تتميّز النسوة في الريف بأنهنّ فنانات بالفطرة فقد تخرجن من مدرسة الحياة الريفية التي تسودها البساطة والغنى في المواضيع الفنية والاجتماعية الدينية من خلال عملهن في صناعة وإبداع أجمل أنواع الأشغال اليدوية ذات الوظائف المنزلية المتعددة مثل اللوحات الفنية الجميلة والألبسة وأوجه المخدّات والأدوات المطبخية وغيرها والتي ما زالت تصنع في ريفنا الجميل ومنذ أقدم الأزمنة.

في ريف منطقة "عفرين" التقى موقع eSyria بعدد من النسوة اللواتي يعملن في هذه الصناعات التقليدية العريقة التي تشكّل جزءا من الحياة الثقافية في قرى بلدنا رغم التطور الصناعي والتجاري في البلد ويصرن على استعمالها في حياتهم المنزلية اليومية.

أحرص على توريث هذه الحرفة لبناتي لأنها ممتعة وجميلة وتشكّل جزءً مهماً من حياتنا القروية التقليدية والتي تحتاج إلى تعلمها من الجيل الحالي لتبقى مستمرة في الحياة

"فاطمة إبراهيم يوسف" /75/ عاماً تقول: «أنا أمارس حرفة الخياطة التقليدية منذ أن كنت في مقتبل العمر حيث تعلمتها من والدتي المرحومة "عائشة" ومنذ ذلك الوقت وأنا أخيّط ملابس أبناء قريتي والقرى المجاورة وبدون مقابل بحسب العرف الريفي وهي مهنة صعبة للغاية ولا أعتقد أن أكبر الورشات الموجودة في مدينة "حلب" تستطيع العمل في تلك الخياطة التي تختلف عن خياطة اليوم بشكل جذري».

لوحة تزيينية مصنوعة يدوياً

«لقد كنت وما زلت أخيط الفساتين والقمصان والشراويل القديمة لكبار السن الذين حافظوا على نوع لباسهم التقليدي منذ أقدم الأزمنة، وتلك الألبسة تحتاج إلى (معلمية) وفنية ودقة في خياطتها التي تتم يدوياً أو باستخدام ماكينات خياطة يدوية عكس لباس هذه الأيام التي خلت تقريباً من الفنية».

وتابعت حديثها بالقول: «من الأشغال اليدوية المنزلية التي أصنعها أيضاً علّاقات المطابخ القماشية ذات الجيوب المتعددة وعلّاقات البيوت النباتية بشكل جميل ومتناسق، أما علّاقات المطابخ فأقوم بصنعها باستخدام قطع القماش المتبقية بعد الانتهاء من خياطة الملابس وهي في العادة بقايا أقمشة ذات ألوان زاهية ووظيفتها أنها تُعلّق في المطابخ الريفية لوضع علب الكبريت والخيوط والإبر وغيرها فيه وتتميز باحتوائها على عدد من الرسوم الجميلة التي تجعلها تُستعمل كزينة أيضاً».

وجه مخدة مزين بالورود

«العلّاقات المنزلية النباتية أستعمل في صناعتها حبات نبتة الحرمل البرية (وهي بحجم حبة الحمص) وتنمو في الريف بكثرة حيث أصنع منها علّاقات جميلة تُعلّق أعلى أبواب البيوت الريفية للحماية من العين الشريرة والزينة».

أما أشغال "فيدان باكير" فتتميّز بأنّها أكثر فنية فهي تستعمل الخرزات ذات الألوان المختلفة في صنع أجمل اللوحات القماشية والإشاربات النسائية وعن طريقة عملها تقول: «أكثر الصناعات التقليدية انتشاراً في الريف هي صناعة الإشاربات التي يتم تزيين أطرافها بمجموعات مختلفة من الأشكال الخرزية مثل الورود وذلك باستخدام الخرزات الملونة في ذلك وهي تتطلب جهداً كبيراً ودقة متناهية أثناء العمل».

تنتنة

«ولكن تبقى صناعة وأشغال (كنفا) وهي عبارة عن صنع لوحات فنية باستخدام الخيوط الملوّنة على قماش أبيض (خاصة) -والكلام ما زال لها- من أكثر هذه الصناعات الريفية تعقيداً ودقة وتتطلب لصنعها لصق غربول أبيض طُبع عليه صورة معينة بحسب الطلب بقماش أبيض (خاصّة) ومن ثم استعمال إبرة في حياكة الخيوط التي تمرّر بخرزات ملونة بنفس ألوان أجزاء الصورة المطبوعة وبعد الانتهاء من العمل يًسحب الغربول خيطاً خيطاً فتبقى الصورة المرسومة بالخرزات على الخاصة البيضاء وبشكل جميل ورائع لتستعمل في المنازل كزينة، وهناك طريقة أخرى في صنع ذلك باستخدام نفس الخطوات السابقة ولكن مع استعمال الخيط الملون بدل الخرز مع اختلاف أنّ صناعة (كنفا) باستعمال الخيوط يمكن استخدامها كلوحات للزينة المنزلية أو كأوجه للمخدات التي تحتوي على رسومات وأشكال مختلفة وجميلة مثل الورود بمختلف الألوان ولكن مع الحرص على رسم الورود الحمراء على أوجه مخدات العروس حين تجهيزها».

أخيراً "نازلية حمو" تعتبر أنّ حرفتها في اليدوية هي أكثر الحرف التقليدية الريفية تعقيداً وصعوبةً على الإطلاق حيث تقول: «ما أقوم بصناعته يُسمى تنتنة (محلياً) وهي تتطلب جهداً ووقتاً وتركيزاً عالياً لأنّها لا تقبل الأخطاء وحدوث ذلك يعني تشوّهاً في العمل ويستغرق العمل في إنجازها أياماً بلياليها ويستعمل فيه خيوط حريرية خاصّة وباستخدام المخرز والأصبع يتم رسم أجمل الرسومات وفي أغلبها رسومات تحمل طابع البيئة الريفية مثل الأشجار والورود والأزهار وغيرها، وهي تستعمل في البيوت منذ أقدم الأزمنة كغطاء وزينة لطاولة غرف الضيوف أو زجاجة لمبة الكاز القديمة وغيرها واليوم تستعمل كغطاء لجهاز التلفاز أو الراديو وكذلك لتزيين كراسي وطاولات غرف الضيوف».

وختمت بالقول: «أحرص على توريث هذه الحرفة لبناتي لأنها ممتعة وجميلة وتشكّل جزءً مهماً من حياتنا القروية التقليدية والتي تحتاج إلى تعلمها من الجيل الحالي لتبقى مستمرة في الحياة».