"درب البنات" اسم قد يثير الاستغراب... وخصوصا عندما تعرف أن هذا الدرب هو اسم لحي عريق في مدينة قديمة كمدينة "حلب"، التي كثيراً ما نسير في دروبها وطرقاتها وشوارعها الضيقة دون أن نعرف الكثير عن تاريخ هذه الشوارع وما تخفيه في زواياها وتعرجاتها من ماضٍ عريق.

إلى الشمال من بيمارستان "الأرغوني" وبشكل ملاصق يقع درب "البنات" الذي يعود تاريخه إلى مئات السنين، وهو عبارة عن حي سكني صغير يضم بعض البيوت المتلاصقة والشوارع الضيقة، وهو حي مغلق فمعظم شوارعه غير نافذة وله مدخل صغير من الجهة الغربية كان هذا المدخل يغلق ليلاً بواسطة باب حديدي كبير ،أما الآن فالمدخل يبقى مفتوحاً بعد أن تم إزالة الباب منذ أكثر من سبعين عاماً، يعيش سكان هذا الشارع كأفراد أسرة واحدة ويعرفون بعضهم البعض جيداً وقلما يشاهد شخص غريب عن الحي يتجول فيه، وعلى الرغم من صغر هذا الحي فقد سكنته عائلات كثيرة و متعددة ومرموقة منها عائلة "مكتبي"،عائلة "مكانسي"،عائلة "الملقي"،عائلة" الشلحاوي" وعائلة"كرزة".

ولدت أنا في هذا الحي ومازلت أعيش فيه منذ أكثر من ثمانين عاماً، ومازلت أذكر حتى الآن الباب الكبير الذي كان موجوداً في مدخل الحي، حيث كان يغلق هذا الباب ليلاً فيصبح الحي كأنه بيت واحد، كان يوجد في وسط الحي قسطل مياه صغير وقد شربت منه كثيراً إلا أنه اندثر الآن منذ عام /1975م/، الحي قديم جداً ويعود تاريخه إلى تاريخ باب "قنسرين" وباب "قنسرين" يعتبر من أقدم أبواب "حلب"

وقد سمي هذا الدرب بهذا الاسم نسبة إلى "بنات" زوجة "عبد الرحمن بن عبد الملك الهاشمي"، حيث كان يضم هذا الدرب قصراً كبيرا لها فعرف الدرب باسمها، وحين وضع "سيما الطويل" نائب "حلب" من قبل الخليفة العباسي "المعتمد" باباً على جسر "أنطاكية" أخذ هذا الباب من قصر"بنات" وكان ذلك سنة/258هجري/،/871م/،إلا أن القصر قد اندثر تماماً ولم يبق منه أي أثر اليوم، بينما يعتقد البعض من سكان الحي أن المنزل العائد للحاج "محمد رجب مكتبي"ربما يكون هو القصر المقصود نظراً لضخامته وارتفاع جدرانه ودقة تصميمه، ويعتقد آخرون أن الحي بأكمله ربما هو القصر المقصود تاريخياً.

مدخل الدرب.

هذا ما ذكُر عن "درب البنات" في كتب التاريخ، أما في عصرنا الحديث فيعرف هذا الدرب باسم "بوابة خان القاضي"، وقليلون هم الذين يعرفون اسمه الحقيقي، وذلك نظراً لأهمية "خان القاضي" بالنسبة لسكان هذا الحي، حيث يعمل معظم السكان بتجارة النسيج اليدوي والأحذية، ويقع "خان القاضي" إلى الجهة المقابلة تماماً إلى مدخل "درب البنات".

عندما قام الصراع على "حلب"بين أعضاء الحكام "المرداسيين" استطاع معز الدولة "ثمال بن صالح بن مرداس" أن يهاجم "حلب" ليطرد ابن أخيه منها واستطاع أن يصل إلى درب "البنات" وكان هذا يعتبر نصراً كبيراً في ذلك الوقت.

جدار المنزل الذي يعتقد أنه القصر المفقود

ويذكر المؤرخ "ابن شداد" أن "زمرد خاتون" وأختها وهما بنتا "حسام الدين لاجين" وأمهما أخت "صلاح الدين الأيوبي" قد أنشؤوا في هذا الدرب "خانقاه" للنساء، إلا أن هذا "الخانقاه" قد اندثر أيضاً ولم يبق منه أي أثر (الخانقاه هو عبارة عن مكان لتجمع النساء الغريبات أو اللواتي لا يملكن مأوى ..الخ).

وقد اهتم الملك الظاهر"غازي" بن السلطان "صلاح الدين الأيوبي" بهذا الدرب وقام بإيصال مياه قناة"حيلان" إليه عبر باب "قنسرين" وبرج "الغنم".

الحاج مكتبي

في هذا الحي التقى eAleppo الحاج "محمد رجب مكتبي" وهو من أكبر المسنين في هذا الحي،والذي عاش ثمانين عاماً فيه، وصاحب القصر المفقود حسب زعم المراجع، فحدثنا أولاً عن تاريخ وجود العائلة في هذا الحي وعن العائلات القديمة التي سكنته فقال:

«عائلتنا من العائلات القديمة التي سكنت هنا في هذا الحي، فقد جئنا إلى "حلب" مع الفتوحات الإسلامية لهذه المدينة، وأصل عائلتنا "قرشي"، تشتهر عائلتنا بتحفيظ القرآن الكريم وحديثاً ارتبط اسم عائلة "مكتبي" بتجارة أدوات صيد السمك، من العائلات القديمة التي سكنت هنا أذكر عائلة "مكانسي" التي سكنت هنا منذ أكثر من /500/عام، وسكنت هنا أيضاً عائلة من "بخارى" و عائلة "السلطان" التي يعود نسبها إلى أحد سلاطين "حلب" القدماء».

وعن الحي وتاريخه وذكرياته فيه تابع الحاج"محمد رجب مكتبي" حديثه لـ eAleppo فقال: «ولدت أنا في هذا الحي ومازلت أعيش فيه منذ أكثر من ثمانين عاماً، ومازلت أذكر حتى الآن الباب الكبير الذي كان موجوداً في مدخل الحي، حيث كان يغلق هذا الباب ليلاً فيصبح الحي كأنه بيت واحد، كان يوجد في وسط الحي قسطل مياه صغير وقد شربت منه كثيراً إلا أنه اندثر الآن منذ عام /1975م/، الحي قديم جداً ويعود تاريخه إلى تاريخ باب "قنسرين" وباب "قنسرين" يعتبر من أقدم أبواب "حلب"».

نذكر أن مدينة حلب تضم الكثير من الدروب التاريخية المعروفة منها....درب"الحطابين"، درب "الصاغة"، درب"العدل"، درب"الفرايين" وغيره.

المصادر التاريخية:

أحياء "حلب" القديمة للدكتور "محمود حريتاني"