ارتبط تاريخ الإنسان وحضارته بأساس التبادل والأخذ والطلب وعلى أساس منها كان لابدّ من وجود ما يضمن له حقه، ولم يكن أبناء "آدم" ببعيدين عن اكتشاف الثمين والغالي من ثروات الأرض التي تحولّت بمراحلها من "ذهب" و"فضّة" إلى نقودٍ مازلنا نتادولها إلى الآن، ولكنّ تلك القطع الصغيرة تحمل من المعاني والتاريخ والقصص الحقيقة والخيالية الشيء الكثير ولعلّ لمدينتنا السورية "حمص" نصيبها من نقودٍ خاصّة بها تحكي قسماً من تاريخها بطريقةٍ أو بأخرى.
ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع موقع eHoms التقى المهندس "نهاد سمعان" الباحث في شؤون الصكوك الحمصية القديمة والقسم المعروف منها والتي تعود إلى ما بعد 64 ق.م أي بعد دخول الرومان إلى "حمص" ويقول: «إنّ حق إصدار العملة قديماً لم يكن بالشيء السهل وإنما يحتاج إلى قرار إمبراطوري يتضمن حق المدينة بإصدار عملة معينة، وعند دخول "الرومان" إلى سورية بعد موت آخر ملك "سلوقي" قُسمت إلى ولايتين رومانيتين "كيليكية" و"سورية" وكانت "حمص" من ضمن المدن التي يحقّ لها إصدار العملة في ولاية "سورية".
تمتعت "حمص" بأهمية كبيرة جعلت الإمبراطور الروماني "أنطونينوس بيوس" الذي حكم "روما" بين عامي 138- 161م يضرب نقوداً ظهر عليها الحجر "الحمصي" المقدس السابق الذكر، يحمله "نسر"، ثم ضرب نقداً آخر يحمل رسمه -الامبراطور- على الوجه، وعلى الخلف رسم تخيلي لإله الشمس "الحمصي" وحول الرأس كلمة الحمصيون أيضاً كما النقد سابقه. وعندما استولى الحمصيون على مقاليد الحكم في "روما" بعهد "جوليا ميسا" وجلوس "إيلاغابال الحمصي" على عرشها -روما- أصدر نقوداً تذكارية خلد فيها ذكرى نقله للحجر الأسود الحمصي من "حمص" إلى "روما" حيث فرض عبادته على الناس
هذا وتختلف الولايات بحقّ إصدار العملة فمثلاً هنالك نقود مركزية تُسك أو تصدر عن عاصمة الإمبراطورية وتلك تتميز بجودتها ودقّة صنعها وبالمادة التي صنعت منها أي "الذهب" بخلاف باقي الولايات التي تصك نقوداً فضية أو برونزية، ويمكن الارتفاع في مادّة صناعة النقود في ولاية بحسب الخدمات التي يقدمها حاكم الولاية للإمبراطور».
أمّا "حمص" فكيف دخل لها هذا التخصص بصك نقودها يضيف: «مما لابدّ من ذكره أنّه وعند نهاية الدولة "السلوقية" في القرن الأول قبل الميلاد تمكنت الأسرة "الحمصية" الحاكمة من ممارسة الحكم بشكل شبه مستقل نتيجة ضعف وتراخي أوصال الدولة المركزية آنذاك فضُربت في "حمص" نقود فضية تحمل صور الملك "السلوقي" ولكن مع الأسف لم يكتب عليها مكان ضربها، وذلك كمرحلة أولى، ثمّ مالبث حكام "حمص" المحلّيون ونبلائها أنّ يصكوا نقدهم الخاص بعدما استطاعوا أن يحتفظوا بحكمهم الذاتي بعد دخول "الرومان" إلى ربوع "سورية" الداخلية وبقاء مدينتهم بعيدة عن الصراعات الكبرى الدائرة في المنطقة فساهم ذلك في ازدهار المدينة عمرانياً واجتماعياً واقتصادياً وأصبح معبدها الذي يحتوي الحجر الأسود المقدس من المعابد المعظمة في الإمبراطورية "الرومانية" ومنح حق الحماية واللجوء والاستقلال المالي».
مالذي كتب على النقود الحمصية المميزة كمدينة في امبراطورية "روما"؟ يقول: «تمتعت "حمص" بأهمية كبيرة جعلت الإمبراطور الروماني "أنطونينوس بيوس" الذي حكم "روما" بين عامي 138- 161م يضرب نقوداً ظهر عليها الحجر "الحمصي" المقدس السابق الذكر، يحمله "نسر"، ثم ضرب نقداً آخر يحمل رسمه -الامبراطور- على الوجه، وعلى الخلف رسم تخيلي لإله الشمس "الحمصي" وحول الرأس كلمة الحمصيون أيضاً كما النقد سابقه.
وعندما استولى الحمصيون على مقاليد الحكم في "روما" بعهد "جوليا ميسا" وجلوس "إيلاغابال الحمصي" على عرشها -روما- أصدر نقوداً تذكارية خلد فيها ذكرى نقله للحجر الأسود الحمصي من "حمص" إلى "روما" حيث فرض عبادته على الناس».
امتلكت "حمص" نقوداً جميلة جداً في الفترة الرومانية منها ما حمل صور "إيلا غابال"، "جوليا دومنا"، "كاراكالا"،..... ومنها قطع خلّدت وكشفت النقاب عن صورة الإمبراطور الحمصي الغامض "أورانيوس" الذي غفلت كتب التاريخ عن تخليد ذكراه فأظهرت النقود صورته للعالم بعد ألف وسبعمئة عام من حكمه.
وعن فترة مابعد "روما" ودخول "حمص" إلى العهد "الاسلامي" وتعريب نقدها الذي مرّ بعدة مراحل، يتابع: «بعد خمود "روما" وظهور "بيزنطة" وبعدها الفتح الإسلامي وعلى مرّ تلك العصور بقيت "حمص" محافظة على مكانتها اللامعة حيث حافظ "معاوية بن أبي سفيان" على التقسيم الإداري "البيزنطي" فكانت "حمص" إحدى أجناد "سورية" الأربعة وأكبرها من حيث المساحة وعدد السكان وقامت دار ضرب العملات في "حمص" بضرب نقود من أروع ما أنتجته دور الضرب في "بلاد الشام" خاصّةً بعد تعريب "النقود" الذي بدأ في عهد الخليفة الراشدي "عمر بن الخطاب" عام 638م.
ولكنّ مصكوكات "حمص" اقتصرت على الفلوس "النحاسية" والدراهم "الفضية" -إذ أن الدنانير الذهبية كانت من شؤون مقر الخلافة "دمشق" فقط- ليكون "الفلس" الأول الذي حمل اسم "حمص" قد ضرب في عام 30 هجـ وكتب اسم "حمص" عليه باليونانية "EMICHC" وكان الجديد فيه أنه يحمل عبارة "بسم الله" على يمين الإمبراطور "هرقل"
وبعد فترة وجيزة ضرب في "حمص" التطوير الثاني للفلوس المعرّبة فظهر اسم "حمص" بـ "العربية" على الوجه واسمها بـ "اليونانية" على الخلف مع بقاء صورة الإمبراطور "كونستانس" ببزته العسكرية وعلى رأسه "صليب" ويحمل بيده عصى الرعاية».
أمّا المرحلة ما قبل الأخيرة لمسيرة التعريب كانت في بداية تولي "عبد الملك بن مروان" الذي وضع صورته وهو حاملاً سيفه على وجه الفلس وكتب حوله "بسم الله عبد الملك أمير المؤمنين" وعلى الخلف "لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله" وفي الوسط استبدل رأس "الصليب" بدائرة مع الحفاظ على درجاته كما هي وكتب على اليسار ضرب وعلى اليمين بـ "حمص"، وبعد استكمال عملية "التعريب" ضربت دار الصكة بـ "حمص" عدداً كبيراً من الفلوس "النحاسية" الجميلة زين بعضها برسوم حيوانية مثل "الفيل"، "اليربوع" أو بدون صور ولم يعرف إلى الآن ماهو القصد منها».
هذا وتروي المراجع أنّ "حمص" استمرت في ضرب النقود في بداية الفترة "العباسية" لكن مع بداية الفترة "الأيوبية" تمركزت بوادر الازدهار الاقتصادي والنمو السكاني والعمراني في مدينة "حماه" حيث ظهرت النقود "الأيوبية" وبعدها النقود "المملوكية" ممهورة باسم "حماه" وقد زين بعضها برسوم "النواعير" بينما لم يعد لـ "حمص" ذكر في الحياة الاقتصادية للمنطقة، حيث تبّعت بقائم مقام "حماة" حتى عادت مرّة أخرى في الحكم الفيصلي عام 1920 كمركز للواء مستقل عن "حماة" وبقيت نقودها حتى تغيرت في عهدنا الحالي وتطورت بشكل المعروف.
الجدير ذكره أنّه يمكن لأي مهتم أن يطلع على صور هذه النقود وقيمتها التاريخية والمادية على موقع (www.wildwinds.com) وهو موقع عالمي لهواة جمع النقود.