اشتهرت مدينة "حماة" بالكثير من الحرف والأشغال اليدوية، بعضها انقرض، وبعضها ما بقي يصارع حتى الآن، منها حرفة الحياكة على النول، التي بقيت على ما يبدو متجذرة في تركيبة سكانها، ووصل الأمر إلى أن اسم المهنة طغى على أسماء عائلات حموية عديدة وأصبحوا يعرفون بين الناس باسم مهنهم مثل "الحايك" و"المسدي" و"الصباغ" و"الملقي"،
ويتميز النول الحموي بالإبداع اليدوي والتفرد بنوعية إنتاجه في الحياكة، فانتشرت شهرته في سورية حتى أصبح من الصعب فصل اسم النول عن اسم "حماة"، وما زال أبناء مدينة "أبي الفداء" متمسكين بما بقي من "أنوال" كي يباهوا العالم بما قدموا، وعلام حافظوا في هذا العصر الذي استبدل فيه كل شيء بالآلة حتى..... الإنسان.
خصصنا ضمن مشغلنا مهمة لكل نول، فلدينا نول للمناشف، ونول للمناديل، ونول للستائر، ونول للبرانس، وهذا عائد لحجم كل قطعة، لأن عملنا متواصل فلا ينتهي إلا عند نهاية كرة الخيوط الكبيرة
وللتعرف بشكل أكبر عن النول، eSyria التقى الحرفي السيد "عبد الفتاح المدني" صاحب مشغل حياكة على النول ليحدثنا عن مهنته حيث قال:
«تعلمت مهنة الحياكة عن أبي وجدي، وعملت بها منذ العام /1953/، فالمهنة موجودة في عائلتنا منذ العام /1853/، وهذا رابع جيل يتعلمها ضمن عائلتنا، ولدي (8) أولاد أتقنوا العمل بها عني، وأيضا (6) أحفاد تعلموها عن آبائهم،
ونحن نحافظ بذلك على تراثنا وتراث "حماة" أيضاً وتراث هذه المهنة الأصيلة، حيث لن تتاح لهم فرصة أخرى لرؤيتها مهما سافروا حول العالم إلا هنا، فمنتجاتنا يشتريها الأب ويرثها عنه ابنه ويورثها لابنه دون أن تبلى، ودائماً تأتيني مناشف عمرها ما يزيد عن الخمسين عاماً من تركيا ودول عربية وحتى أمريكا لإصلاحها وإعادة جمالها كونها في الأصل صنعت في "حماة"،
وأنا أحتفظ بمناشف يزيد عمرها عن المئة عام أيضاً، ولا أعتقد أن أحداً ينافس أبناء مدينتنا في هذه المهنة أو حتى يستطيع تقليدهم، فهذه مهنة صعبة للغاية تتطلب صبراً شديداً لأننا نتعامل مع خيوط دقيقة، وتتطلب أيضاً حساً فنياً، وكما يقول المثل "النول بيبني حيط من خيط"».
وعن عدد الأنوال التي يملكونها وعن الأجزاء الأساسية التي يتركب منها النول قال:
«لدينا حالياً (11) نولاً واحد منها موجود في "حمص"، وجميعها مصنوعة يدوياً دون استخدام أي آلة، وبالنسبة للنول فإنه يتألف من كثير من القطع الأساسية أهمها "الدفة" وهو خشبة ثقيلة متحركة يُدق بها القماش بعد كل مرة يضاف فيها خيط من الخيوط المنسوجة بالعرض،
و"النير" عبارة عن قطعتين خشبيتين يصل بينهما صف من الخيوط تمر به خطوط السدود، و"الرمح" عبارة عن قطعتين خشبيتين يصل بينهما صف من الخيوط تمر به خطوط السدود، و"المطواية" هي خشبة مستديرة مفروزة من الوسط وقد صفّت في الفرزة أخشاباً صغيرة، و"المرد" الذي يرد الغزل نحو الأعلى، وبكرات الدحرجة للخيوط،
و"الزيار"غالباً ما يكون عظمة ماعز وقد وضعت إلى يمين الحائك وشماله لشد السيفين والرمح، وخيوط الحياكة على النول من القطن الطبيعي (100%) كي نحافظ على أصالة ومصداقية المهنة، وأغلب إنتاجنا يصدر إلى خارج البلاد وخاصة نحو أوروبا وأمريكا وتركيا، حيث نمتلك زبائن قديمين جداً لا زالوا يقدرون قيمة المنتج اليدوي، وفي كل عام يطلبون كميات كبيرة من المناشف أو المناديل للتجارة أو كهدايا».
وعن مراحل صنع المنشفة أو المنديل قال:
«في البداية نقوم بجلب الغزل المنتج من القطن الطبيعي حصراً، ثم يؤخذ إلى "الصباغ" الذي يصبغه حسب اللون الذي يطلبه الزبون مهما كان، ثم يجفف الغزل ويرسل إلى "المسدي" وهو شخص يقوم بجعل الغزل على شكل خيوط طويلة (320م) ويلفها على شكل كرات،
وبعدها يأتي "الملقي" وهو شخص يقوم بشد الخيوط الرفيعة على "النير" و"المشط" وتتطلب مهارة شديدة، وعندها يأتي دورنا نحن "الحايك" حيث ننزل ضمن حفرتنا ونبدأ بالعمل والشد وإعطاء رسومات وزركشات على القماش كي تزداد جماليته وهذا أمر عائد للحايك حسب الطلب، والتكلفة تختلف بحسب الإبداع بكل قطعة، من ناحية اللون والزخارف».
وأضاف: «خصصنا ضمن مشغلنا مهمة لكل نول، فلدينا نول للمناشف، ونول للمناديل، ونول للستائر، ونول للبرانس، وهذا عائد لحجم كل قطعة، لأن عملنا متواصل فلا ينتهي إلا عند نهاية كرة الخيوط الكبيرة».