«يعتبر البحث في التاريخ شجون من أحداث الماضي التي تحمل وقائع وأفعال أبطال قدموا للوطن الكثير من التضحيات، وسطروا في صفحاته وقفات إنسانية وهوامش ومدارج- كما اسماها الأستاذ "نجيب الشريطي" عندما قرأ كتاب "مذكرات القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" التي قدم لها العماد اول "مصطفى طلاس"- فهذا النمط من الحديث يشعرنا بإعادة المفاهيم الثقافية الوطنية التي نحملها نتيجة تضحية أبطال وثوار لم يكونوا في يوم إلا قلباً واحداً وهدفاً واحداً هو وحدة البلاد واستقلالها».

هذا الحديث للعم "أبو كنج هايل عز الدين" وهو من أطفال وادي السرحان (مكان نفي الثوار لمدة عشر سنوات ويقع وسط الصحراء بين السعودية والأردن) لموقع eSyira بتاريخ 13/4/2009، وأضاف يقول: «قدم الأستاذ "نجيب الشريطي" مجموعة من المدارج الهامة في نهج الثورة السورية الكبرى والتي سردها قائد الثورة، كأن يستذكر مواقف بين الثوار الأبطال أمثال "ابراهيم هنانو، ومحمد الأشمر، وصالح العلي، وسلطان الأطرش"، وهذا ما يجعل المتلقي يشعر بالحنين للماضي بعد التأكد من مصداقية المعلومة التاريخية».

قدم الأستاذ "نجيب الشريطي" مجموعة من المدارج الهامة في نهج الثورة السورية الكبرى والتي سردها قائد الثورة، كأن يستذكر مواقف بين الثوار الأبطال أمثال "ابراهيم هنانو، ومحمد الأشمر، وصالح العلي، وسلطان الأطرش"، وهذا ما يجعل المتلقي يشعر بالحنين للماضي بعد التأكد من مصداقية المعلومة التاريخية

وبيّن الأستاذ "نجيب الشريطي" لموقع eSyria بعضاً من مدارج نهج الثورة السورية الكبرى بالقول: «عند وصول "ابراهيم هنانو" قائد ثورة الشمال إلى الجبل عن طريق البادية إلى بلدة "الخالدية" بضيافة المرحوم الشيخ "أبو يوسف حسين عز الدين" الذي استقبله وقال له صباحاً بعد أن تعرف عليه: "أهلاً وسهلاً أنت هنا بين أهلك وذويك وأنت بيننا أمنع من عقاب الجو"، ثم أمّنه إلى قرية "بريكة" بيت المرحوم "وهبة الحلبي" ومنها إلى قرية "الثعلة" منزل "نجم باشا عز الدين" حيث هرعت قوة فرنسية لتطويق القرية والقبض عليه، هنا مدرج هام في استضافة الثوار من خارج "الجبل"، وقد فوجئت بالأهالي يحملون السلاح لحماية ضيفهم وامتلأت ساحة القرية وضجت بأهازيجهم الحربية ما اضطر القوة للمغادرة دون أن تفعل شيئاً، ولما رأى "هنانو" بأم عينه غضب الجماهير وحماسها فرح كثيراً وراح يصافح رجال القرية ويقول لهم: "والله لو كنتم عندي في الشمال لبقيت أحارب فرنسا مدة أطول"، وقد أشاد المجاهد "ابراهيم هنانو" بموقف "رشيد طليع" الجريء وتقديمه المساعدات القيمة له ولقادة ثورته، وكان يردد القول: "لن يتحقق لنا نصر مؤزر على المستعمرين مادمنا نقول أكثر مما نفعل، ومادمنا لا نراعي مشاعر جميع المواطنين التي تستوجب من شيوخنا الكبار رفع شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وهذا الشعار كان رمزاً وعنوناً لبيانات قادة الثورة السورية، بهذه الروح الوطنية الرائعة ظهر مدى التآزر والتماسك والتعاون بين ثوار الشمال وثوار الجنوب، وبعدها غادر "هنانو" بحراسة الفرسان الشجعان ووصلوا به آمناً إلى عمان، وأخيراً سلمه الإنكليز حلفاء الفرنسيين وقد حوكم وجاء في المحكمة العسكرية ما يلي: (قال رئيس المحكمة: "أنت مجرم ورئيس عصابة"، فأجابه: أنا لست مجرماً وإنما أنا ثائر سياسي، لوطني حقوق استلبت منا على أيديكم فثرنا لكي نستعيدها منكم)، وهذا القول الرائع هو تعبير صادق عن كل ثائر، وهو مدرج هام من مدارج الثورة».

أبو كنج هايل عز الدين

ثم تحدث عن معارك الشرف الذي خاضها الثوار، وأهمها معركة "المزرعة" والكل يعرف عنها الكثير، كما ذكرها الكاتب "حنا أبي راشد"، والمجاهد "منير الريس" في كتابه "الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي"- الثورة السورية الكبرى في الصفحتين 178- 179، كتب ما نصه: «إذ ذكر أن صحفيين ألمانيين كانا ضابطين في الجيش الفرنسي، زارا جبل الدروز بطريق "عمان" أثناء معارك الثورة السورية الكبرى، وطلبا من القيادة السماح لهما بارتياد ساحة المزرعة التي نشبت فيها المعارك فصرحا بعد عودتهما إلى "السويداء" أن ظفر الدروز ومصرع ألوف من الجيش الفرنسي بالأسلحة البدائية التي كان يحملها الثوار أمر ليس له مثيل في الثورات التي نشبت في مختلف أنحاء العالم ضد الجيوش النظامية، فالجيش النظامي بقيادة "الماريشال "اليوتي" خسر في المغرب الأقصى أكثر من ثلاثين ألف جندي ولكن الأمر الذي يكاد لا يصدقه العقل البشري أن يستطيع الدروز بالبنادق العتيقة والسيوف والمناجل والعمائم أن يستولوا على المدرعات المجهزة بالمدافع والرشاشات، وهذا مدرج هام أيضاً».

ويقول القائد العام "سلطان باشا الأطرش" في مذكراته: «جاءنا ونحن في قرية "المجيمر" الشيخ "محمد الأشمر" يحمل كتاباً من الشيخ "بدر الدين الحسني" يدعو لنا بالتوفيق ويبارك الخطوات الجريئة التي خطوناها في طريق التحرر والاستقلال فأنسنا به وتحقق لنا صادق عزيمته في خوض المعركة ودعوة الشعب إلى العمل بفريضة الجهاد المقدس، وفي 16 آب عام 1925 وصل إلى قرية "الثعلة" "حديثي الخريشة" على رأس قوة من بني صخر مؤلفة من نحو مئة فارس وقد سارعوا إلى نجدتنا بعلم "رضا الركابي" رئيس الحكومة الأردنية وتشجيعه، وقد وفد علينا ونحن في مخيم "المزرعة" "اسماعيل الترك الحريري" ومعه بضعة عشر فارساً من حوران، وأعلن استعداده للانضمام للثورة بعد أن رفض الإذعان لرئيسه "شوفلير" وكيل المندوب السامي الفرنسي "بدمشق" الذي كان يعمل على تسليح الإخوة الحوارنة ويحرضهم على محاربتنا، وفي 4 أغسطس/ آب 1925 طلب وكيل المندوب السامي بدمشق "المسيو شوفلير، وصبحي بركات" رئيس الحكومة سورية سابقاً زعماء "حوران" فحضر منهم "إسماعيل الحريري" من "الشيخ مسكين"، و"أحمد الرفاعي" من "نصيب"، و"منصور الحلقي" من "جاسم"، و"عبد المجيد الفيصل" من "داعل"، و"عقيل الياسين" من "بصر الحرير"، و"عبد الرحمن الرفاعي" من "أم ولد"، و"محمد الزعل" من "المسيفرة"، و"فندي الحشيش العباس" من "تل الشهاب"، و"فاضل المحاميد" من "درعا"، وبعد أن التأم شمل المدعوين، تحدث "ميسو شوفلير" بالقول: "أنتم تعلمون ما لفرنسا عليكم من الأيادي البيضاء وأعمال البر التي لا تصدر إلا من الأم المشفقة، والآن تسعى لاستتباب الأمن بينكم ولذا قرر فخامة الجنرال "سراي" إعفاء "حوران" من دفع الضريبة، والنظر لاحتياجاتكم لدفع الثوار عن أراضيكم، مع أجازة حمل السلاح ونحن نقدم لكم ألفي بندقية لتحاربوا العدو المغتصب لبلادكم، "ويقصد ثوار الجبل"، وستعلن الحكومة المنتدبة استقلال حوران"، وما إن أنهى كلامه حتى ثار في وجهه الشيخ "اسماعيل الحريري" قائلاً: "أما بخصوص المنحة الأولى فنحن نشكر السلطة الفرنسية، وأما بخصوص حمل السلاح لمحاربة "الدروز وثوار الجبل" فنحن قررنا عدم محاربتهم لأن لهم حق الجوار علينا والوطنية أيضاً، أما استقلال "حوران" فلا أوافق عليه لأن "حورن" هي جزء من سورية الكلية". وكانت صفعة مؤلمة ورائعة في وجه "شوفلير" وهذا من أهم المدارج الثورة».

المجاهد إبراهيم هنانو
المجاهد الشيخ محمد الأشمر