عندما جلس أمامي ليروي قصة سفره من الألف إلى الياء، أحسست بمشاعر الحب والتعاطف تنبض من بين أصابعه والتي تتحرك أمامي لترسم لوحة من النضال في حياة لم تخلُ ملامحها يوما من التعب والشقاء حتى استقر أخيرا على أنّ "سورية" وطنه وبلده وأهله ولن يتخلى عن العودة مهما طال الزمن.

**15 ساعة من العمل المتواصل يوميا....

أنا انتظر الصيف حتى نأتي إلى سورية ونمضي العطلة هنا، صحيح أنني سعيدة في "جدة" ولكن "سورية" أحلى، فهنا منزل جدي وعماتي، وأنا أريد أن نعود إلى "حلب" بعد خمس سنوات

كان "حسام المصري" والذي ولد في "حلب" سنة 1971 قبل 13عام يعمل ساعات طويلة يوميا دون كلل أو ملل حتى وصل في النهاية إلى أنّ ساعات عمله هذه لن تجعله يصل إلى هدفه في الحياة والكلام "للمصري": «قبل 13عام كنت أعمل ميكانيكي سيارات في ورشة في حي "الميدان" من ساعات الصباح الأولى وحتى السادسة مساء، ثم انتقل للعمل كسائق على سيارة أجرة كنت أملك ربعها، وكان مردود كل ذلك في نهاية الشهر لا يتجاوز الـ 12 ألف ليرة سورية، وكان هذا المبلغ لا يكفيني أبدا، هذا ما دفعني بقوة إلى التفكير في السفر إلى خارج "سورية" لأجد العمل اللائق والذي يحترم جهدي، هذا باختصار مشوار حياتي حتى قررت السفر».

"سيدرا"

** إصابة في الظهر وضعته في مأزق حرج.....

استطاع "حسام" بعد ذلك إيجاد فرصة للعمل في السعودية: «سافرت إلى "جدة" بعقد عمل كميكانيكي سيارات وبقيت أعمل هناك لمدة سنة وثلاثة أشهر حتى أصبت في ظهري، وحدث معي (انزلاق غضروفي) حيث كنت في إحدى المرات أقوم بتركيب موتور لسيارة، فوقع مني وعندما حاولت سنده فجأة، تحمّل ظهري ثقلا كبيرا تسبب بانزلاق غضروفي، عندها دخلت المشفى وتوقفت عن العمل، وهنا كانت الصدمة كبيرة عندما تخلى عني الإنسان الذي كان يضرب المثل بنشاطي ومهارتي في العمل، وهو كفيلي السعودي، بقيت وقتها عشرين يوما وأنا مستلقٍ على ظهري ورجلي مشلولة وهو لا يعترف بحقي عليه في العلاج والتعويض عن إصابتي.»

"سارة"

** كفيل سعودي آخر أخرجه من مأزقه ....

تعرف "حسام" في ذلك الوقت على شخص آخر من المواطنين السعوديين والذي كان يقول دائما ومن اللحظة الأولى التي تعاطف فيها مع مشكلته (حقك سيعود على هالخشم): «قرر مساعدتي المواطن السعودي حيث كان يعدني دائما بأنّه سيعيد لي حقي وتعويض إصابتي بالإضافة إلى أنّه نقلني إلى مشفى حكومي في "مكة"، وهناك تلقيت العلاج اللازم وأجريت لي عملية جراحية قام بها طبيب سوري من محافظة "اللاذقية" اسمه "عبد القادر الصوفي" وفي "مكة" ساعدني مغتربون من "حمص" كانوا هناك أيضا، وبجهود كل هؤلاء استطعت تجاوز المحنة، وبعد شفائي بدأت العمل كشريك في ورشة ميكانيك سيارات مع الرجل السعودي الثاني والذي ساعدني كثيرا، حيث أنّ جميع الأموال التي صرفها على علاجي قد أعدتها إليه على دفعات، هذه الحادثة وحادثة أخرى في سورية دفعتي إلى عدم العودة إلاّ بعد سبع سنوات، وأنا خلالها وإلى الآن شريك في ورشة ميكانيك ضخمة في "جدة"».

مراسلنا في منزل "المصري"

** بعد سبع سنوات قرر العودة ليتزوج من بنات وطنه......

بعد سبع سنوات وبعد الصدمات التي تلقاها في حياته، لم يستطع "حسام" تحمل شوقه إلى وطنه، فقرر هذه المرة المجيء بزيارة إلى "سورية" لا يعود منها إلا بزهرة سورية تكون عروسا له: «طلبت من والدتي أنّ تجد لي (بنت الحلال) وبالفعل تزوجت في 17\12\2006 وسافرت أنا وزوجتي إلى السعودية ولدي الآن بنتان هما "سيدرا" و"سارة"، والتي ولدت منذ أشهر هنا في "حلب"».

** بعد كلّ ذلك.......... العودة قريبة

«كل عام آتي إلى هنا، فهنا أهلي وناسي ورفاقي، وكلما غبت أكثر يزيد شوقي للوطن، ورغم كل ما قلته من مشاكل حدثت معي ولكن هناك أمور كثيرة جيدة قد تبدلت وأنا لاحظتها منذ 13 سنة وإلى الآن، فالطرق والمواصلات أصبحت أفضل والتكنولوجيا والأدوات الكهربائية والمنزلية أصبحت متوفرة بشكل أكبر، ومن أفضل الأصناف، ولم نعد نشعر بأنّه من واجبنا أن نأتي بأشياء من المغترب تكون غير موجودة هنا، هذا وكل ما في داخلي من حب وشوق وغيرة على الوطن دفعتني لأخذ القرار بالعودة وبعد عدة سنوات تكون خمسة في حدها الأقصى».

وخلال حديثنا مع "حسام" كانت تجلس بقربه ابنته "سيدرا" ذات الخمس سنوات والتي لم تفارق عينيها حركات يدي والدها طيلة فترة حديثه معنا، وهي أيضا كان لها رأي في ما قاله والدها: «أنا انتظر الصيف حتى نأتي إلى سورية ونمضي العطلة هنا، صحيح أنني سعيدة في "جدة" ولكن "سورية" أحلى، فهنا منزل جدي وعماتي، وأنا أريد أن نعود إلى "حلب" بعد خمس سنوات».