من لا يعرف شكل "الكمأة" يظنُّ أنها نوع من أنواع البطاطا الرديئة والصغيرة الحجم، لكنه ما أن يسأل عن سعرها، حتى يكتشف أنه يقف بعيداً عن جادة الحقيقة، ويزداد بعده عنها، عندما يتناول اللقمة الأولى منها، سواء أكانت مشوية أو مطبوخة، وهذه أمور يستطيع أن يكتشفها المرء بنفسه، ودون أن يبذل كبير عناء، لكن القليل من الناس هم الذين يعرفون فوائد "الكمأة" الطبية، وأهميتها في معالجة بعض الأمراض التي قد تصيب الإنسان.
وللوقوف على تفاصيل هذا الموضوع، التقى موقع eRaqqa وبتاريخ (17/3/2009)، الصيدلاني "بسام الشوين"، الذي يعدُّ بحثاً حول التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية، وبسؤاله عن أهم الحالات المرضية التي يمكن أن تكون "الكمأة" دواءً لها، أجاب قائلاً: «من خلال إطلاعي على العديد من البحوث المخبرية الطبية، التي تناولت تحليل مكونات "الكمأة"، أستطيع القول إنها تعتبر مصدراً لمادة الفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم، وهي غنية بالبروتين حيث أنه يصل لنسبة /9%/ ويحتوي على بعض الحموض الأمينية الضرورية لنمو الخلايا، أما الدسم فتبلغ نسبته /1%/، والنشويات والسكريات نسبتها /13%/، كما أنها غنية بالفيتامين "ب1" الذي يفيد في معالجة بعض الآفات التي تصيب الأظافر والشفتين والعينين».
وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث النبوي والعمل بما جاء به
ويتابع "الشوين" في السياق ذاته: «السنوات التي قضيتها في مدينة "أوديسا" لدراسة الصيدلة، ساعدتني على الإطلاع على الكثير من البحوث والمحاضرات الهامة، التي تبحث في فوائد "الكمأة"، ولعلَّ أهمها المحاضرة التي ألقاها الدكتور "المعتز بالله المرزوقي"، وذلك في المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي، وقد حصلت مؤخراً على ملخصًّ عنها من أحد المواقع الإلكترونية العربية، وهي تتحدث عن نتائج معالجة "المرزوقي" لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء "الكمأة" في العينين، حيث تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر "فيلانوف" بـ"أوديسا"، ثم تم تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تم حل المسحوق في ماء مقطر، لنصل إلى نفس تركيز ماء "الكمأة" الطبيعي وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة.
ولقد أضيف ماء "الكمأة" إلى مستعمرات جرثومية، فلم يكن له أي تأثير، كما جرب معالجة حالات من "الساد" "Cataract" لفترة طويلة، فلم تحدث أية استجابة إلا أن النتائج الجيدة سجلت في معالجة الحالات المتطورة من "الحثر" أو "التراخوما"، حيث تم تشخصيها عند /86/ طفلاً، تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة عولجت بالأدوية المعتادة (قطرات ومراهم مضادة للحيوية أي كورتيزونية) ومجموعة ثانية أضيف ماء "الكمأة" إلى تلك المعالجات، حيث تم تقطير ماء "الكمأة" في العين المصابة /3/ مرات يومياً ولمدة شهر كامل، وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين، وذلك بالنسبة لسير الآفة ونتائج المعالجة.
ففي معظم الحالات المعالجة بقطرات ومراهم المضادات الحيوية والكورتيزونية، فإن الشفاء يحصل، ولكنه يترافق غالباً مع تليف في ملتحمة الجفون، الأمر الذي يندر حصوله عند المجموعة الدموية إلى طبيعتها، وهذا تطور كبير في معالجة هذا المرض العنيد، فتقطير ماء "الكمأة" يمنع حدوث التليف في ملتحمة الجفن المصاب بـ"التراخواما"، وذلك بالتدخل إلى حد كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف.
وقد يكون ذلك نتيجة لمعالجة التأثير الكيماوي للسموم الفيروسية المسببة للآفة، والتقليل في زيادة التجمع الخلوي في نفس الوقت، يؤدي إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا البطانية للملتحمة، حيث يزيد من تغذيتها عن طريق توسيع الشعيرات الدموية فيها، ولما كانت معظم مضاعفات "الحثر" نتيجة التليف، فإن ماء "الكمأة" يمنع بدون شك حدوث هذه المضاعفات».
وعن اكتشاف العرب المسلمين لفوائد "الكمأة" الطبية، يقول "الشوين": «في الحقيقة إن المحاضرة التي ألقاها "المرزوقي" في "أوديسا"، تستند كثيراً على ما جاء في كتب التاريخ الإسلامية، وأستشهد هنا بأهم ما ذكر فيها عن فوائد "الكمأة"، حيث يذكر "الزرقاني" أن "المتوكل" أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمداً فطلب من "أحمد بن حنبل" إن كان يعرف حديثاً في ذلك، فذكر له أن النبي (ص) قال: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، فأرسل "المتوكل" إلى طبيبه "يوحنا بن ماسويه"، وطلب منه أن يستخرج له ماء "الكمأة"، فأخذ "الكمأة" فقشرها ثم سلقها، فأنضجت أدنى النضج، ثم شقها وأخرج ماءها بالميل، فكحل به عين "المتوكل" فبرأت في الدفعة الثانية، فعجب "ابن ماسويه" وقال: «أشهد أن صاحبكم كان حكيماً»، يقصد النبي (ص).
وقال "الغافقي": «ماء "الكمأة" أصلح الأدوية للعين، إذا عجن به "الإثمد" واكتحل به فإنه يقوي الجفن، ويزيد الروح الباصر حدة وقوة، ويدفع عنها النوازل»، وقال "النووي" في شرحه لصحيح "مسلم": «إن ماءها شفاء للعين مطلقاً، فيعصر ماؤها فيجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة، فكحل عينه بماء "الكمأة" مجردة، فشفي وعاد إليه بصره»، وقال "ابن حجر" تعليقاً على قول "النووي": «وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث النبوي والعمل بما جاء به».