من يتجه إلى شمال مدينتي "السويداء" و"شهبا"، يصل المنطقة المسماة جغرافياً بـ"وادي اللوى"، يرى على الحافة الشرقية لمنطقة "اللجاة" البركانية بلدة "خلخلة"، وهي تبعد عن مدينة "السويداء" شمالاً 47 كم، وعن مدينة "شهبا" 28 كم، وعن العاصمة "دمشق" جنوباً 62 كم، وترتفع عن سطح البحر 715 م، ويتواجد حولها خاصة من الجهتين الشرقية والغربية العديد من المواقع والأبنية والخرب الأثرية، التي تتضمن منشآت قديمة يعود تاريخها على الأقل إلى الألف الثاني قبل الميلاد مثل بعض الكهوف والمغاور والقبور وخزانات وبرك المياه والآبار والأقنية المائية القادمة من وادي "اللوى".
وقد ساهمت السدود الصغيرة إلى حد كبير بسقاية المزروعات المختلفة والمواشي والحيوانات بأنواعها، والبلدة ذاتها تضمنت أبنية ومساكن يعود تاريخها إلى عهود العرب "الأنباط" والتي ظلت مستخدمة ومسكونة حتى العهود العربية الإسلامية.
يعتقد أن تاريخ بناء الصهريج يعود إلى العصر البيزنطي "القرن الرابع أو الخامس الميلادي
Suweda التقى الأستاذ "حسن حاطوم" مدير الآثار في المحافظة سابقا، وسأله عن أصل تسمية بلدة "خلخلة" فقال: «اسم "خلخلة" في العهود الآرامية والآشورية، يأتي من خَلْخَلَ المرأة أي ألبسها الخلخال، وتخلخلت المرأة، لبست الخلخال، والخلخال جمعه خلاخيل، والخَلْخَل والخُلْخُل جمعها خلاخيل وهي حلية تلبس في الرجل كالسوار في اليد، أجزاؤه متضامة، وتخلخل من مكانه تحرك وتقلقل، وتخلخل الثوب بلي ورقّ، وثوب خلخال وخُلخُل أي رقيق».
أما عن استكشاف البلدة فيقول الأستاذ "حاطوم": «يذكر الباحث "ج.ل.بركهاردت" في رحلته إلى الجنوب بين عامي /1810-1812/، أن جولته من "براق" إلى "خلخلة" استغرقت أكثر من ثلاث ساعات، حيث يقول بعد زيارته إلى قرية "أم حارتين"، وصلنا "الخلخلة"، وهي بلدة خربة، وقضينا ليلتنا في بيت صاحب مصنع البارود، أما الباحث "ج.ماسكل" فيصف زيارته إلى "خلخلة" بقوله: «"خلخلة" قرية في منطقة "شهبا"، وفيها صهريج مياه كبير طول ضلعه حوالي عشرين متراً، ويرتكز سقفه على عشرين عموداً، مصدرها من مبان قديمة».
أما الباحثان "غالب عامر" و"داوود النمر" فيقولان في كتابهما "جبل العرب في العصور القديمة": «يعتقد أن تاريخ بناء الصهريج يعود إلى العصر البيزنطي "القرن الرابع أو الخامس الميلادي».
ويذكر الباحث الفرنسي "ر.دوسو" البلدة في كتابه طبوغرافية سورية التاريخية "حوران- أورانيتيد" /1927/، خلال حديثه عن منطقة "اللجاة"، بقوله: «أعطيت البلدة اسم "خَلْخَلَةْ"، وعين موقعها على الحد الشرقي من اللجاة البركانية، لأنها كانت إحدى محطات جيش الملك الآشوري "آشور بانيبال" /668-626/ ق.م، ضمن حملاته انطلاقاً من "دمشق" باتجاه الجنوب، حيث بلغت الدولة الآشورية في عهده أوج عزتها، ولا تزال آثار قصره في مدينة "نينوى"، العراقية».
كما ذكرها أيضا الباحث الدكتور "قتيبة الشهابي" في معجمه المواقع الأثرية في "سورية" بقوله: «"خلخلة" قرية في منطقة "شهبا" من محافظة "السويداء"، إعمارها قديم، وفيها معبد وثني حول في العصر البيزنطي إلى كنيسة باسم القديس "جرجس"، ثم إلى مسجد وفيما بعد إلى مزار باسم "الخضر"، وفيها بركة ماء كبيرة، وبركة "النجم" المنقورة في الصخر وعديد من الصهاريج أهمها "بئر القطا" وأطلال مساكن وأبراج، ومن عناصر المعبد نجد كوة جميلة مزخرفة بأشكال زهيرة ذات جبهة مثالية الشكل مع حنية مرفوعة على عمودين صغيرين من الطراز الإيوني، معروضة اليوم ضمن إحدى جدران مضافة، وهناك نماذج عديدة مشابهة في متحف "السويداء"».
وحول التشكل الجيولوجي لهذه البلدة والمناطق المحيطة بها يحدثنا الدكتور "علي أبو عساف" قائلا: «لقد وصف الباحث الفرنسي "فرانسيس هوغيه" خلال دراساته عن شكل وتطور الأرض في أقاليم حوران البركانية، وحول القشور الكلسية في تكون الأراضي في منطقة "شهبا" بقوله: "منذ زمن بعيد لوحظ في حوران وجود قشور أرضية متفحمة، وتغطي هذه القشرات الصلبة أحياناً والهشة أحياناً أخرى جزءاً من سفح منطقة السكة "ساسيّه" إلى الشرق من قرية "المتونة" ويغطي تل "الخالدية" قوقعة كلسية بكثافة تزيد على /50/سم، وجميع منطقة "خلخلة" تبدو مغطاة بها، ويتيح أحد الخنادق مشاهدة سماكات القشرات الكلسية، الأكثر صلابة وتماسكاً، ومن الظواهر العجيبة وجود متحف لأشكال بركانية لما قبل العصر الحالي لكن انخفاضاتها المغلقة تبقى معماة "ملغزة".
أما الباحث الفرنسي "موريس سارتر" فقد قسم الكتابات "اليونانية" و"اللاتينية" التي قام بدراستها في الجنوب السوري جغرافياً إلى مجموعتين، مجموعة القرى الموجودة على أطراف الهضبة بتماس مع القشرة البازلتية والأراضي السهلية المجاورة والغنية بتربتها المنحلة مثل "المسمية، براق، ذاكير، خلخلة، شهبا، نجران، ازرع، خبب" ثم المجموعة الأخرى بالمقابل الواقعة على الهضبة بالذات قرب منخفضات صغيرة، حيث جمع الطمي البازلتي بعض الأتربة الصالحة للزراعة على حساب امتداد الحمم البازلتية مثل "داما العلياء، عريقة، جرين، سحر، لبين، صور اللجاة.." حيث ظهرت الكتابات "اليونانية" المختلفة في المواقع المذكورة في آن واحد ابتداءً من القرن الثاني الميلادي، علماً بأن معظم تلك القرى لم تقدّم نقوشاً منذ هذا التاريخ، وإنما ظهرت نقوشها بعد القرن الثاني الميلادي».
ويتابع الدكتور "أبو عساف" واصفا "خلخلة" بقوله: «لقد ذكرت بكتابي "الآثار في جبل حوران"، خلخلة" بأنها تعتبر من أقدم القرى في طرف اللجاة الشرقي وقد جرت فيها معركة بين الملك الآشوري "آشور بانيبال"، وملك قبيلة "قيدار"، "أبي ياتي"، وهي ما زالت تحتفظ بأجزاء من آثارها المعمارية القديمة"، وبالنسبة للسكن والحياة الاقتصادية فقد سُكنت البلدة منذ العهد الآرامي /الألف الأول/ ق.م وحتى العهود العربية الإسلامية ولم يقتصر السكن فقط على البلدة ذاتها بل الخرب المتواجدة خاصة في منطقة اللجاة التي احتوت على العديد من الكهوف والتي استخدمها الإنسان القديم كما استخدمت من قبل السكان الحاليين أيام الشدائد والمحن، وهناك بعض الخرب التي سكنت في الجهة الشرقية من البلدة مثل "ضلفع" و"أبو لوزة" وغيرها، وقد مارس السكان الزراعة والتجارة والحرف اليدوية وتربية الحيوان بمختلف أنواعه، حيث لا يزال في البلدة العديد من المنازل الكبيرة والهامة والتي يحتوي كل منها صالات كبيرة وملحقات تتضمن مستودعات لخزن الحبوب ومختلف المواد الزراعية والغذائية، وكذلك زرائب الحيوانات التي تحتوي على معالف مبنية بالحجر البازلتي المنحوت جيدا، واسطبلات لحيوانات الحقل والركوب».