من منا لا يعرف عيد "الأضحى" وعيد "المولد النبوي"، هذه الأعياد التي نحتفل بها كل عام ، لما فيها من عادات وتقاليد ذات منشأ وتاريخ في ريفنا السوري الممتلئ بالعطاء والمحتفظ بعبق الطبيعة والأرض،
من هنا كان لنا وقفة عند هذه الأعياد وكيفية ممارسة طقوسها.
يقصد بالعيد كما هو معروف ذلك اليوم الذي نحتفل فيه بذكرى كريمة أو حبيبة، حيث نبتهج فيه من خلال قيامنا بممارسات تبعث في نفوس الآخرين البهجة والمسرة، ولذا تبقى البسمة والزيارات بين الناس في هذه المناسبة من المظاهر الحميدة التي تعزز علاقاتهم الاجتماعية وتثير فيهم معاني الخير والعطاء
موقع "eSyria" وخلال لقائه بالباحث الفلكلوري والتراثي السوري الأستاذ "محمود محفوظ سمور" حاول أن يتعمق أكثر في كيفية ممارسة طقوس هذه الأعياد، والبداية كانت عن "عيد الفطر"فقال: «يقصد بالعيد كما هو معروف ذلك اليوم الذي نحتفل فيه بذكرى كريمة أو حبيبة، حيث نبتهج فيه من خلال قيامنا بممارسات تبعث في نفوس الآخرين البهجة والمسرة، ولذا تبقى البسمة والزيارات بين الناس في هذه المناسبة من المظاهر الحميدة التي تعزز علاقاتهم الاجتماعية وتثير فيهم معاني الخير والعطاء».
يتابع الأستاذ "محمود": «إن الحديث عن مراسم "عيد الفطر" وعن الممارسات التقليدية الموروثة بين أهالي الريف ذو شؤون وشجون، وسوف نتخذ من مراسم "عيد الفطر" بصفته العيد الديني الأكثر اهتماماً لدى عامتهم أنموذجاً عن احتفالات الأعياد في الريف السوري، فما إن ينتهي شهر رمضان "شهر الصيام ومعاناة الروح" حتى يأتي هذا اليوم بمثابة مكافأة لهم، فما أن يقترب وقت غروب شمس آخر يومٍ من أيامه حتى ترنو الأبصار إلى الأفق الغربي للقرى، وبالتالي ثبوت قدوم العيد السعيد، ومع ذلك يبقى الجميع في حالة الانتظار إلى أن يعلن إمام المسجد ثبوت العيد بالوجه الشرعي، حيث تَطْفقُ مآذن المساجد بالأناشيد الإبتهالية ويلعلع صوت "الطُّوب" في السماء فتمتلئ شوارع البلدة بصياح الأطفال وغنائهم فرحاً بثبوت حلول يوم العيد بقولهم "بكرة العيد، ومنعيد بندبح بقرة السِّيد، والسيد ما لو بقرة بندبح مرتو
ها الشقرة"، ويعم القرية جو مفعم بالفرح والسرور جو معبر عن خصوصية الشرق وروحانيته».
وعن احتفال النسوة في الريف السوري بهذا اليوم يكمل "سمور": «أما النسوة فيهرعن حينئذ لإنجاز أعمالهن في صنع الخبز الخاص بالعيد، ذلك الرغيف المرقق والمثقب والمشنف من أطرافه لإرضاء الأطفال، ولاتنس النسوة واجبهن في تنظيف الشارع العام المقابل لجدار كل منهن، ثم رشه بالماء، بالإضافة إلى مد سفرة طعام العيد في وسط غرفة "المنزول"، حيث يتوجب على كل بيت وضع سفرة طعام في غرفة الضيوف وإبقائها معروضة للقادم والذاهب من المعايدين إلى ما بعد ظهيرة يوم العيد، ومن الضروري أن يأكل الزائر منها ولو ملعقة واحدة تعبيراً عن "الممالحة" رمز حسن النية والوثاق بين الناس».
يكمل "سمور": «يبدو أن هذه العادات كانت في يوم من الأيام ضرورية، لأنها كانت تفسح المجال أمام الفقراء والجياع لاستغلال هذه المناسبة بتناول المأكولات الشهية، فكانت النسوة في هذا الصباح يحملن أطباق الطعام على رؤوسهن ويذهبن به إلى المقبرة ليقدمنه للفقراء والجياع استدراراً للرحمة إلى روح أموات العائلة».
وعن فرحة الأطفال بهذا العيد يقول الأستاذ "محمود": «أما الأطفال فما كان ليرقد جفن عين أحدهم في فراشه في هذه الليلة إلا وبجانبه ثوبه الجديد الذي كانوا يسمونه "السَركسْ" وكذلك حذاؤه الجديد "الصندل" الذي قد ينام أحدهم به لشدة فرحته وهو في قدميه، وفي هذا الصباح يتوجه الأطفال مع آبائهم إلى صلاة العيد، وعند الانتهاء يرافقونهم لزيارة موتى العائلة في المقبرة، وبعد ساعة من الوقت تقريباً يعود الجميع إلى منازلهم، وبعد العودة يهرع الأطفال لارتداء ثياب العيد الجديدة، ويتجمع الرجال في العائلة لينطلقوا من منازلهم مشكلين موكباً خاصاً بالعائلة لا بل تظاهرة يعبرون من خلالها عن وحدتهم وتحاببهم لزيارة الأقارب والعائلات المعروفة الأخرى».
وعن الاحتفال بعيد "المولد النبوي" يتحدث إلينا الأستاذ "محمود سمور" قائلاً: «جرت العادة في الريف السوري كما هو في بقية البقاع الإسلامية الأخرى بأن يحتفل أهلها في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام بذكرى مولد النبي "محمد" "ص"، وكانت تتجلى مراسم الاحتفال لديهم بالإضافة إلى قراءة قصة المولد، وفي إقامة حلقات الذِّكر والرقص "الديني" وفي تقديم عروضات بعض المشايخ "الخارقة" كالقيام بضرب "الشيش" أو القيام بعملية "الدُّوسة" وما شابه».
يتابع "سمور": «في نهاية الاحتفال كان يوزع على الحضور مما كان على الصواني الموضوعة في منتصف الحلقة، مثل "القمح والزبيب والتمر والسكاكر، وكذلك كانوا يحتفلون يومئذ بمناسبة الخامس عشر من شعبان والسابع والعشرين من رمضان وغيرها، والملفت أن الاحتفال بمثل هذه الأعياد ذات اهتمام لدى مشايخ "الكُتَّاب" في الخصوص، حيث كانوا يستغلون هذه المناسبة فيجمع الأولاد لوازم طبخ الطعام "مضاعفة" لإقامة وليمة غداء في دار الشيخ».
أما عن الاحتفال بعودة "الحجاج" فيقول "سمور": «حتى بداية القرن العشرين كان "الجَمَلْ" أحد الوسائل الرئيسية المستخدمة في نقل الحجاج، الأمر الذي يجعل القيام بأداء الفريضة عملاً شاقاً يحتاج إلى وقت طويل قد يبلغ شهوراً، وإلى مشقة وعناء كبيرين قد يوديان بحياة الحاج الطاعن بالسن، هذا ناهيك عن تعرض الحاج إلى أخطار قاطعي الطرق أو إلى تفشي الأمراض السارية، لهذا كانت عودة الحاج بالسلامة بالإضافة إلى ما كانت تحمله من معان دينية مدعاة للفرح والابتهاج وبالتالي إلى إقامة الاحتفالات المهيبة له سواء حين وداعه أو حين استقباله».
وعن وداع الحاج يخبرنا بمراسم الوداع: «عند وداع الحجاج واستقبالهم كان أهل البلدة يخرجون رجالاً ونساءاً وأطفالاً يتقدمهم الوجهاء والمشايخ إلى أطراف القرية وهم يدْعون للحجاج العودة بالسلامة، وهكذا كان الأمر يجري بمناسبة الاستقبال، حيث كانوا يخرجون لملاقاة الحجاج كما ودعوهم بصحبة "السنجق" وبقرع الطبول والصنجات "الخليليات"، وبالأناشيد الدينية وألعاب السيف والترس، والملاحظ أنهم كانوا يخرجون إلى مشارف القرية في هذه المرة لا ليهنئوا بسلامة العودة وحسب، بل بغرض التبرك بالحجاج أيضاً».
ويتابع الأستاذ "سمور" حديثه: «ما إن كان يمر الموكب من أمام باب دار أحد الوجهاء حتى يتقدم هذا الوجيه ليربط محرمة برقبة الفرس الأولى داعياً الجميع لاحتساء القهوة المرة تعبيراً منه عن تقديره وتكريمه لعائلات حجاج البلدة، وكان كل حاج يصل إلى داره ليجدها وقد ازدانت بأغصان الأشجار وبالكتابات على الجدران مثل "حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً" و"أهلاً وسهلاً بحجاج بيت الله الحرام.."، وقبل أن يحصل على قسط من الراحة، كان يجب أن يستقبل المهنئين بقدومه بالسلامة وأن يسقيهم مما أحضره معه من مياه بئر "زمزم" في المكة المكرمة، وعلى العموم يبقى الحاج مستنفراً مع أفراد عائلته صباحاً ومساءً ولأيام عديدة لاستقبال مهنئيه أو لتلبية دعوات العشاء المعتادة التي يقوم بها ذوو الحجاج وأقاربهم».