«إن النواعير صناعة حموية خالصة، تفننت بها العبقرية الحموية، كوسيلة من وسائل الري منذ أزمان بعيدة، ولم يستفد منها الرومان لأنه اختراع حموي، وصناعها حمويون وليس للرومان يد في هذا الاختراع ولا بالصناعة، وإلا كانوا عمموها على مناطقهم والمناطق التي سيطروا عليها».

هذا ما توصل إليه الأستاذ "محمد الشقفة" من خلال بحثه عن صناع النواعير، الذي اعتمد فيه على دراسة تاريخية وجغرافية ومنطقية، وضعها ضمن كتاب تحت عنوان "الناعورة"..."عبق التاريخ وأنشودة المجد"

بشكل قاطع وحازم لا، فقد وجدت النواعير في غير "حماة" ولكن بشكل محدود جداً، وهي تختلف عن نواعير "حماة" كلياً، حيث إنها إما ليست بالإتقان الحموي، أو هي من الحديد تغط في النهر لتخرج الماء، وسميت بذلك تجاوزاً

موقع eSyria التقى الأستاذ "محمد الشقفة" للإطلاع منه بشكل أكبر على البحث المهم الذي قام به، وهل من الممكن القول أنه لا توجد نواعير إلا في "حماة" فقال: «بشكل قاطع وحازم لا، فقد وجدت النواعير في غير "حماة" ولكن بشكل محدود جداً، وهي تختلف عن نواعير "حماة" كلياً، حيث إنها إما ليست بالإتقان الحموي، أو هي من الحديد تغط في النهر لتخرج الماء، وسميت بذلك تجاوزاً».

صناع النواعير

وعن رده لمن يعتقد أن النواعير رومانية قال: «لم يقنعني القول بأنها رومانية، على الرغم من أن هذا القول يتردد على ألسنة كثير من الناس، إلا أنه كلام مرسل من دون دليل ولا سند، فبعد البحث الطويل والتمحيص ظهرت لي حقيقة مطموسة يجب أن نسلط الضوء عليها، فمن خلال دراسة قمت بها لجميع المناطق التي قامت عليها الإمبراطورية الرومانية أو كان فيها تواجد للرومان، وقد قمت بسبر أغوار جميعها، لم ألحظ وجود النواعير إلا في "حماة" ومناطقها فقط، والرومان كما هو معروف من "إيطاليا" وقد امتد حكمهم إلى "تركيا" و"بلاد الشام" و"العراق" وحتى "فارس" و"مصر" و"شمال إفريقيا"، ومما لاحظته بأن الأنهار في أوروبا كـ "الدانوب" و"الفولكا" و"الدنيبر" و"الألب" وغيرها، لا يوجد فيها أي نواعير كنواعير "حماة"، وكذلك بقية المناطق التي ذكرتها سابقاً».

وعن كيف توصل إلى نتيجته هذه قال: «هناك (15) نقطة توصلت إليها في بحثي هذا، منها أنه لا توجد نواعير على شاكلة التي في "حماة" لا في "روما" ولا في أي من المناطق التي كانت واقعة تحت حكمها، وأيضا انحصر وجودها على نهر العاصي فهي من "الرستن" إلى "العشارنة" مع وجود بسيط في بعض المناطق مثل "جسر الشغور" وواحدة فقط في "حمص"، ولو افترضنا أن النواعير فكرة أو صناعة رومانية لوجدنا العديد منها وعلى شاكلتها في المناطق التي حكمتها روما، وقد لاحظت أن البناء الروماني يدل على نفسه من خلال تشابهه في معظم المناطق التي حكمت من قبلهم كالمسارح الرومانية التي انتشرت في كل مكان وصلت إليه "روما"، ولم يذكر أحد منهم أو يشير إلى أن النواعير من الأوابد لديهم، والعراقيون يرجعون نواعيرهم الموجودة عندهم إلى "الآشوريين"، وكما هو معروف أن "الآشوريين" دخلوا "حماة" واحتلوها عدة مرات، فمن الطبيعي أن "الآشوريين" أخذوا الفكرة وطبقوها، وربما كانت النواعير بشكلها البدائي في "حماة" كما "العراق" الآن، لكن الحمويين باعتبارهم صناعها طوروها وفي "العراق" بقيت على حالها».

الاستاذ محمد الشقفة

وأضاف: «كما أن المؤرخ "جورج كولان" يعتبر أن النواعير في "حماة" أكثر قدماً من الرومان والإغريق، وأيضاً تم اكتشاف لوحة فسيفسائية للناعورة بشكلها الحالي تقريباً في شارع الأعمدة في "أفاميا"، مما يدل على أن الرومان أعجبوا بالناعورة كشكل غريب وجديد عليهم، فأقاموا لها لوحة تجسدها ووضعوها في ذلك الشارع الهام بمدينة "أفاميا"، والحفريات التي تمت في قلعة "حماة" دلت على أساليب للري قديمة تعود إلى (2500) عام قبل الميلاد على شكل "ناعورة"».

وعن السبب في شيوع اعتقاد أن النواعير من صناعة الرومان قال: «كأن الذي يقول بأن النواعير رومانية أراد القناطر التي تحمل الحجرية، فهي تشبه البناء الروماني للقناطر إلى حد كبير، على الرغم من أن هناك فارقاً واضحاً بينهما للمختصين، حيث إن القناطر الرومانية لها تيجان وحافات منحوتة، كما أن حجارتها ملساء ولونها أبيض، أما قناطر نواعير "حماة" فهي بدون تيجان وليست ملساء بل هي من الحجر القاسي ومن ألوان زرقاء وسوداء وبيضاء».

غلاف كتابه