يعتبر ديوان "أعشاش الأبد" باكورة الأعمال الشعرية للشاعر الدكتور "أحمد حافظ"، والصادر عن دار "الفارابي" البيروتية بطبعته الأولى /2008/، التي جاءت بـ/134/ صفحة من القطع المتوسط، تضم /39/ نصاً شعرياً ونثرياً، وبإخراج أنيق، تتصدر غلافه لوحة للفنان الراحل "نعيم إسماعيل".
تتنوع نصوص "أحمد حافظ" في ديوانه الشعري الأول لترسم صورةً عن المعاناة النفسية المريرة الناضجة، وتعبّر عن القلق الكياني في داخله، وتناقش المعضلات الروحية والفكرية المكونة لوحدة البناء النصّي، حيث يبتدئ نصه الأول "اشتقاقات الليل" بفعلٍ ماضٍ يحدد زمن وحالة شخوصه الذين /ناموا/، ويكرر صيغة اسم الفاعل ومبالغاتها في ترتيب وصفي يتنقل بين مفردات (الطفل، الصياد، الحصّاد، المدعون، المكنوسون، العائد، الشارب، القاتل، العانس). ولم يبقَ من هؤلاء النيام إلا /الحارث هذي العتمة/ ليكتب في النهاية قصتهم في قصيدةٍ تناقش عدة تجارب إنسانية، ووجودية، ومشاكل فلسفية، عميقة كالموت، والحب، والحياة، والقتل، والفرجة اللاهية، القادرة على تجميع المفردات على طرفي نقيض بين الممكن واللاممكن.
إن على الناقد الإلمام بحياة الشاعر، وإلا جاء النقد جاهلاً
بداية لابد من فهم طبيعة عمل الشاعر "الحافظ"، وارتباطه مع حركة الشعر الحديث في العالم العربي، واستناداً إلى مقولات فئة من النقاد التي تقول: «إن على الناقد الإلمام بحياة الشاعر، وإلا جاء النقد جاهلاً». إن علاقته مع شعراء الحداثة "التموزيين" التي أثّرت في الشعر العربي تأثيراً كبيراً، لا سيما علاقة الصداقة التي تربطه بالشاعر السوري الكبير، ورائد التجديد في الشعر العربي المعاصر "أدونيس"، قد يكون لها أثراً كبيراً على نتاجه الأدبي ككلٍ، ما دفعه لإعتماد مفهوم الشعر كمعرفةٍ مطلقةٍ، وانفعالات العاطفة الإنسانية كحافزٍ على الإبداع.
أما البناء ـ القصيدة ـ فيبنى على وحدة المعنى كأصلٍ، وإن تم إختصاره في بضع كلماتٍ، أو ضرباتٍ كريشة رسامٍ قد تبدو واضحةً مباشرةً، مما يمنح القصيدة زخماً وقوةً، أو تتوارى خلف نصوص الإيحاء المعبرة عن ثقافة الشاعر الحضارية ما بين الأساطير والخرافات والرمزية، كما في نص "أرض القصيدة" عن العراق، الذي سيجيء شعره حاراً موحشاً، وكثيفاً قاسياً بين /جلجامش/ الحلاج/ المتنبي/ السياب/ سعدي يوسف/ الحرث/ الكمأ/ الشجر النافر/.
إن ديوان د. "أحمد حافظ" بكل نصوصه الشعرية لم يخرج عن شعر المعنى وتلويناته، وهو بذلك نهج نهجاً بعيداً عن النمط التقليدي، أي الوزن الخليلي والقافية، وآثر الابتعاد عن الزخرفة اللفظية، والوعظ والمباشرة في الخطاب، متتبعاً تناغم داخلي ينسجم مع الوحدة الفنية للقصيدة المجزأة إلى عدة أقسام، فكان الإبداع في المضمون على حساب الشكل، الذي ربما يستعصي على البعض استساغته، ممن تعود على النمط التقليدي في القراءة، واستثارة الذائقة الفنية المتوارثة عبر آلاف السنين والقصائد من تراث شعري قديم وحديث، فكانت الصعوبة مبعث البعد عن التعمق في شعر المعنى، الذي اتهم بأنه شعر نخبوي، يكتبه ويقرأه البعض وليس الكل.
من الجدير ذكره أن الشاعر الأديب "أحمد حافظ" يمارس مهنة الطب في عيادته الخاصة لأمراض الكلى، ويترأس هيئة تحرير مجلة "فكر" الأدبية، وله مجموعتان شعريتان قيد الطبع.