«قلت ساعتها إنها النهاية، وتملكني خوف وذعر شديدان لأن النيران كانت تحيط بنا من كل جانب، المنقذون وهم خليط من أطياف أهالي "عاموده" كانوا في الشارع أمام البوابة الرئيسية للسينما لا يستطيعون الدخول فقط يسحبون من يستطيع الوصول إلى البوابة.
رصيف الشارع كان أعلى من البوابة ما جعل باب السينما يفتح للداخل، دخل "محمد سعيد آغا" من الجهة الجنوبية للسينما وبدأ بحمل الأطفال والانطلاق بهم إلى ساحة السينما الجنوبية ثم يعود مرة ثانية وفي كل مرة كان يخرج أربعة أطفال أو خمسة وأحياناً كان بقدميه يركل الأطفال بطريقة الدحرجة ليلقي بهم خارج السينما.
كان ذلك عام /1960/ حيث كنت في الصف الثالث وكان يعرض في السينما وقتها فيلم عن تحرير "الجزائر" وعن بطولات المقاومة "جميلة بوحيرد"، حيث كان الفيلم يعرض لعدة مرات في اليوم وهذا كان السبب الرئيس في إحداث الحريق حيث انفجر محرك الكهرباء وكان أثاث السينما قابلاً للاحتراق. كما أنها لم تكن صالة سينما بمواصفات عصرية فهي كانت بالأصل خاناً ومن ثم عمل صاحبها على جعلها سينما فكانت الكراسي من الخشب وبسط القش والطابق الثاني مرفوع على أعمدة خشبية مزروعة بين الكراسي يفترش عليها زوايا وبواري حديدية ومن فوقها ألواح خشب ثم كراسي. أما عن إصابتي فكانت حروق في ساقي والنصف السفلي من ظهري لأنني وقعت عند البوابة الرئيسية للسينما من شدة التدافع والأطفال وقعوا فوقي، فنصف جسمي السفلي بقي داخل السينما والقسم الأعلى من جسمي في الشارع فقام الأهالي المتجمهرون خارجاً على رفع الأطفال عني وسحبي إلى الخارج ومن ثم إسعافي
وبالجولة الخامسة أو السادسة له ومع اشتداد الحريق وقع عليه داخل السينما وهو يحمل الأطفال زاوية حديد كبيرة أردته قتيلاً وذلك بعد أن أنقذ قرابة الثلاثين طفلاً، بالمختصر قدم "محمد سعيد آغا" روحه رخيصة لأطفال مدينته، مقدماً نموذجاً للشهامة العربية».
هذا ما قاله السيد "شيخموس بدر خان" أحد الأطفال الذين تم إنقاذهم من حريق سينما "عاموده" لموقع eSyria بتاريخ 12/2/2009.
وأضاف أيضاً: «كان ذلك عام /1960/ حيث كنت في الصف الثالث وكان يعرض في السينما وقتها فيلم عن تحرير "الجزائر" وعن بطولات المقاومة "جميلة بوحيرد"، حيث كان الفيلم يعرض لعدة مرات في اليوم وهذا كان السبب الرئيس في إحداث الحريق حيث انفجر محرك الكهرباء وكان أثاث السينما قابلاً للاحتراق.
كما أنها لم تكن صالة سينما بمواصفات عصرية فهي كانت بالأصل خاناً ومن ثم عمل صاحبها على جعلها سينما فكانت الكراسي من الخشب وبسط القش والطابق الثاني مرفوع على أعمدة خشبية مزروعة بين الكراسي يفترش عليها زوايا وبواري حديدية ومن فوقها ألواح خشب ثم كراسي.
أما عن إصابتي فكانت حروق في ساقي والنصف السفلي من ظهري لأنني وقعت عند البوابة الرئيسية للسينما من شدة التدافع والأطفال وقعوا فوقي، فنصف جسمي السفلي بقي داخل السينما والقسم الأعلى من جسمي في الشارع فقام الأهالي المتجمهرون خارجاً على رفع الأطفال عني وسحبي إلى الخارج ومن ثم إسعافي».
أما "فهد" الابن الوحيد من الذكور للشهيد "محمد سعيد آغا الدقوري" فقال: «كان عمري يومها تسع سنوات وأنا دخلت مع زملائي بالمدرسة السينما وحضرنا الفيلم بالإعادة الثانية أي قبل العرض الذي حصل به الحريق، وعندما كثر الصراخ بالشارع وسمعنا أن السينما تحترق ولقرب السينما من منزلنا خرجت وأهلي لنرى ماذا يحصل.
الأطفال الذين كانوا في الطابق الثاني كانوا يقفزون أثناء الحريق إلى الأسفل فيأتون فوق الأطفال الذين بالصالة ومن هول الموقف كان بعضهم يقفز من النوافذ فكان تحت إحدى النوافذ المطلة على ساحة السينما الداخلية بئر ماء ما جعل الكثير من الأطفال يقعون بداخله ويموتون غرقاً وبعضهم تم انتشالهم، عندها رأيت أبي من بعيد يركض مع بعض الرجال وأراد أن يدخل إلى السينما من الباب الرئيسي فمنعته الشرطة خوفاً على حياته، وقال أحد الجوار له إن ابنك ليس بالسينما فقال كل من في السينما أبنائي ثم ركض باتجاه الساحة الجنوبية للسينما وقفز من فوق حائطها ودخل السينما وبدأ ينقذ الأطفال غير آبه لما قد يحصل له، فكانت نهايته الحرق مع هؤلاء الأطفال، وكانت بطولته مفخرة لي ولأبنائي ودرساً قيّماً في التضحية وحب الوطن والناس».
وعن حصيلة الحريق وموقف الدولة تابع "الآغا" حديثه: «لقد مات في ذلك الحريق حوالي /186/ طفلاً من مختلف أطياف سكان مدينة "عاموده" بالإضافة لعشرات الإصابات الأخرى، وقد قامت الدولة يومها بتعويض كل أسرة شهيد بمبلغ /800/ل.س وكان هذا رقمٌ مرقوم يومها، أما عائلتنا فتقاضت مبلغ /3000/ل.س.
هذا غير المرسوم الجمهوري الذي صدر في تلك السنة والذي نص على إعفائنا من تسديد الديون المتراكمة علينا في مصرفي "الحسكة" و"القامشلي" الزراعيين والتي بلغت 60000 ليرة سورية وعلى خلفية هذه الديون وضعت المصارف الزراعية قريتنا "الصهريج" بالمزاد العلني والتي قدرت يومها بـ/50000/ ليرة سورية.
جاء هذا المرسوم على خلفية لقائي وعلى ما أضن يومها مع "مصطفى حمدون" قائد المنطقة الشمالية حيث جاء إلى مكتب "الحرس القومي" بـ"عاموده" وذهبت إليه وأنا ارتدي لباس الكشافة يومها وأديت له التحية العسكرية وأعطيته معروضاً كتبه لي يومها الشيخ "سليم الحسيني" وهو صاحب فكرة اللقاء إذ قال لي بالحرف: "يا ابني إذا قرأ المعروض وأعطاه للمرافقة فعوضك على الله، أما إذا قرأه ووضعه في جيبه فالخير قادم".
وفعلاً هذا ما حصل حيث قرأ المعروض ووضعه في جيبه».
بقي أن نقول إن الشهيد "محمد سعيد آغا الدقوري" من مواليد 1928 وهو سليل أسرة وطنية بامتياز، فأبوه المجاهد "سعيد آغا الدقوري" أحد أبطال الجزيرة العليا السورية إبان الاحتلال الفرنسي، وله مواقف وبطولات مشرفة مع زملائه الثوار والوطنيين تحفظها كتب التاريخ وحكايات الأهالي المتوارثة والتي يصعب على الزمن محوها أو تجاهلها.