيع أن تنهض وتتوفر لديها تلك المواد التي أنفقدت اليوم لرايتك كيف تصنع على طريقة أهل الريف».

الأضاحي والناس

إلى جانب كل ما استوقفناه من أسواق وأعمال تنظيف وصنع حلويات أردنا أن نسلط الضوء على سوق الغنم "الماكف" الذي اتجه نحوه المئات من الناس لشراء أضحية العيد.

فالدلال "عيسى اليوسف" قال: «لا شك أن هذه الأيام تزداد الناس إقبالاً على شراء الأغنام لذبحها في عيد الأضحى المبارك، لكن لا أخفيك فالحلال غالي والأسعار لا تقارب فغير ميسور الحال لا يستطيع شراء الأغنام بكافة إحجامها وأصنافها، ومع ذلك هناك حركة بيع والأمر لا يخلى فهناك أشخاص قادرين على الشراء».

وخلال تجوالنا في سوق الأغنام "الماكف" رأينا السيد "حسين كوزي" يشتري أضحية فتوجهنا إليه وسألناه عن الأضحية فقال: «أشتريت هذا الكبش لذبحه في صباح يوم العيد وتوزيعه على الجيران، وهو إضافة إلي شرعيته تقليد سنوي منذ القديم في العائلة فلا بد من ذبح الأضحية في يوم العيد وكون الوالد والوالدة لدي فأخوتي وأخواتي يجتمعون كل عيد في منزلنا ولا تكمل فرحتنا إن لم نرى الأضحية في المنزل».

رأس العين أستنفار في العيد

ولدى اتصلنا بالزميل "سردار الربيعي" بمدينة "رأس العين" الواقعة شمال غرب مدينة ""الحسكة" لرصد حركة العيد قال: «لن تختلف أجواء العيد بمنطقة "رأس العين" عن باقي أنحاء المحافظة فالكل مستعد للعيد والفرحة مرسومة على شفاه الجميع، والأسواق تكتظ بالناس والمحلات مليئة بالزبائن.

أما النساء فهي تعمل منذ مدة في تعزيل المنازل وصناعة "الكليجة" والنساء هنا منشغلات بأمر "الكليجة وأي امرأة ستصنع "كليجة" لذيذة" وشهية أكثر من الأخرى».

"الدرباسية" وبرغل العيد...

لن دع الفرصة تفوتنا في تسليط الضوء على برغل "الدرباسية" أحدا مناطق "الحسكة" المشهورة بصناعته وبالأخص البرغل "الكيكي" فتقول "جميلة خضر": «نحتفل بالعيد كباقي أنحاء المحافظة بتقديم الحلويات والسكاكر وصناعة "الكليجة" ألا أننا لا نهناء بالعيد أذا لم نصنع البرغل مع السمن البلدي والذي يكون له طعمه لذيذة تختلف عن باقي الأيام وهي طعمت العيد والأقارب والجيران يلتفون حول الصفرة وهم يأكلون بنهم».

زيارة المقابر

اتصلنا بـ"عامودا" المدينة الجميلة والتي تتصف بالألفة والمحبة مع معلم المدرسة "فواز سيف الدين" فقال: «نستيقظ في مدينة "عامودا" منذ الصباح الباكر فالبعض يذهب إلى الجامع والبعض الأخر يتجه نحو المقبرة المتوضعة بجانب المدينة، وهي تجمع كل أهالي "عامودا" من المتوفيين وهناك تبداء تبادل العيدية وتوزيع السكاكر على أرواح المتوفين وترى الأطفال يتوافدون على المقبرة لجمع السكاكر.

وبعدها يرجع الناس إلى منازلهم ليعاودوا عيدهم فرحين مسرورين، وتكتظ الشوارع بالمارة من أطفال ورجال ونساء، وعلى خلاف المناطق الأخرى فالعيد في مدينة "عامودا" باعتبار أن الجميع يعرف بعضهم لصغر المدينة ولارتباط الجميع بأواصر القرابة والصداقة فترى العيد بعيدين».

على ما يبدو الجميع منشغل بالعيد وما يسعنا إلا أن نقول "كل عام وانتم بألف خير وعساكم من عواده.