إن كانت الصورة الفوتوغرافية هي تثبيت للمكان في لحظة معينة، فإن مجرد اختيارها بعدسة كاميرا يتحول إلى فنٍّ يعتمد على ذائقة ملتقط المشهد فيحوله من صورة حياتية معاشة إلى لوحة كرتونية تحمل كل تفاصيل هذا المشهد.
وإن كان التطور التكنولوجي قد أتاح اليوم أمام المصور الضوئي المزيد من الإمكانيات عن طريق تطوير الكاميرا فنياً سواء من حيث دقة الصورة واختيار الوضع التصويري؛ إلا أن السؤال اليوم هو عن مدى مساهمة هذه الكاميرا في صنع المشهد.
هي لقطة لمصور في ساحة "المرجة"، كان هرماً ويعلق الكاميرا في رقبته وهو نائم على قارعة الطريق، عندما كنت أجهز كاميرتي لتصويره.. استيقظ
المصور الضوئي "فيليب حنّا" من مواليد "محردة" عام /1964/، يجيب على هذا السؤال عندما التقاه موقع eSyria في منزله بتاريخ 5 آب 2009: «بنسبة 80% يلعب اختيار المشهد واختيار اللقطة العامل الأهم في نجاح الصورة، و20% لجودة الكاميرا، فأحياناً تعطي كاميرا احترافية لإنسان عادي فلا يحسن اختيار المشهد، وأحياناً تعطي المحترف كاميرا بسيطة فيصنع بها مشهداً مذهلاً، فالضوء مثلاً يغير في شكل المشهد على مدى اليوم، كما أن هناك اختلافاً في المشهد بين الفصول وبين أشهر السنة».
ويضيف "حنّا" والذي شارك بمعرضين جماعيين في مهرجان الربيع الذي يقام سنوياً في مدينة "حماة"، وحقق حضوره إقبالاً جيداً: «العين التي ينظر بها المصوّر تختلف عن عين الإنسان العادي، قد تمر من أمام المشهد مئات المرات دون أن تنتبه إلى جماليته، المصور يأخذ هذه اللقطة ليجعلها دائماً في ذاكرة المشاهد، المعرض الذي قمت به العام 2008 كان عبارة عن لقطات لمدينة "محردة" القديمة من /70/ لوحة، الأشخاص الذين حضروا المعرض لم يصدقوا أن هذه مدينتهم».
المصور الضوئي "فيليب حنّا" والذي شارك في مسابقة للتصوير الضوئي المقامة في الكويت عن طريق "مجلة العربي" وفاز بها، يحدثنا عن بداياته: «في البداية كان يستهويني الرسم فأحببت الألوان الزيتية، إلا أن التصوير الضوئي جذبني فيما بعد، وكان هذا نتيجة لكوني أعشق كلّ ما اسمه تاريخ، فكنت كل شهر أخرج إلى منطقة أثرية ما في سورية، هناك رغبة تدعوني لأن أؤرشف كافة المناطق الأثرية في سورية».
ويضيف: «جمالية ونجاح الصورة تكمن في نظرة المصور الضوئي، وفي العدسة التي عندما تنظر من خلالها تختار الزاوية واللقطة الجمالية المناسبة، اللقطة الفنية لحظية، والمشهد الذي يمر زمنياً لا يكرر، لذلك يجب استغلاله، فالكاميرا موجودة دائماً برفقتي لأقنص الصورة في وقتها المناسب؛ المشهد لحظي، خاصة في المشاهد المتحركة، المشهد المتحرك سيغير معالمه أو يختفي خلال فترة زمنية لذلك يجب استغلاله في لحظة جمالية أو لقطة فنية محددة، هناك بعض المشاهد الثابتة وبالرغم من أنها ثابتة إلا أنها تحتاج إلى نظرة فنية لاختيار الزاوية والضوء المسلّط عليها».
وعن مهنة التصوير الضوئي بين التوثيق والفن يقول: «على الرغم من أنه يقوم بعمل توثيقي إلا أن المصور الضوئي هو فنان لأن التوثيق يحتاج إلى فن، فاختيار الموقع التاريخي أو أي منظر لتوثيقه إن لم يكن صاحبه يحمل الفن في تكوينه فلا يمكن أن يقدم شيئاً، المشهد لن ينتظرك، بل على الفنان الضوئي أن يلتقطه، أي عمل يحتاج إلى الانتباه إلى الضوء والظل لنجاحه».
وعن سبب اختياره للأبيض والأسود في معرضه الذي أقامه في عام 2008 عن "محردة" يقول: «اخترته بالأبيض والأسود لأنه يخدم الفكرة والموضوع إذ أنه ذاكرة من التاريخ والتاريخ يناسبه ترتيب اللونين، أردت أن تكون صوري بمثابة ذاكرة للأجيال القادمة».
"فيليب حنّا" الذي يجهز اليوم لمعرض فردي يقول عن لقطة تمنى لو أنه التقطها: «هي لقطة لمصور في ساحة "المرجة"، كان هرماً ويعلق الكاميرا في رقبته وهو نائم على قارعة الطريق، عندما كنت أجهز كاميرتي لتصويره.. استيقظ».