لعل المنطقة الشرقية في سورية الوحيدة التي اختصت بظاهرة العجاج، فدخلت في قواميسهم وأدبياتهم ومأثوراتهم الشعبية، وشغل العجاج في السنوات الخمس الماضية جلّ أحاديثهم، مع ما رافقها من انحباس الأمطار وشحها، مما وفر البيئة المناسبة لانتعاش هذه الظاهرة، والحديث عنها بشكل كبير.
كما أن توقيت حدوث العجاج، لم يعد مختصاً في أشهر الربيع أو الصيف، فأصبح يأتي في فصل الشتاء، كما حدث بتاريخ (9/2/2009)، واستمر طوال ساعات الليل، وامتد إلى ساعات النهار الذي تلاه، حيث غرقت "الرقة" بالرمال، فاستيقظت على تراب يجلل الشوارع والساحات، ويكسي السيارات والأشجار، وأصبح اللون الطاغي، اللون الأصفر (الترابي) يطغى على كل شيء، بدءاً من الناس، وانتهاء بالأرض.
يسمي أهل "الرقة" الزوبعة بالعجاجة، أو الزوبعانة، و"العجاجة" تصغير "عجَّة"، والعجاج جمع مفرده "عجّة"، ويقال: عجّّ الخيل، وهو ما تحدثه الخيول عند الغارة، ولأحد شعراء "الرقة" الشعبيين شعر في ذلك، يقول: بلله احترف يا ترف/ لفانا عجّ الخيل/ سوق المنايا دنت/ مهي سوالف ليل
وللحديث عن العجاج في الذاكرة الرقية، والأثر الذي يتركه بين الناس، ومنعكسه على شروط الحياة، التقى موقع eRaqqa بتاريخ (10/2/2009) الباحث الرقي "حمصي فرحان الحمادة" الذي حدثنا بداية عن سنة "العجَّة" في التقويم الرقي، قائلاً: «سنة "العجَّة" الصفراء من التقويم الرقي، وقعت في أواخر الربيع من عام /1928/، حيث استمرت لمدة أربع ساعات قوية جداً، فحجبت السماء، وأصبح اللون الغالب، هو اللون الأصفر، وبقيت لمدة أربعة أيام متواصلة، تعطلت خلالها الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فأغلقت الدوائر الرسمية، وعطلّت المدرستان الوحيدتان في "الرقة"، "الرشيد" الابتدائية للذكور، و"بلقيس" الابتدائية للبنات».
ويضيف "الحمادة": «لم يتمكن الناس من الحصول على الخبز، نتيجة إغلاق الفرن الوحيد في "الرقة" آنذاك، وأصبح من المحال خبزه في المنازل لتعذر ذلك واستحالته، فاعتمد أهل "الرقة" في طعامهم على كعك، كان يسمى "كعك السخاني"، وهو نسبة لتجار منطقة "السخنة" الذين كانوا يتاجرون بمثل هذا الكعك في تلك الأيام، وهذا الكعك على شكل دائرة مثقوبة من الوسط، ولم تقع حوادث وفاة من جراء تلك "العجَّة" التي دخلت في تاريخ "الرقة" وتقويمهم».
ويتحدث الباحث "علي السويحة" عن العجاج قائلاً: «نظراً لعدم وجود أشجار حول "الرقة"، ما قبل إنشاء سد "الفرات" وتشكل بحيرة "الأسد"، وعدم العناية بالتشجير سابقاً، فقد كانت "الرقة" نهباً للإعصار والزوابع الرملية التي تثور في أماكن الخلاء (البادية)، فتهب الرياح وتستدير في السماء كأنها عمود شاهق، أساسه في الأرض، ورأسه في السماء، ونتيجة لثورة الإعصار والزوابع الرملية، يتهيج الغبار والتراب، وتتشكل عندها هذه الظاهرة الجوية المزعجة».
ويتابع "السويحة" وصفه للعجاج، بقوله: «يظهر العجاج فجأة، فيطبق على كل شيء، فيغرق المكان باللون الأسود أو الأحمر الداكن، وعلى بعد يسمع السامع خشخشة حبات الرمل، وصدى احتكاكها، فتلطم الوجوه، ويا ويل من يفتح فاه، وتجف الحلوق، ويعمي الغبار المتصاعد العيون، وتهيم الحيوانات على وجوهها.
وبالنسبة لمدينة "الرقة"، فمن أقام فيها يعرف طعم هذه الزوابع والعواصف الرملية، فبينما الناس في الأسواق، والحركة تعج في المكان، فجأة تراهم أمام "عجة" حلَّت عليهم، فيخفّون سراعاً لإغلاق محالهم، فيقبعون داخلها، أو يسرعون إلى بيوتهم للاطمئنان على أهلهم، بينما الشوارع قد أقفرت من المارة، طيلة مدة العجاج».
وعن تسميته، يقول "السويحة": «يسمي أهل "الرقة" الزوبعة بالعجاجة، أو الزوبعانة، و"العجاجة" تصغير "عجَّة"، والعجاج جمع مفرده "عجّة"، ويقال: عجّّ الخيل، وهو ما تحدثه الخيول عند الغارة، ولأحد شعراء "الرقة" الشعبيين شعر في ذلك، يقول: بلله احترف يا ترف/ لفانا عجّ الخيل/ سوق المنايا دنت/ مهي سوالف ليل».
وعن ورود العجاج في الذاكرة الجمعية الرقية، يقول "السويحة": «من الروايات اللطيفة التي يرويها أهل "الرقة"، أن ذئباً ونعجة كانا يعبران الفرات على طوف، من "الشامية" إلى "الجزيرة"، وفجأة قال الذئب للنعجة متبرماً: ليش تعجعجين؟ فردت عليه بمسكنة ظاهرة: شلون أعجعج، واحنا فوق مي، وجوَّا سما، ويبدو كما هو راسم لم تعجبه الإجابة، فافترسها من فوره، ويضرب هذا المثل لمن يبحث عن حجة ما أو سبب ما لينفذ مآربه».
ويضيف "السويحة" عن ورود العجاج في الأمثال الشعبية الرقية، قائلاً: «هناك العديد من الأمثال التي يرد فيها ذكر العجاج، فيقال: (الياكل من الجدرية يصير بعرسه عجاج)، والمثل يحث الأولاد أو غيرهم الامتناع عن أكل الطعام من القدر، ويقال (فلان جا يعجعج)، وهو كناية عن المرء الذي لا يصدر عنه كلاماً جميلاً، وأيضاً: (الدنيا عجاج)، وهو كناية على توتر الأجواء في محيط معين، وأيضاً: (خلاه بعجاجته)، والمثل كناية لمن سبق زميله بالعدو أو المشي».
ويتحدث "السويحة" عن سبب تسمية الأبناء باسم "عجاج" قائلاً: «يسمي أهل "الرقة"، وخاصة البدو منهم، أولادهم بأسماء غليظة، وأسماء خدمهم بأسماء لطيفة، إيماناً منهم بأن أبناءهم لمقاومة أعدائهم وخدمهم لهم، أي أنهم نذروا أولادهم للدفاع عن القبيلة، ومن هذه الأسماء الغليظة اسم "عجاج"، وهناك بدو كثر يحملون كنية "العجاج"، ومن مشاهير "الرقة" الذين حملوا هذه الكنية الملا "فصيح أحمد العجاجي" وهو شيخ أزهري، وشاعر صوفي معروف، وله مساجلات شعرية مع شعراء "الرقة" الشعبيين، وهو أول من كتب عن "السلسبيل"، وما أعقبه من مساجلات مع شعراء "الرقة"، وعلى رأسهم "محمد الذخيرة".
والعجاجيين فخذ من عشيرة "الأبو شعبان"، وقد ذكر الملا "صالح الحليبي" أن "البو محمد" هم "الفردون" و"العجاج" و"البو شيخ"، والعجاجيين أقاموا مع أولاد عمومتهم "الولدة"، ويتميزون بالعلم الديني، وأُطلق عليهم الملالي، أو ملالي "البوشعبان"».
ويختتم باحثنا "السويحة" حديثه عن العجاج، قائلاً: «هناك طرفة تخص مدينة "دير الزور" التي اشتهرت بأنها عروس الفرات، فقد ورد في "معجم المواقع الأثرية" للباحث "قتيبة الشهابي"، في الصفحة /133/ أن "دير الزور" سميت بـ"عجعوج"، وهي تسمية قديمة نسبة إلى العجاج الذي يعتريها، ويهب عليها كثيراً، مما يدل على عراقتها بالعجاج، حتى أن كثيراً من شعرائها تغنوا بالعجاج».