«تعد ردة الفقدة، الزيارة الأولى للأهل لابنتهم بعد زواجها، وهي بمثابة تأشيرة من الأهل لابنتهم، بالسماح لها بالخروج من بيتها الجديد».
الكلام للسيد "قاسم حمود" في حديث لموقع eQunaytra بتاريخ 4/2/2009 والذي أضاف: «درجت العادة على قيام الأهل بزيارة ابنتهم، في بيت زوجها الجديد. حيث يقوم الأهل بشراء بعض الهدايا والأشياء الثمينة، التي يتطلبها بيت الزوجية، مثل الأدوات الكهربائية او بعض المفروشات والأثاث المنزلي او أدوات المطبخ.
بعد تناول أهل العروس عشاءهم، يتم تقديم واجب الضيافة لهم، من حلويات ومكسرات وفواكه، ويسهر الجميع حتى ساعات متأخرة من الليل. وعندما يقرر أهل الفتاة المغادرة، يقوم والد العروس، بتوجيه الدعوة لأهل العريس وإخوته وبعض الحاضرين على العشاء، من اجل زيارته في منزله في الأسبوع التالي. ويقوم أهل الفتاة باعداد الطعام وواجب الضيافة لاستقبال ابنتهم وزوجها وبيت عمها، ضمن الموعد واليوم المتفق عليه للزيارة. هذه العادات والقيم والتقاليد، من شأنها أن تسهم في توطيد العلاقات الاجتماعية، وترسيخ هذه القيم والأفعال التي تضيف الى الزواج نوعاً من القداسة والروحانية والشرعية الإضافية
وهذا ما حصل مع زوجة ابني "عاصم" الذي تزوج منذ فترة، حيث جاء أهل زوجته لزيارتها الأولى حاملين معهم غسالة كهربائية هدية لابنتهم. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تلك القيم والعادات الأصيلة التي تربينا عليها، المتمثلة بالحفاظ على صلة الرحم، وتعميق أواصر القربى والعلاقات الاجتماعية بين الناس.
وهذه العادة تعرف عندنا في قرية "حرفا" بعادة "ردة الفقدة". وعلى الرغم من تنوع وتباين العادات والتقاليد، في المدة التي تفصل بين زواج الفتاة وزيارة الأهل لها، من بلد الى آخر ومن منطقة الى أخرى. ففي قريتنا على سبيل المثال، جرت العادة على أن تكون ردة الفقدة بعد أسبوع من حفل الزفاف. وفي مناطق أخرى تكون في اليوم التالي من يوم الزواج، وهذا يعود بحسب العادة التي تمشي عليها كل منطقة.
ونحن في منطقة "جبل الشيخ" اعتاد الناس على موضوع ردة الفقدة في يوم الجمعة من الأسبوع الذي يلي أسبوع الزواج. والهدف من ذلك برأي الكثيرين، هو إفساح المجال للعريس وأهله وعروسه، من الانتهاء من استقبال المهنئين والمحبين، وبالتالي إعطاؤهم الوقت للاستراحة من متاعب العرس والتحضيرات التي تسبق حفل الزفاف، وبالتالي من حق العروسين على الأهل ترك المجال لهما بالاستراحة».
السيد "نواف علي" الذي زوج ابنته "نظيرة" قبل أسبوع، يقول: «بعد زواج الفتاة وانتقالها الى بيت زوجها الجديد، يمنع عليها الخروج منه للقيام بأية زيارة، الى حين قدوم أهلها لزيارتها وتقديم التهنئة لها بالزواج. وهذا التقليد أصبح بمثابة القانون والعرف، الذي يسير عليه الناس في قريتنا، ويطلق عليه مصطلح "ردة الفقدة".
ومن الطقوس التي ترافق ردة الفقدة، قيام العريس بتوجه الدعوة لأهل زوجته، وجميع الإخوة والأخوات والأقارب وبعض الأصدقاء والمقربين، ويتم الاتفاق مع والد العروس على موعد وساعة الزيارة.
في المقابل يقوم أهل العريس بتحضير مأدبة العشاء، التي تقام على شرف زيارة أهل "كنتهم" الجديدة، في هذه الأثناء يقوم أهل الفتاة بشراء بعض الأدوات الكهربائية او المفروشات وبعض الأدوات المنزلية.
في بعض الأحيان تكون الفتاة قد اتفقت مع أهلها على نوع الهدية التي ترغب بشرائها، ويقوم الأهل بشراء الهدية بناء على طلب ابنتهم. وفي هذا السياق لا تقتصر الهدية على طلب واحد فحسب، بل يصطحب الوالد هديته لابنته، في حين يقوم الإخوة والأخوات بالاتفاق على شراء هدية قيمة، يتم تقاسم ثمنها على الجميع، مثل شراء غسالة كهربائية او براد، او بعض التجهيزات المطبخية».
و"ردة الفقدة" لا تقتصر على أهل العريس فقط، بل يتعدى الأمر ذلك، بحسب رأي السيد "نضال حمود" الذي يضيف: «بعد تناول أهل العروس عشاءهم، يتم تقديم واجب الضيافة لهم، من حلويات ومكسرات وفواكه، ويسهر الجميع حتى ساعات متأخرة من الليل. وعندما يقرر أهل الفتاة المغادرة، يقوم والد العروس، بتوجيه الدعوة لأهل العريس وإخوته وبعض الحاضرين على العشاء، من اجل زيارته في منزله في الأسبوع التالي.
ويقوم أهل الفتاة باعداد الطعام وواجب الضيافة لاستقبال ابنتهم وزوجها وبيت عمها، ضمن الموعد واليوم المتفق عليه للزيارة. هذه العادات والقيم والتقاليد، من شأنها أن تسهم في توطيد العلاقات الاجتماعية، وترسيخ هذه القيم والأفعال التي تضيف الى الزواج نوعاً من القداسة والروحانية والشرعية الإضافية».
يشير السيد "يحيى يحيى" أستاذ اللغة العربية، الى أن "الفقدة" في اللغة تعني الاشتياق والحنين، وتتضمن لوعة الأهل والفتاة واشتياقهم لبعضهم بعضاً. وهي بمثابة رد الجميل من الأهل لابنتهم، إضافة الى اعتراف أهل العريس بالفضل لأهل زوجة ابنهم. وبالتالي يأتي رد الشوق بشوق، والمحبة بالعرفان والجميل والمعروف. وهذه من القيم والعادات العربية الأصيلة، التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، وعلينا واجب المحافظة عليها، وترسيخها وتعليمها لأبنائنا والجيل الجديد، ليورثوها بدورهم الى الأجيال القادمة.
العروس "نظيرة" تشير الى أن لقاءها الأول مع أهلها وإخوتها بعد الزواج، ترك في داخلها ذكريات جميلة لا تنسى، وتضيف: «فجأة تجد الفتاة نفسها في بيت زوجها، منهمكة في واجب استقبال المهنئين والمحبين، باستثناء أهلها، الذين ينبغي عليهم انتظار فترة أسبوع ليأتوا لزيارتها في بيت الزوجية.
وبالتالي كنت متشوقة لمجيء يوم الجمعة، ومشاهدة أهلي والسلام عليهم. والتحدث لأخواتي من البنات. بغض النظر عن الوقت الذي سأقضيه معهم، لأني سأتمكن من زيارتهم في الوقت الذي أريد بعد ردة الفقدة. لأنني كنت مضطرة للبقاء في البيت، ومن غير المستحب القيام بأية زيارة خارج حدود منزل بيت عمي. وفرحت أكثر عندما اشترى لي أهلي غسالة كهربائية بناء على رغبتي وطلبي منهم، إضافة الى بعض الهدايا الأخرى، التي اعتبرها ذات قيمة معنوية أكثر من قيمتها المادية، والتي تعبر عن محبة الأهل لابنتهم».
بعد ردة الفقدة، يصبح المجال مفتوحاً أمام العروسين، للقيام بواجب الزيارة لبعض الأصدقاء، وتلبية دعوات الكثير من الأقارب والأصدقاء لتناول العشاء، بحسب ما أشار إليه السيد "عاصم حمود" مضيفاً: «من العادات الجميلة التي تسود في قرية "حرفا"، قيام أصدقاء وأقرباء العريس والعروس، بتوجيه دعوات العشاء او الغداء للعروسين.
وتتوقف حجم هذه الدعوات على محبة الناس للعروسين، النابعة من حسن سلوكهما وعلاقتهما بالناس ومكانتهما الاجتماعية. حيث يقوم الشخص صاحب الدعوة، بعزيمة العروسين وأهلهما، ويحدد موعد لذلك، يتم التنسيق عادة بين الأقارب والأصدقاء والعريس على تحديد الموعد. ويبادر العريس بتلبية الدعوات اتي توجه إليه تباعا.
وبالمقابل يجب على العريس وعروسه، رد الجميل والمعروف، حيث يبادر العريس الى توجيه الدعوة لمن دعاه، عند زواجه وهذا سلف ودين. وفي حال كان صاحب دعوة العشاء متزوجاً، فينتظر العريس زواج احد أولاد صاحب الدعوة، ويقوم بدعوته هو وابنه. لتبقى أواصر المحبة والقربى والمودة، هي الإطار الذي يجمع أهالي القرية، في بوتقة المحبة والعيش المشترك».