"ستي فاطمة" هو اللقب الذي عُرفت به المعمّرة "فاطمة الحسن" في قرية "معربلّيت"، هذه المرأة لها الكثير من الحكايات حول حياتها ومعاناتها فقالت: «لم أكن لأعرف معنى الزواج فعندما تقدم "طه محسن" لخطبتي وعمره /44/ عاماً، كنت في عمر الثامنة ألعب أمامه وأمام أخي على البساط وانتظرني حتى بلغت الرابعة عشر، أبكي كثيراً عندما أسمع صديقاتي يقلن لي: "الله يقطعك.. ختيار ومحنّي دقنو.. كيف بدك تاخديه"، ولكن عندما كنت أراه في أيام الحصاد أقول "طه بالحمرات... عم يرقص بالشملات... قلبي طق ومات... عفراقك طه"».
ثم نهضت وآثار /100/ عامٍ من الشقاء بدت واضحةً على وجهها ولم تمس ذاكرتها وقوامها الفتي بسوء لتروي لموقع eIdleb حكايات ذكريات الطفولة والصبا منذ نهاية الاحتلال العثماني قائلةً: «في نهاية حكم "السلطان رشاد" كنت في سن العاشرة ثم أتى بعده "جمال باشا" ودخل "الفرنساوي" إلى بلادنا، في هذه الأيام كانت المعارك بينهم وبين "الجتا" (الثوار) تدور في حين كنا نلتجئ إلى الخربة الواقعة جنوب قريتنا "معربلّيت" والتي تتسع لأكثر من ألف شخص نمضي فيها أكثر من شهر، نطبخ ونأكل حتى يرحل الفرنسيون، وفي شهر أيار كنا نقول "أيار.. هات منجلك واندار"، نذهب إلى الحصاد قبل شروق الشمس حتى غروبها، نمضي الشهر على البيادر نأكل ونشرب وننام ونقيم حلقات الدبكة والغناء الشعبي والعتابا والميجنا، هكذا كانت أيامنا».
علامك يابحر تهدر بلا ماي... وعلّي جرارهن ترشح بلا ماي... شهر تموز قضّيتو بلا ماي... جدب ريقي على فقد الحباب
وكيف كنتم تعتنون بأبنائكم؟
«كان الأولاد يرافقون أهاليهم إلى الحقول، الصغار يهتمون بالرضّع حتى يحين موعد الفطور نرضع أطفالنا ثم نتابع عملنا، وبعض الأطفال من يتعرض للدغ الأفاعي ويموت، ولا توجد عائلة إلا ويموت لها طفلٌ أو طفلان نتيجة المرض والحمى وعدم اهتمامنا ونقص الأطباء، ولم يكن للطفل سوى ثوبٍ أو ثوبين يصحو وينام ويذهب إلى الحقل بهما وكل ثوب فيه العديد من الرقع، واللون الأصفر هو اللون الغالب على الملابس، نأتي بقشور الرمان ونضعها في الماء ونقوم بغليها ثم نضع الملابس فيها حتى تأخذ لونها الأصفر، هكذا كان صباغ الملابس».
ولدها البكر "أحمد محسن" وعمره /85/ عاماً يقول: «تستطيع والدتي التحدث لثلاثة أيامٍ متواصلة فهي تذكر منذ أن كانت طفلة في عمر الخامسة، وتستطيع تمييز الوجوه فمن يأتيها تعرفه من ملامح وجهه فتقول "أنت ابن فلان"، وهي إلى الآن تقوم وتخرج لزيارة إخوتي وتصلي وكأنها ما زالت في ريعان الشباب».
أما ولدها "مصطفى" فقال: «تتألف عائلتنا من /72/ فرداً ولدي ثلاثة إخوةٍ ماتوا، وأمي إلى الآن لا تزال تحفظ الكثير من قصص "الشاطر حسن" و"المهلهل" و"أبو زيد الهلالي" التي كانت تسمعها من والدي وترويها لأولادنا، وتحفظ الكثير من العتابا والميجنا».
وفي نهاية الزيارة رفضت "ستي فاطمة" أن تودعنا دون أن تسمعنا العتابا فقالت: «علامك يابحر تهدر بلا ماي... وعلّي جرارهن ترشح بلا ماي... شهر تموز قضّيتو بلا ماي... جدب ريقي على فقد الحباب».