«تزينت البيادر بغلالها، وفرغت الحقول من زرعها، وحضرت آلات الحصاد لتبدأ سهرات الحصاد الصيفية على ضوء الدرّاسات، مبشرة بموسم زراعي وفير، تجود فيه البيادر بخيرها، على الفلاح الذي انتظر محصوله طوال العام».

الكلام للسيد "اسعد حمود" في لقائه مع موقع eQunaytra (يوم الأحد 14/6/2009) مضيفاً: «الزرع هذا العام أفضل من السنوات الماضية، الموسم يبشر بالخير، البيادر حبلى بغلالها، تحثنا على حمل بذارنا، المخلوط بالرجاء، ندرسه وننقله إلى الجرار وأكياس الخيش وبيت المونة خيرا وغلالا. تلد الأرض الطيبة ما زرعته أيدينا، فتجود البيادر بالخير، لترسم على وجوه الفلاح البسمة والرضى، والحمد لله على رزق طالما انتظره الفلاح، ليكون مورد قوته ومصدر رزقه وتجارته البسيطة، التي يعول بها أسرته، ويطعم منها مواشيه ودوابه. اعرف هذه البيادر تموج بالزرع، فتبقى دائمة العطاء تطعم الإنسان والعصافير من خيرها، أينما نظرت ترى الرزق والغلال والمواسم الوفيرة التي تملأ البيادر قشاً وحبّاً».

بعد الانتهاء من أعمال الحصاد والدرّاسة، واخذ قيلولة لبعض الوقت، نعود لتحميل الحبوب ونقلها إلى المنزل بواسطة الجرار

جاء موسم البيادر والحصادات، وانتشر الفلاحون كل في بيدره، يدرس غلاله وزرعه، تعطر رائحة القش الأرض البيادر والمكان، وتطلق عصافير السماء زقزقة الشبع، في البيادر المتخمة بالخير الجديد. وتحمل أيادي الحصادين القش الأصفر اليابس، لتضعه طعاماً في فم الدرّاسات، ثم يحمله الفلاح في الجرارات الزراعية، وفوقه عمال وفلاحون، هدهم الفرح بموسم الغلال إلى البيت الذي طالما انتظر هذا اليوم».

الذراية وفصل الحب عن التبن

السيد "سليمان وهبي" أشار إلى الإحساس بالراحة التي تغمره، وهو يجني موسم الحصاد الجديد، مضيفاً: «نبدأ اليوم بحصاد غلال العام. نحمل "الأغمار"، "بالشاعوب" لنضعه في الدرّاسة. صوت الدرّاسات يملأ المكان، تكاد لا تسمع إلا صوتها ولا ترى في الأفق إلا الغبار الناعم، الذي يتطاير منها بفعل الرياح. تنظر إلى وجوه المزارعين تراهم للحظة متعبين، وعند جمع الغلال، ترى البسمة ترتسم على محياهم لا تفارقهم، يحمدون الله على رزقهم. نطرد غبار البيادر، والقش الناعم الطيّار عن وجوهنا ورموشنا. ثم نعاود العمل مرة ثانية، لانجاز موسم الحصاد. تاركين رحم البيدر مفرغا من زرعه وسنابله وغلاله، الذي حمله لبضعة أيام وحماه من الريح. ويسمح للطيور الصغيرة، والحمام الجوال والعصافير والسنونو ونمل الأرض ودوابها، أن تلتقط رزقها كما تشاء، من زرع وحبّ سقط سهوا بين دروب البيادر. ثم يأتي عمل تعبئة التبن والحبوب، ونقلها إلى المنزل، تاركين البيدر والأرض المتعبة من شهيق النهار تستريح، بينما هم يخالجهم الأمل والرجاء، بالعودة إلى بيادرهم ثانية، عند اشراقة شمس يوم جديد لاستكمال أعمال البيدر».

الشاب "رأفت وهبي" يصف عمل الحصادّة والدرّاسة بالمريح رغم الغبار والقش، ويضيف: «اختلفت اليوم الحصاد بعد صناعة الآلات الحديثة، في السابق كنا ننجز العمل بالاستعانة بالدواب أو الخيل، الأمر كان يأخذ منّا وقتاً وتعباً، كانت البيادر تبقى لأكثر من عدة أشهر، نقضيها بالدراس والذراية وغيرها من الأعمال المتعلقة بالبيدر، مثل نقل الحبوب والتبن وسواها. اليوم الأمر مختلف، ساعات معدودة تكفي للانتهاء من درس الغلال ونقلها إلى البيت».

الغربال لفصل الحب عن الاتربة والحجارة

"مشايخ صال" تشير إلى مجموعة من الأعمال اللازمة للبيدر وتضيف: «لا تستطيع الدرّاسة أن تطحن كل الغلال والسنابل، وبالتالي لا بد من العودة إلى "الذراية" اليدوية لاستكمال ما تبقى من المحصول، لتفريق الحبوب عن التبن والقش. إضافة إلى الاستعانة "بالغربال" من اجل التخلص من الشوائب والأتربة والحصيات، التي تكون عالقة بالقش. قدر الفلاح أن يضع لمسته الأخيرة على الغلال كما بدأها عند بذار الأرض».

السيد "محمد الصالح" صاحب إحدى الدرّاسات الآلية، والقادم من محافظة "درعا"، أشار إلى بعض الصعوبات التي تواجههم في العمل، وأضاف: «ننتظر موسم البيادر والدراس من عام إلى عام، فهو مورد رزقنا وقوتنا. منذ أكثر من عشر سنوات وأنا اعمل في مهنة الحصاد، مقابل أجرة مادية مقبولة لكل نقلة قش، في البداية يتم الاتفاق مع صاحب البيدر على عدد نقلات القش، وعلى الأجرة المترتبة على درسها، حيث نأخذ مبلغ 400 ليرة سورية على كل نقلة جرار من الغلال. عملنا لا يعرف الليل أو النهار، فالعمل قد يستمر على مدار الأربع والعشرين ساعة، من دون توقف، نتناوب أنا وأخي على مراقبة العمل، احدنا يعمل والآخر يأخذ قسطا من الراحة. هذا العام الموسم يبشر بالخير والبيادر حبلى بغلالها، والفلاحون تبدو على وجوههم الفرحة بمواسم الخير».

تعبئة التبن

من جهته لا يخفي السيد "قاسم التقي" إحساسه بالتعب ولكنه مع ذلك سعيد بالغلال الوفيرة، ويضيف:«على الرغم من قساوة العمل، نظراً لتواصله لعدة أيام متتالية، إلا أن ذلك لا يعني أبدا التعب والزهد بالأرض والزرع. التعب يذهب بعد الانتهاء من العمل، واخذ حمام ساخن، والجلوس للتفكير بالمحصول ومردوده المادي، الذي يسهم إلى حد كبير في تأمين مصدر معيشي للعائلة. الكثير من الأسر في القرية تنتظر موسم الحصاد والبيادر، من اجل الإقدام على زواج احد الأبناء أو استكمال بناء المنزل، بحسب حال الموسم الزراعي. حيث تجد الكثير من حفلات الزواج تنطلق مع انتهاء موسم الحصاد والبيادر وجني المحصول».

«بعد الانتهاء من أعمال الحصاد والدرّاسة، واخذ قيلولة لبعض الوقت، نعود لتحميل الحبوب ونقلها إلى المنزل بواسطة الجرار». بحسب قول السيد "ساري التقي" الذي أضاف: «الأمر لا يقتصر على نقل محصولنا من الحبوب فقط، بل نحاول تقديم المساعدة للجيران والأقارب، ومساعدتهم على نقل الحبوب من البيدر إلى المنزل، من دون أي مقابل مادي».

السيد "سمير البصار" تاجر يشتري التبن من المزارعين يقول عن موسم الحصاد: «ننتظر موسم البيادر سنوياً، لنعود إلى عملنا، اشتري مادة التبن من الفلاحين علفاً للمواشي، بثمن مقبول، وأقوم ببيعها في القرى الأخرى التي لا يوجد فيها زراعات، أو لأصحاب قطعان المواشي والأغنام. في سبيل انجاز العمل استأجر بعض الشباب الذين يعملون معي منذ أكثر من عشر سنوات، الشباب يقومون بتعبئة التبن في أكياس من الخيش، ومن ثم تحميلها بالسيارة، ليصار إلى بيعها لأحد مربي الأغنام أو الأبقار».